هل ينفض الغبار عن المشانق في الأردن؟

يكاد لا يخلو أسبوع من دون أن تتصدر وسائل الإعلام الأردني مانشيتات صادمة عن جرائم قتل فظيعة ومرعبة، يتحول بعضها لقضايا رأي عام إما لبشاعة القضية أو لجهد أهالي الضحايا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو لتطفّل الإعلام الراغب في تحقيق سبق صحافي في ظل وجود متابعين كثر لقصص القتل والجرائم. تتابع هذه الجرائم وانتشار أخبارها ظهّر في الآونة الأخيرة دعوات ملحة لإنفاذ عقوبة الإعدام وتفعيلها بعد تجميدها
2014-12-10

أحمد أبو حمد

صحافي من الأردن


شارك

يكاد لا يخلو أسبوع من دون أن تتصدر وسائل الإعلام الأردني مانشيتات صادمة عن جرائم قتل فظيعة ومرعبة، يتحول بعضها لقضايا رأي عام إما لبشاعة القضية أو لجهد أهالي الضحايا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو لتطفّل الإعلام الراغب في تحقيق سبق صحافي في ظل وجود متابعين كثر لقصص القتل والجرائم. تتابع هذه الجرائم وانتشار أخبارها ظهّر في الآونة الأخيرة دعوات ملحة لإنفاذ عقوبة الإعدام وتفعيلها بعد تجميدها لثمانية أعوام، وتبدو لها أغلبية شعبية ومعارضة خجولة، الأمر الذي دفع الحكومة للإعلان عن نيتها إجراء دراسة حول أثر تجميد العقوبة.

وقف التنفيذ

تمر عقوبة الإعدام في الأردن بثلاث مراحل، تبدأ بالقرار القضائي القطعي بصدور حكم الإعدام، ثم تذهب القضية إلى الحكومة لرفع توصية للملك بتنفيذ العقوبة، ولا يتم إنفاذ الحكم إلا بمصادقة ملكية عليه، وهو ما لم يحدث منذ عام 2006 الذي نُفّذ فيه الحكم بحق شخصين أدينا باغتيال الديبلوماسي الأميركي لورنس فولي التي جرت في عمان عام 2002.
تنفيذ الحكم كان يجري سابقاً في ساحة المسجد الحسيني الذي يتوسط قلب العاصمة عمان، ثم انتقل الى سجن المحطة، إلى حين أنشئت غرفة إعدام وفق المعايير الدولية في سجن سواقة عام 1988، تحمل اسم "مسرح الإعدام". نفّذ الحكم على 1200 شخص منذ إنشاء محكمة الجنايات الكبرى عام 1975 وحتى عام 2006.
منذ ثماني سنوات لم تُحكِم مشنقة سجن سواقة حبلها حول رقبة أي من المحكومين بالإعدام البالغ عددهم 112 محكوماً، لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن في ظل عدم مصادقة الأردن فعلياً على وقف تنفيذ حكم الإعدام، برغم مصادقته على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي لا تطبق في قضائها عقوبة الإعدام. وتحتوي التشريعات الأردنية على 23 نصّاً قانونياً يعاقب بالإعدام، بينما تخلو النصوص القانونية من أي محدٍّد لتنفيذ العقوبة خلال مدة معينة، حيث مضى على وجود بعض المحكومين في السجن أكثر من 30 عاماً من دون تنفيذ القرار. وعلى الرغم من أن الحديث يدور حول رفض الملك عبد الله الثاني المصادقة على قرارات الإعدام، فما لا يبدو واضحاً يتعلق بما إذا كانت الحكومة تقوم أصلاً بتحويل القرارات إليه.

