التشديد والتخفيف والترك... أحوالٌ مر بها كوفيد 19 في موريتانيا

مر ملف الجائحة في موريتانيا بأحوال ثلاثة. ففي الأول، وقبل دخوله الفعلي إلى البلد، وتوطّنه، حدث تشديد مبالغ به، ولا يتناسب مع الوضع الوبائي، لقطع الطريق على دخوله إلى البلد، حسب ما أعلن. ولكن تلك الخطة فشلت. ومع دخول المرض وتحوله لواقع مجتمعي معاش، حدث تخفيف غير مبرر، وأشبه بالتسليم بالأمر الواقع. وهو انتهى اليوم الى تخلٍّ غريب..
2021-06-24

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
| en
في أسواق نواكشوط، موريتانيا.

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

بدأت قصة موريتانيا مع جائحة كوفيد- 19، عندما أعلن عن أول إصابة به في البلاد في 13 آذار/ مارس 2020، وكانت الحالة تخص مواطناً استرالياً يعمل في شركة تعدين أجنبية في موريتانيا، وقد حمل المرض حينما عاد إلى مركز عمله من رحلة خارجية.

في بداية الجائحة، وقبل أن تصبح واقعاً مجتمعياً، اتخذت الحكومة إجراءات احترازية لمحاولة منع وصول الفيروس وانتشاره، فأوقفت حركة الطيران، وكان يتم حجز كل من يصل إلى موريتانيا عبر الجو في فنادق في العاصمة نواكشوط، لمدة أسبوعين، زيدت إلى 21 يوماً.

وقامت كذلك بتوقيف الدراسة، والإعلان عن حظر التجوال، ووقف صلاة الجمعة، والتوصية بإجراءات احترازية في المساجد فيما يتعلق بالصلاة العادية.. ومنعت الحركة بين المحافظات، وأغلقت الحدود البرية، والأسواق غير الضرورية، ومنع فتح المقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه بكل أنواعها، وأطلق رقم أخضر للاتصال عليه حين يشتبه الشخص في إصابته بالمرض، ليتم توجيهه نحو المراكز الطبية المخصصة.

حاولت الحكومة من خلال هذه الإجراءات أن تطوّق الوباء، أو هكذا أشاعت. وفي البداية كانت وتيرة الجائحة خفيفةً، وتقتصر على من قدموا من الخارج، ومن بينهم، لم ينقل العدوى سوى شخص واحد وقد أصابت زوجته.

واقتصر عدد المصابين آنذاك على سبعة أشخاص، وحين تعافوا تنفس الموريتانيون الصعداء، واعتبروا أنهم نجحوا في التصدي للوباء، وأخذ الشعب والحكومة راحةً من المرض وفترة سماح. لكن هل تم استغلالها؟

الموجة الأولى، وبداية التغلغل المجتمعي

 في 12 أيار/ مايو 2020، ظهرت الحالة التاسعة، لتعتبر أول حالة مجتمعية مقلقة، فصاحبها لا يعرف مصدر إصابته، وليس قادماً من الخارج، وسبقته حالةٌ لسيدة لم تعرف هي الأخرى مصدر إصابتها، ولم تأتِ من الخارج، لكن لم تتسبب بإصابات، على عكس الحالة التاسعة، والتي يعمل صاحبها كمدير لمجمع تجاري شهير في مقاطعة "تفرغ زينه" في العاصمة. وهو توفي بُعيد تشخيص إصابته بفيروس كورونا في مركز أمراض القلب بنواكشوط، وهو الحالة التي يؤرخ بها بدء وقوع الإصابات المجتمعية، وتغلغل الوباء... إذ أصبح واقعاً في موريتانيا، وليس حكايات يجلبها ذلك القادم من الخارج بدل الهدايا. وقد أثارت قصة الحالة التاسعة الكثير من الجدل حينها، حيث مر الرجل بعدة عيادات خاصة دون أن يُشخّص داؤه إلا بعد فوات الأوان. وكتبت ابنة المتوفي عن الإهمال الذي تعرض له والدها والذي أدى لوفاته، وهو ما أثار وقتها الكثير من الجدل والغضب بين المواطنين.

