أخبار الإصلاحات التعليمية.. فارغة!

"غلق مراكز الدروس الخصوصية، 1000 جنيه مصري رسوم إعادة القيد للطالب المفصول من المدرسة بسبب الغياب، تخصيص 10 درجات للمواظبة، اعتماد نظام المحاضرات بدلاً من الحصص في العام الدراسي الجديد".. هذه بعض القرارات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن وزير التربية والتعليم مؤخراً كإجراءات مبدئية في طريق إصلاح التعليم، الذي تُوليه الحكومة الحالية الاهتمام، حسبما تردد الصحف. القرارات جريئة بلا شك، لكن
2015-08-20

بسمة فؤاد

باحثة من مصر


شارك
"دُفعة" لنزير طنبولي - مصر

"غلق مراكز الدروس الخصوصية، 1000 جنيه مصري رسوم إعادة القيد للطالب المفصول من المدرسة بسبب الغياب، تخصيص 10 درجات للمواظبة، اعتماد نظام المحاضرات بدلاً من الحصص في العام الدراسي الجديد".. هذه بعض القرارات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن وزير التربية والتعليم مؤخراً كإجراءات مبدئية في طريق إصلاح التعليم، الذي تُوليه الحكومة الحالية الاهتمام، حسبما تردد الصحف. القرارات جريئة بلا شك، لكن الجرأة بدت مقصودة كأحد ضرورات الإصلاح الذي لا يعرف الأيدي المرتعشة!

ثورة الطلاب

جميع القرارات تصب نحو استعادة وتفعيل دور المدرسة التي باتت "خرابة" وفقاً لما كشفته مؤخرا تظاهرات الطلاب (المتأهلين للثانوية العامة في العام الدراسي المقبل) التي انطلقت على إثر تلك القرارات. يتظاهر الطلاب ثائرين موقنين بوجاهة مطالبهم: "حقهم في الانقطاع عن المدرسة"، معتبرين أن ذهابهم إليها يمثل تهديداً لمستقبلهم. يعترضون على تخصيص 10 درجات للمواظبة، وهو القرار الذي ذُيل بعبارة "لإجبار الطلاب على عدم الغياب"! لذلك نظم عدد من الطلاب تظاهرات احتشدوا فيها أمام مقر وزارة التربية والتعليم بالقاهرة، وقد رفعوا اللافتات الثورية: "قرار الوزير باطل بأمر الطلبة"، و"صوت الطلبة هو الحل والمنظومة لازم تنحل"، وغيرها من الشعارات. للوهلة الأولى قد يُظن أنها مطالب فئة الطلاب المستهترين الذين لا يحفظون للعلم وقاره وللمدرسة مكانتها، لكن بإمعان النظر يتضح أنها مطالب عامة للطلاب، وإنما كذلك لأهاليهم.

المتأهلون للثانوية العامة

هذا الجيل الذي أفزعته القرارات فهب يعارضها وهو في بداية تأهله للثانوية العامة في العام الدراسي المقبل، هو جيل عهد المدرسة منذ بداية معرفته بها مكاناً متهالكاً الى حد بعيد، متخم بالتلاميذ، يقدم خدمة تعليمية رديئة المستوى لاستقطاب التلاميذ في الدروس الخصوصية التي يتحسن فيها الحال قليلاً ولكن ليس تماماً، إذ تظل غلظة المناهج الدراسية هي التحدي الأكبر الذي لا يُهونه إلا أن يُوفق التلميذ بمعلم يُناسب هواه، ويجيب على أسئلته، ويشرح له بالطريقة التي يفهمها، ويعامله بالطريقة التي يقبلها. هذا ما اختبره الطلاب الثائرون اليوم طيلة الأحد عشر عاماً، هو عمرهم الدراسي كاملاً. الآن.. وبعد أن حجز كل منهم مكانه لدى معلمه المفضل، فجأة هكذا، يعلن النظام توبته عن خطاياه كافة، ويقد العزم على غلق مراكز الدروس الخصوصية وتغريم الطالب 1000 جنيه إن لم يغير ما اعتاده من امتناع عن مواظبة الحضور في المدرسة؟ هكذا يبدو سهلاً "إجبار" الطلاب على إعادة البرمجة وتغيير العادة. ثم ما الجديد الذي يمنح كل هذه الثقة لصناع القرار؟