ارتفاع الجريمة؟

هذا السؤال لا تستطيع حتى الأرقام الإجابة عليه، فهي تشير إلى أنه في عام 2005 وقعت 67 جريمة قتل، فيما بلغت 96 جريمة عام 2006، وتستمر الأرقام بالتراوح في محيط المئة جريمة بزيادة أو نقصان طفيفين حتى عام 2010، ثم قفزت إلى 133 جريمة عام 2011، وفي عام 2012 بلغت 153، مقابل 134 جريمة قتل عام 2013، وفق أرقام وزارة العدل.
الازدياد في عدد جرائم القتل لا يعود بشكل رئيسي لتجميد العقوبة، فهذه السنوات الثلاث ارتفع فيها أيضاً عدد سكان المملكة بعد أن كان يقارب الستة ملايين عام 2010، فيما يُقدّر الآن أنه بين عشرة إلى أحد عشر مليوناً، أي أن التعداد السكاني شهد تضاعفاً بسبب موجات اللجوء جراء الأحداث الإقليمية.
غالبية جرائم القتل الواردة في الإحصائيات هي وليدة لحظتها وليست جرائم منظمة أو مخطط لها، لكن التغييرات التي حصلت في التركيبة السكانية، بالإضافة إلى تراجع الحالة الاقتصادية للمواطن الأردني وارتفاع عدد من هم عند خط الفقر، ونسبة البطالة، و"التشوهات" الطبقية أثرت كلها بشكل مباشر على ارتفاع مستوى الجريمة بشكل عام. ولتفاقم الخلافات العشائرية والمشاجرات الطلابية والعنف المجتمعي وانتشار السلاح على نطاق واسع دور في رفع نسبة الجرائم كذلك. كما ساهمت الثورة المعلوماتية وتطور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة في نقل هذه الأخبار التي كانت تغيب عادة عن صفحات الجرائد سابقاً، مما خلق شعوراً عمومياً أن نسبة الجرائم تزداد في المجتمع الأردني.
نواب ووجهاء عشائر طالبوا، عبر مذكرات ورسائل، بتفعيل العقوبة، بحجة أن عودتها ستساهم في تقليص عدد الجرائم "الخارجة عن القيم الإنسانية"، بينما يطالب أهالي الضحايا بتفعيل العقوبة لرغبتهم بالانتقام لمن فقدوهم. من يدفعون باتجاه إنفاذ العقوبة يعتبرون أن تجميدها يؤدي إلى عودة عادة الثأر وأخذ الحق باليد بسبب عدم وجود عقوبة تحصّل للضحية حقها، كما يعيد القوانين العشائرية إلى الواجهة بدلاً من تقليل أثرها لمصلحة السير قدماً بمدنية الدولة.

الإعدام عقوبة رادعة؟

"العين بالعين.. والبشرية تصبح بأسرها عمياء" يقول المهاتما غاندي، كما أن علم الإجرام والإصلاح الجنائي يهدف من العقوبات التي يفرضها إلى إصلاح المجرم لا إلى إنهاء حياته. هذا ما يدافع به المناهضون للإعدام في الأردن الذين شكلوا تحالفاً للضغط على الجهات الرسمية للمصادقة على إلغاء العقوبة بشكل كامل. ويستند التحالف الأردني لمناهضة عقوبة الإعدام على أن التحليل العلمي لأوضاع غالبية المجرمين يشير إلى أن أكثرهم كانوا ضحايا أوضاع مجتمعية وتربوية مشوَهة، لذلك من المفترض إصلاحهم لا التخلص منهم، كما أن إعدام المحكومين بقضايا الإرهاب من الجماعات المتطرفة سيحولهم إلى أبطال في نظر أبناء مجتمعاتهم. ويدعو مناهضو الإعدام إلى إنفاذ هيبة القانون والنظام العام، وتطبيق القوانين بصرامة وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وترميم قيم الأمن المجتمعي لحل عمق الأزمة بدلاً من التوجه إلى حلول سطحية.

 

مقالات من الأردن

ما تبقّى من «الكرامة»

2018-04-26

في هذا المقال استعادة لمعركة «الكرامة»، ومحاولةٍ التورّط في البنيان السياسيّ الذي أنتجته بالنسبة لفلسطين والأردن، وموقعها من الوعي الصهيوني العام، فضلًا عن تتبّع ظلّها الرسمي وما تبقّى منها اليوم..

للكاتب نفسه