بعدها كرّت الإصابات. في البداية قامت "اللجنة الوزارية المكلفة بجائحة كورونا" باعتماد سياسة حجز كل من يشتبه في إصابته بالمرض، ومعه من خالطوه، وأسست مراكز للحجز كان أهمها مركزٌ أُعدّ في جامعة نواكشوط العصرية.

تحولت الإصابة بكوفيد إلى حالة من الوصم بين الناس، فكان يختلط في التعاطي معه الرعبُ والوصم وعدم الثقة بالقطاع الصحي وبأماكن الحجر والرعاية، وهو ما سيّد ثقافةً بين الناس جعلتهم يفضلون البقاء في المنازل، وعدم الاتصال بالرقم الأخضر حين الاشتباه بالإصابة. كما أن مرضى كورونا الذين تعافوا بقوا موضع توجّس وتخوف من قبل الذين لم يصابوا بعد.

يقول وزير الصحة في إحدى إطلالاته التلفزيونية (1)  "قبل ظهور أول حالة في بداية الكوفيد حيث كانت الحالات لا تتعدى أصابع اليد. كان حين يشتبه في إصابة شخص، وتتأكد إجاباته يتم حجزه، ويتم التكفل به حتى لا يعدي غيره، وكنا نسعى ألا يخرج شخص حاملاً للفيروس. لكن مع تطور انتشار الفيروس في العاصمة انتقلنا إلى الفحص السريع، الأقل دقة، وتبنينا استراتيجيةً تعتمد على الاحتفاظ بالفحص الدقيق للحالات شبه المؤكدة، والفحص السريع للحالات المشتبه بها أو المخالطين". وقد تعرضت سياسة الفحوص للكثير من الانتقادات، وذلك لقلتها في البداية، حيث كان الشخص ينتظر أياماً لكي يعرف النتيجة وهو ما أقلق الكثيرين.

سيدي محمد الأمين (2)  هو مفتش تعليم تمّ حجزه في السابع عشر من أيار/ مايو 2020 في مستشفًى مخصص للمصابين بفيروس كوفيد 19، بعد يومين من الأعراض الطفيفة، ويومين من المراقبة، وتقرر نقله إلى الحي السكني الجامعي، بعد ما ضاق المستشفى المخصص لمرضى كوفيد 19 بالنزلاء. في شهادته حول تجربته، يقول:" كانت خطة وزارة الصحة - على ما يبدو - احتواء المرض عبر حجز كل المصابين، ولكن بياناتها لم تكن دقيقةً، فقد اجتاحت العدوى كل البيوت بحيث لم يعد بالإمكان السيطرة عليها، وهو ما اقتنعت به الوزارة بعد شهر، حيث غادرتُ الحجر الصحي الجامعي". وأكد: "كانت فحوص الكشف عن الفيروس محدودةً، والطلب عليها كبير، والنافذون فقط هم من تصنف فحوصهم على أنها مستعجلة، وبعض فحوص الأسر ضاعت وتمت إعادة فحصهم، وفي بعض الأحيان تتأخر فحوص PCR أسبوعاً كاملاً، إلى أن حصلت الوزارة على الفحوص السريعة بكميات كبيرة (...) لو كنت سأقيّم أداء وزارة الصحة في ذروة تفشي المرض، أي فترة إصابتي، لمنحتها نجمتين ونصف من خمس نجوم، لأنها حاولت أن تحتوي عدوى الفيروس أولاً، ثم حاولت الحد من انتشاره ثانياً، وأخيراً بدأت تركّز على المسنين، وأصحاب الأمراض المزمنة. بينما إمكاناتها ووسائلها محدودة، وفي مواجهة مجتمع فوضوي مستويات الوعي الصحي لديه متدنيةٌ... لقد كشف كوفيد 19 هشاشة المنظومة الصحية".