غموض الإصلاحات

من بين الجديد الذي نقلته أخبار الإصلاحات التعليمية التي سيشملها العام الدراسي المقبل، "أن التدريس سيكون بنظام المحاضرات، وأن كل تلميذ سيختار المعلم الذي يفضله". بتقصي الأمور داخل المدارس، وجدنا أنها، ونحن على مشارف بدء العام الدراسي، لم يصلها أية مكاتبات رسمية من الوزارة بخصوص الأخبار المتداوَلة إعلامياً، بل وأن شحنة استفسارات انفجرت حول التفاصيل، منها: ما الفرق بين المحاضرات والحصص؟ كانت العادة منذ سنوات طويلة أن كل مادة دراسية تعرض خلال حصتين متصلتين يطلق عليهما معاً "فترة"، وهي تتخطى الساعة (حوالي ساعة وخمس عشرة دقيقة)، بينما وفق المعلن الآن فإن "المحاضرة" ستكون ساعة ونصف الساعة، فهل الإصلاح يتمثل في الربع ساعة المُضافة أم في الاسم الجديد؟ ثم كيف سيختار كل تلميذ معلمه؟ ماذا لو لم يقع الاختيار على أحد المعلمين؟ وماذا لو اختار عدد كبير من الطلاب معلماً بعينه بينما آخر اختاره عدد صغير، فهل سيعاني الأول مع فصل عالي الكثافة وينعم الثاني بفصل منخفض الكثافة؟ وهل سيلحق بذلك تسويات مالية متباينة؟ بدت الأسئلة وجيهة بمجملها، ولكن السؤال الأخطر يتعلق بمن يضع القرارات. هل يضع يده على كل هذه التفاصيل، أم أن القرارات صدرت من أبراج عاجية لا تلمس الواقع؟
مراكز الشباب / مراكز الدروس
استكمالاً لقرارات الإصلاح، جاء الخبر بتضامن أربع وزرات في الحكومة لمواجهة الدروس الخصوصية، منها وزارة التنمية المحلية التي ستقوم بحصر عدد مراكز الدروس الخصوصية وأماكنها تمهيداً لغلقها بالقوة، ووزارة التربية والتعليم من خلال عدد من الإجراءات مثل فتح فصول التقوية وإطلاق قناة تعليمية، ووزارة الشباب والرياضة عن طريق إتاحة مراكز الشباب التابعة لها للمعلمين لتفعيل حصص التقوية! خلاصة ذلك أن حصص التقوية هي الحل أو هي أحد الحلول المطروحة، وهي بديل الدروس الخصوصية، أو الاسم الجديد لها.. ومراكز الشباب هي البديل لمراكز الدروس الخصوصية. إذاً، لن تنتهي الدروس ولن نكتفي بالمدرسة، فما الجديد؟ إن كان "تقنين" الدروس الخصوصية هو ما يُفهم من ذلك، فهو يبدو خطوة في الطريق الصحيح كحل مؤقت، لمنع وقوع الأهالي فريسة بين أيدي المعلمين من دون رقابة. لكن عدم إجحاف المعلم حقه وفق هذا التقنين هو شرط نجاح الخطوة وضمان عدم الالتفاف عليها، فإن لم تُحقق "حصص التقوية" للمعلم ربحه المعتاد أو ما يقاربه، فإنه سيعود حتماً للمناورة من الخلف. الجدير بالملاحظة أن هذه المستجدات لم تفزع إلا الطلاب، على الرغم من أنه يفترض أنهم المستفيد الأول من إي إصلاحات في العملية التعليمية. ولكن ماذا عن المعلمين؟

من المستهدف؟

يبدو أن عدم وضوح الفئة المستهدَفة من الإصلاح هو أكثر ما يعيب حزمة القرارات الجديدة. ولعله من المهم اعتناء المسؤولين بالرد المُفصِّل، بحيث يتسنى الاستعداد الآمِن للعام الدراسي الجديد في ضوء الخطط المستجدة، على مستوى المدارس كما على مستوى الطلاب والأهالي. فكلمة "الطلاب" تشتمل على مراحل وفئات متباينة بين الابتدائي والإعدادي والثانوي، بنوعيه العام والفني، وربما يكون فتح صفحة جديدة مع الدفعات المستجدة من التلاميذ في المراحل المبكرة أكثر جدوى من الإصرار على ضبط طلاب الثانوية العامة في عامهم الأخير بالمدرسة، وذلك تفادياً لتبديد السعي وإهدار الطاقة.
بالنهاية فإن الجرأة ربما تكون مطلوبة ومحمودة فعلاً في طريق الإصلاح، ولكنها لا بد أن تكون الخطوة الأخيرة بعد الدراسة المتأنية الكاشفة لأدق التفاصيل. أما الجرأة في اتخاذ قرارات من دون الإلمام الكافي بتبعاتها على كل المستويات، وعلى كل المستهدَفين منها، فهي لعب بمصائر الأفراد، وتسويغ لقبول الفشل مجدداً، وهو الذي بدوره يُحبط إمكانية الإصلاح في النفوس ويجعله مستحيلاً.

 


وسوم: العدد 157

للكاتب نفسه