موريتانيا: أي وضع تحت السيطرة؟

يعيش المواطن الموريتاني منذ أشهر في صراع مرير مع حمى الضنك التي تفشت في أنحاء عديدة من البلاد، خاصة في العاصمة نواكشوط، حيث اكتظت المستشفيات بالمصابين بالحمى، لكن ذلك لم يقلق الحكومة ففضلت تجاهله! وحين بدأ الحديث عنه في وسائل الإعلام وتطرق له حزب "تكتل القوى الديموقراطية" اتهمه الحزب الحاكم بـ "تسييس الحمى" لأهداف "غير شريفة"، وأن الأمر محض افتراء. لكن المرض تفاقم
2015-10-27

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك

يعيش المواطن الموريتاني منذ أشهر في صراع مرير مع حمى الضنك التي تفشت في أنحاء عديدة من البلاد، خاصة في العاصمة نواكشوط، حيث اكتظت المستشفيات بالمصابين بالحمى، لكن ذلك لم يقلق الحكومة ففضلت تجاهله! وحين بدأ الحديث عنه في وسائل الإعلام وتطرق له حزب "تكتل القوى الديموقراطية" اتهمه الحزب الحاكم بـ "تسييس الحمى" لأهداف "غير شريفة"، وأن الأمر محض افتراء. لكن المرض تفاقم وظهرت حالات وفاة بحمى نزيفية في أماكن متعددة من البلاد، وهو ما رفع من وتيرة الجدل.
ظهور حالات من الحمى النزيفية وحديث بعض الأطباء على موقع فيسبوك عن حدوث وفيات بحمى القرم - الكونغو النزفية بالإضافة للأخبار على المواقع الالكترونية عن تفشي المرض واتساع رقعته، اشعلت شبكات التواصل الاجتماعي انتقادا للحكومة والقطاع المعني، فَسَادَ غَضَبٌ بسبب تعاملها الفاتر مع الحالة المقلقة وعدم اهتمامها بحياة المواطنين، لتخرج وزارة الصحة في الرابع من تشرين الاول/أكتوبر ببيان قالت فيه إن "الوضع تحت السيطرة" وإن على المواطنين عدم القلق، واعترفت بحدوث حالة وفاة واحدة لكن بسبب حمى الواد المتصدع وليس الحمى التي تم الحديث عنها من قبل الأطباء. بيان الوزارة حمل فقرة مقلقة فعلا وتفند ادعاءات السلطة بتحسن القطاع الطبي وتقدمه على دول الجوار، حيث يحدد البيان أنه سحبت عينة من المريض وأرسلت إلى معهد باستور بداكار (السنغال) من أجل إجراء التحاليل البيولوجية التي أثبتت وجود إصابة حديثة بحمى "الوادي المتصدع"، ما يعني أن قطاع الصحة لا يمتلك تلك التقنية. البيان أبان أمرا آخر أقلق الكثيرين، وأكد مخاوف النشطاء من التعتيم المتعمد، وهو أن الحالة التي أعلن عنها كانت قد وقعت قبل عشرين يوما من صدوره.
بيان الوزارة وكلمة "تحت السيطرة " زادتا من وتيرة الجدل، فبدأ رواد الشبكة ينشرون صورا وفيديوهات تظهر تكدس المرضى في المستشفيات، ووضعهم المتردي، وافتقار المراكز الصحية لأبسط مقومات العلاج، ويتساءلون عن أي سيطرة تتحدث الوزارة؟ ليخرج وزير الصحة، ويزيد رقم الوفيات بحمى الوادي المتصدع، ويقول إن العدد وصل إلى أربع وفيات، اثنتان من أصحابها تعانيان أصلا من أمراض أخرى وأثنتان لا تعرف"سوابقهما"، مؤكدا بدوره أن الوضع الصحي تحت السيطرة، وأن الحمى موسمية وعادية وقضاء وقدر، ومتهما من ينتقد أداء وزارته ويقول إن الوضع خطير بـ "تسييس" الملف. ليرد النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي بهشتاغ "#بلد_ينزف"، منتقدين إصرار الحكومة على تجاهل الوضع وعدم اكتراثها بحياة المواطنين، وطالب البعض بإقالة الوزير، وتحول الهاشتاغ لمعلقة في ثلب الحكومة وعملها والتذكير بفساد النظام الحاكم والربط بين قصة الحمى وواقع البلد بشكل عام، الذي اعتبر المعلقون أنه يعاني من نزيف حاد، حيث تَذَكَّرَ البعض معضلة غياب الصرف الصحي والمستنقعات في نواكشوط (كونها من مسببات انتشار البعوض المسبِّب للحمى)، وضعف