كما وُوجِهَت إدارة الفحوص وتسييرها بالكثير من الانتقاد، حيث حدثت أخطاء في هذه الفحوص، فقيل لمواطنين تمّ فحصهم أن نتيجتهم سلبية، وتبين لاحقاً أنها إيجابية، وأبلغوا أن عليهم العودة للحجز، وذلك بعد فوات الأوان، إذ كانوا قد خالطوا غيرهم.

وبسبب ضغط الوباء، أُنشئت مراكز متخصصة به وبفحوصه خارج المستشفيات حتى لا يختلط مرضاه المحتملون مع بقية المرضى، ثم أنشئت مراكز متخصصة بكوفيد في المستشفيات. وفي الحجر الجماعي، كانت هناك شكاوٍ من سوء الوضع، فمثلاً كان هناك مخالطون للمرضى محتجزين، ولم تتأكد بعد إصابتهم بالمرض، وكانوا يستعملون حمامات مشتركة، وهو ما كان ينذر بالعدوى.

الاستقبال الشعبي للجائحة في الموجة الأولى

وصلت جائحة كوفيد 19 متأخرةً إلى موريتانيا مقارنةً بجوارها الشمالي والجنوبي. ومنذ البداية، خرج وزير الصحة أكثر من مرة ليقول إن موريتانيا لا تملك سوى تفادي تفشّي الوباء لأن جهازها الصحي ضعيف وغير جاهز، وهو ما يعيه المواطنون.

ومع ارتفاع التوجّس من المرض تحولت الإصابة به إلى حالة من الوصم بين الناس، فكان يختلط في التعاطي معه الرعبُ والوصم وعدم الثقة بالقطاع الصحي وبأماكن الحجر والرعاية، وهو ما سيّد ثقافةً بين قطاعات واسعة من الناس جعلتهم يفضلون البقاء في المنازل، وعدم الاتصال بالرقم الأخضر حين الاشتباه بالإصابة بالمرض. كما أن مرضى كورونا الذين تعافوا بقوا موضع توجّس وتخوف من قبل الذين لم يصابوا بعد.

وُوجِهَت إدارة الفحوص وتسييرها بالكثير من الانتقاد، حيث حدثت أخطاء، فقيل لمواطنين تمّ فحصهم أن نتيجتهم سلبية، وتبين لاحقاً أنها إيجابية، وأبلغوا أن عليهم العودة للحجز، وذلك بعد فوات الأوان، إذ كانوا قد خالطوا غيرهم. 

أما القطاع الصحي فكثيراً ما عبر عمّاله عن امتعاضهم من وضعهم في زمن كورونا، خاصةً في بداياتها، حيث واجهوا الجائحة بأيادٍ وصدور عارية، وتطوع كثيرون بدون وسائل حماية كافية وبدون تعويض، وأصيب عدد من الأطباء والممرضين وبقية أفراد الطواقم الصحية بالمرض.. وتوفي طبيب وعدد من الممرضين، وتأخر توزيع معدات الحماية لفرق كوفيد، ولم يدرب الطاقم الصحي على التعامل مع الحالات الخطرة، وكثرت الوفيات حتى في الإنعاش . (3)

وأثناء الموجة الأولى، وُجهت انتقادات للحكومة على طريقة إدارتها للملف، خاصةً بما يخص إغلاق الحدود والإغلاق بين المدن، فقيل أن الإغلاق بين المدن طُبّق على "الضعفاء" بينما أهل النفوذ ومن يدور في فلكهم كانوا يسرحون ويمرحون بين المحافظات. وأنه حدثت محاباةٌ في منح الاستثناءات. وكذلك أن إغلاق الحدود لم يكن محكماً فحدثت موجات من التسلل. ووجه نقد للحكومة لكونها تركت مواطنين على قارعة الحدود الجنوبية مع السنغال، يريدون دخول بلدهم، ولكنها منعتهم.

وقد تسبب الإغلاق أيضاً، وحظر التجوال في الموجة الأولى بخسائر مادية كبيرة للمواطنين الذين يكدّون على عيشهم، وهو أثقل كاهلهم. وكان الرئيس الموريتاني أعلن في بداية الجائحة عن إنشاء صندوق لمساعدة المواطنين على تحمل تبعاتها الاقتصادية، وبعد أشهر من الحظر والتضييق والاحتراز، قررت اللجنة الوزارية المكلفة بملف كورونا في 8 تموز/ يوليو 2020، الرفع الكلي لحظر التجول في موريتانيا، وفتح الطرق بين المحافظات، بالإضافة إلى فتح مطار نواكشوط الدولي في أيلول/ سبتمبر، وكذلك المطارات الداخلية.. لتنهي أشهراً من حظر التجوال والتنقل، بدأته من منتصف شهر آذار/ مارس 2020، معتبرةً أن هناك انحساراً للوباء، وانخفاضاً في أعداد الإصابات... فتنفس المواطنون الصعداء، وبدؤوا قصة النسيان الكبير، أو التجاهل المتعمد للجائحة وما يمت إليها بصلة.

الثانية أعنف من الأولى

بدأت إرهاصات الموجة الثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر، وكانت أقوى من الأولى حسب معدلات الإصابات والوفيات المسجلة، فتجاوزت الإصابات مئتي إصابة يومياً، بالإضافة إلى عشر وفيّات، وهذه الأرقام كانت مفزعةً بالمقارنة مع أرقام الموجة الأولى، إلا أنه وللمفارقة فقد كان التعامل معها أخف من ناحية الإجراءات الاحترازية.

ومن الأسباب التي كثيراً ما ترد في تفسير سبب الموجة الثانية هو تساهل الحكومة مع الجائحة، والانهماك في الترويج لنصر زائف في الموجة الأولى، وتنظيم أنشطة رسمية مثل الاحتفال بعيد الاستقلال في حشد كبير.. وزيارات قام بها الرئيس لمدن الداخل مع وفود وحشود واختلاط وغياب تام لأي مظهر من مظاهر الاحتراز. ومن جهة أخرى لوحظ تساهل المواطنين مع الإجراءات، والتوسع في المخالطة وكأن المرض انتهى إلى غير رجعة.

في الموجة الثانية عادت الإجراءات للظهور، كحظر التجوال.. لكن تركت الأسواق مفتوحةً مع بعض الإجراءات الاحترازية فيها التي لا تُطبق بشكل صارم، وتم تأجيل فتح المدارس لغاية كانون الثاني/ يناير 2021. لكن لم يتقرر منع التنقل بين المدن والمحافظات كما تم في الموجة الأولى، وترك المطار مفتوحاً. وتعاطى الناس مع هذه الموجة وكأنها أخف. 

كثيراً ما عبر عمّال القطاع الصحي عن امتعاضهم من وضعهم في زمن كورونا، خاصةً في بداياتها، حيث واجهوا الجائحة بأيادٍ وصدور عارية، وتطوع كثيرون بدون وسائل حماية كافية وبدون تعويض، وأصيب عدد من الأطباء والممرضين وبقية أفراد الطواقم الصحية بالمرض..