البنى التحتية الطبية، وقضايا فساد أخرى ظهرت مؤخرا على السطح وأثارت الجدل، مثل ما ذكره تحقيق أصدرته صحيفة "الموند" الفرنسية قبل أيام عن قيام شرطة الأسواق المالية الأميركية ووزارة العدل الأميركية أيضا بفتح تحقيق في فساد شركة "كينروس تازيازت" الكندية التي تستخرج الذهب الموريتاني، حيث قال التقرير إنه وحسب الوثائق التي اطلعت عليها الموند، فقد بدأت هيئة الأوراق المالية والبورصات العام الماضي تحقيقا حول العلاقات المتشابكة بين المجموعة المنجمية المسجلة في بورصتي نيويورك وتورنتو ونظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وتحدث التقرير عن قيام الشركة بتقديم رواتب لموظفين سامين وجنرالات في الجيش الموريتاني ومقربين للرئيس، وأكد أن لائحة هيئة الأوراق المالية للأشخاص المستهدَفين بالتحقيق والضالعين في فساد الشركة ترسم خريطة السلطة في موريتانيا، نظرا لأن هذه الشخصيات تشكل عمق بطانة الرئيس.
ومن الأمور التي أزعجت النشطاء، انهماك الحكومة ووزرائها بالسفر إلي المدن الداخلية لشرح مضامين اللقاء التشاوري الممهِّد للحوار السياسي المقاطَع من طرف المعارضة، وعدم اكتراثهم للوباء المتفشي، وهو خلل واضح في الأولويات. فالمصاريف التي أنفقت في تلك الحملة كان من الأولى توجيهها لمجابهة الوباء وتوعية المواطنين بخطورته وحمايتهم منه.
وقال الكاتب الصحافي محمد الأمين ولد سيدي مولود على صفحته على فيسبوك: "هل تعلمون كم من بعثة حكومية أرسلت الى جميع مقاطعات الوطن من أجل شرح مهزلة الحوار؟ لقد انتشروا في عموم التراب الوطني بغطاء مالي لا نعلم من أين أتوا به، يقودهم وزراء ومسؤولون كبار، وطواقم حكومية تنشغل عن واجباتها العملية من اجل كلام سخيف. ورغم فشلهم في جمع أعداد معتبرة من الناس، ورغم الاوبئة المنتشرة، بما فيها الحمى النزيفية الأخيرة التي خلَّفت ضحايا، فإن الاهتمام الذي يمنحونه لهذه السخافات لم يمنحوا منه نقيرا لحياة المواطنين". وانتقدت الناشطة السياسية منى منت الدي سفر الرئيس الموريتاني للسعودية في ظل هذه الظروف وقال: "#‏بلد_ينزف ورئيسه يذهب الى السعودية في رحلة تسول، ولو لم ينهب سيادته كل أموال الشعب لأغنتنا ثرواتنا المتنوعة عن ذُل السؤال. إنه الجشع المرضي وحب المال الذي أصبح مثار تندر العالم أجمع".
هذه الوضعية جعلت البعض يطالب المنظمات الدولية بالتدخل لانقاذ الإنسان الموريتاني، وهو ما عبرت عنه "حركة 25" في بيان أصدرته، قالت فيه: "ندعو الهيئات الصحية الدولية، كمنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمومة والطفولة، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة المواطنين الموريتانيين في معرفة حقيقة الموضوع ببعث خبراء وإقامة مختبرات لدراسة الوضع الصحي في البلاد بعد فشل الجهات الحكومية في ذلك، وتعتيمها على الوضع، كما نذكر هذه المنظمات بمسؤولياتها"..
الحمى الموسمية أصبحت عادة في موريتانيا، وما يحدث الآن حديث معاد مكرر، وهو يعني أنه لا تقدم في الأمر، فإشكالية معرفة نوعية الحمى كانت مطروحة قبل عام حين ظهرت حمى الضنك لأول مرة، وواقع الصحة لا يزال على حاله!

 


!function(d,s,id){var js,fjs=d.getElementsByTagName(s)[0],p=/^http:/.test(d.location)?'http':'https';if(!d.getElementById(id)){js=d.createElement(s);js.id=id;js.src=p+"://platform.twitter.com/widgets.js";fjs.parentNode.insertBefore(js,fjs);}}(document,"script","twitter-wjs");

للكاتب نفسه