خلّفت الموجة الأولى والثانية مشاكل في القطاع الصحي، فالفرق الصحية العاملة على مواجهة كوفيد 19 لم تعوض إلا عن شهر واحد من عملها في الموجة الأولى، وأفرادها ما زالوا يطالبون بالتعويض عن عملهم في الموجة الثانية 

الموجة الثانية أعادت بالطبع الحديث عن القطاع الصحي وجاهزيته، وهو تطور حسب الوزير مع الجائحة. فموريتانيا كانت لا تملك في بداية الجائحة سوى 40 سرير إنعاش (30 في نواكشوط، و10 في الداخل) واليوم أصبح متوفراً لدى القطاع 200 سرير. وكانت الجائحة أتت على موريتانيا، وهي تملك عشر سيارات إسعاف مجهزة، واليوم أصبح لدى القطاع الصحي أكثر من 80 سيارة إسعاف مجهزة (4)  . هذا بالإضافة إلى 177 جهاز تنفس، و173 جهاز متابعة للحالات الحرجة، و25 جهاز أشعة وتصوير بالرنين. وتم اقتناء 7 ملايين كمامة طبية، استعمل منها 5 ملايين (5) . وجرى تكوين وتدريب الطاقم الصحي، فشمل 382 شخصاً بين طبيب وممرض، وكذلك تكوين 592 شخصاً على أساليب الوقاية من المرض، وتهيئة 159 شخصاً ليكونوا مسؤولين عن النظافة.

طبق الإغلاق بين المدن على "الضعفاء"، بينما أهل النفوذ ومن يدور في فلكهم كانوا يسرحون ويمرحون بين المحافظات. وأنه حدثت محاباةٌ في منح الاستثناءات. وكذلك أن إغلاق الحدود لم يكن محكماً فحدثت موجات من التسلل. ووجه نقد للحكومة لكونها تركت مواطنين على قارعة الحدود الجنوبية مع السنغال، يريدون دخول بلدهم، ولكنها منعتهم.

خلّفت الموجة الأولى والثانية مشاكل في القطاع الصحي، فالفرق الصحية العاملة على مواجهة كوفيد 19 لم تعوض إلا عن شهر واحد من عملها في الموجة الأولى، وأفرادها ما زالوا يطالبون بالتعويض عن عملهم في الموجة الثانية . (6)

وكانت موريتانيا استفادت خلال الموجة الأولى والثانية من مساعدات من جهات عديدة، على شكل معدات صحية، كأجهزة فحص وأسرة إنعاش وغيرها من المستلزمات الطبية، وكانت الصين والإمارات هما أبرز مصادر تلك المساعدات، وقد بنت الصين وجهزت وحدات صحية لمجابهة كوفيد ورعاية المصابين به، وشاركت في ذلك فرق من الجزائر وإسبانيا وفرنسا، علاوةً على موريتانيين من المهجر.

هل موريتانيا على أعتاب الموجة الثالثة؟

أعلنت وزارة الصحة الموريتانية قبل أسابيع عن وجود حالات من المتحوّر الهندي والبريطاني، والجنوب أفريقي في موريتانيا، وهو ما أقلق المواطنين، ودفع ببعض المراقبين إلى الحديث عن دخول البلاد في موجة ثالثة من الوباء، خاصةً مع تزايد الحالات، ورجوع الإعلان عن الوفيات بسبب كورونا بعد أشهر من انخفاض معدلات الإصابات، وندرة الإعلان عن حالات الوفاة.

تأخرت موريتانيا في البدء بعملية التلقيح مقارنةً بجيرانها. فالحكومة الموريتانية لم تعمل على شراء اللقاح، بل كانت تنتظر الهبات التي ستقدم لها من طرف الجهات المانحة، وبعد أشهر من الجدل والنقاش والتململ، بدأت موريتانيا بالفعل بعملية تطعيم مواطنيها، وذلك في 26 آذار/ مارس 2021.

وتحتل العاصمة نواكشوط، بولاياتها الثلاث، المركز الأول في عدد الإصابات، حيث يبلغ عدد الإصابات في نواكشوط الغربية 6731 حالةً، أما الشمالية فسجلت فيها لحد الآن 4897 حالةً، ونواكشوط الجنوبية 3493. ثم ولاية "داخلت نواذيبو" بـ867 حالةً.. وولاية الترارزة بـ669 حالة، وشهدت نواكشوط أكثر حالات الوفيات في البلد. (7)

ومع بدء الحديث عن كورونا، وموجته الثالثة. بدت بعض الإجراءات ضرورية. لكن الحكومة لم تقدّم غير زيادة حظر التجوّل ساعتين إضافيتين، ليبدأ من منتصف الليل وحتى السادسة صباحاً، بعد أن كان يبدأ عند الثانية فجراً.

التطعيم المتأخر

تأخرت موريتانيا في البدء بعملية التلقيح مقارنةً بجيرانها. فالحكومة الموريتانية لم تعمل على شراء اللقاح، بل كانت تنتظر الهبات التي ستقدم لها من طرف الجهات المانحة، وبعد أشهر من الجدل والنقاش والتململ، بدأت موريتانيا بالفعل بعملية تطعيم مواطنيها، وذلك في 26 آذار/ مارس 2021.

وحصلت موريتانيا من خلال مبادرة "كوفاكس" التابعة لمنظمة الصحة العالمية على نصيب من الجرعات، وأهدتها فرنسا، والهند، ودولة الإمارات العربية المتحدة آلاف الجرعات، وكذلك الصين. ووصل عدد الذين تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح إلى 36497، والجرعتين إلى 6902، وذلك حسب آخر إحصاء نشرته وزارة الصحةً في 6 أيار/ مايو 2021.

وتتعرض عملية التلقيح للكثير من النقد لغياب الشفافية فيها، وهي متهمةٌ بحصول المحاباة فيها، وقد وضعت الوزارة معايير للحصول على اللقاح، كانت في البداية هي أن يكون الشخص فوق 75 سنة، أو لديه من العمر 60 سنة مع مرض مزمن. ثم خفض إلى 60 سنة، أو 45 سنة مع مرض مزمن. وكذلك أعطيت أولوية لأصحاب الإعاقة ومرضى الفشل الكلوي، وتقديم الطاقم الصحي في اللقاح الذي بدأت العملية به. ويلاحظ وجود عزوف بين المواطنين عن أخذ اللقاح، بسبب الحملات الإعلامية المنظمة ضده، والتي تثير الخوف منه.

خلاصة

مر ملف جائحة كوفيد 19 في موريتانيا بأحوال ثلاثة. ففي الأول، وقبل دخوله الفعلي إلى البلد، وتوطّنه، حدث تشديد مبالغ به، ولا يتناسب مع الوضع الوبائي، وكان الغرض منه هو قطع الطريق على دخوله إلى البلد، أو هذا ما أعلن. ولكن تلك الخطة فشلت، ومع دخول المرض وتحوله لواقع مجتمعي معاش، حدث تخفيف غير مبرر، وأشبه بالتسليم بالأمر الواقع. وهو انتهى بتخلّ غريب، حيث تركت الحكومة المواطنين يديرون معركتهم مع الجائحة دون مساعدة...  

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________

1) مقابلة أجراها التلفزيون الرسمي مع وزير الصحة الموريتاني، نذير ولد حامد، في شهر أيار/ مايو 2020.
2) مقابلة أجراها معه الباحث.
3) مقابلة أجراها الباحث مع الطبيب في مستشفى حمد في مدينة بتولميت، عبد الله محمد إسحاق.
4) موريتانيا: موجة كورونا الثانية تعصف والوفيات اليومية تصل للرقم المخيف، "القدس العربي"، 2020/12/18.
5) مقابلة مع وزير الصحةً في التلفزيون الرسمي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 حول دخول موريتانيا في الموجة الثانية.
6) مقابلة الدكتور اسحاق، مذكور سابقاً
7) تنشر وزارة الصحة على صفحتها على فيسبوك حصيلة يومية بالإصابات وحصيلة عامة بعدد الإصابات، وتنشر كذلك إحصائيات يومية عن التطعيم وإحصائيات عامة عنه وعن الفحوص. 

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه