مصر: عن العنف المجتمعي ولوم الضحية

أثار فيديو تعذيب وذبح كلب بواسطة مجموعة من الشباب نهاية شباط/فبراير الماضي في شارع الأهرام في منطقة شبرا الخيمة ردود أفعال واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي. الكلب دافع عن صاحبه في مشاجرة وقام بعقر بعض الأشخاص، فقاموا بتحريك دعوى قضائية ضد صاحب الكلب، وبالفعل حكم عليه بالسجن لمدة عام، واشترطوا للصلح أن يقوموا بقتل الكلب! وكانت النتيجة مشهدا مروعا من تعذيب وقتل للكلب بأسلحة بيضاء في الشارع. رأى
2015-03-05

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
| en
سما مدحت - مصر

أثار فيديو تعذيب وذبح كلب بواسطة مجموعة من الشباب نهاية شباط/فبراير الماضي في شارع الأهرام في منطقة شبرا الخيمة ردود أفعال واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي. الكلب دافع عن صاحبه في مشاجرة وقام بعقر بعض الأشخاص، فقاموا بتحريك دعوى قضائية ضد صاحب الكلب، وبالفعل حكم عليه بالسجن لمدة عام، واشترطوا للصلح أن يقوموا بقتل الكلب! وكانت النتيجة مشهدا مروعا من تعذيب وقتل للكلب بأسلحة بيضاء في الشارع. رأى كثير من التعليقات أنّ ما حدث ينم عن عنف وميول عدوانية في المجتمع المصري، بل شبّه البعض المعتدين بأنهم لا يختلفون عن أعضاء تنظيم "الدولة الاسلامية". في الحقيقة تتكرر مشاهد تعذيب لكلاب وقطط الشارع على أيدي بعض المراهقين أو الأطفال في مصر، وقد تلقى استحسانا أو سخرية، أو في افضل الأحوال عدم مبالاة من المارة، ومثلها حوادث التحرش الجنسي بالفتيات.
هذا العنف المجتمعي تكرر على مدار السنوات الماضية، في شكل عنف مباشر أو تبرير العنف ولوم ضحاياه. وفي حادثة نحر 21 قبطيا مصريا في ليبيا على يد تنظيم الدولة الاسلامية هناك، ورغم هول تلك الكارثة التي اثارت حزنا وغضبا شديدين في مصر، إلّا أنّ السّؤال البليد الذي برز هو: "إيه اللي وداهم هناك؟". وهو ينم عن تحميل الضحية المسؤوليّة عن قتلها، حتى وإن كان في سياق الشعور بالأسى أكثر منه بالشماتة. قبل هذا الحادث بأسبوع، ذهب حوالي 30 شابا من مشجعي نادي الزمالك ضحايا على يد قوات الامن اثناء دخولهم لحضور مباراة لفريقهم في استاد الدفاع الجوي. وهنا ظهرت عشرات التبريرات للقتل مثل عدم حصول الشباب على تذاكر للمباراة، أو عدم سماعهم لتعليمات الأمن.. وهي تحمل الضحايا المسؤولية. ويتماهى هؤلاء المبررون مع العنف في حد ذاته باعتباره أمراً طبيعياً، فشعارات مثل "افرم يا سيسي" التي انطلقت قبيل واثناء وبعد مذبحة رابعة (التي قتل فيها مئات من المواطنين في آب/أغسطس 2013)، تشير الى هذا العنف الكامن. كما يتم تبرير العنف الطائفي ضد أقلّيات، مثل حادثة ابو النمرس الشهيرة في الجيزة في حزيران/يونيو 2013، الّتي اعتدت فيها مجموعة من الأهالي على أسرة شيعية وقتلت أحدهم ومثّلت بجثّته، ومثله تبرير عنف الدولة ضد الأقباط في حادث ماسبيرو الشهير في تشرين الاول/ أكتوبر 2011، حين قتل العشرات على أيدي قوات الأمن والجيش، أو تبرير حوادث الاعتداءات الطائفية على كنائس وأسر مسيحية، حتى وصل الأمر في بعض الاحيان لتهجيرهم من مناطقهم السكنية.. هذا بالاضافة الى ما نشهده في صفحات الحوادث يوميا من قتل لدواعي الشرف أو السرقة أو الانتقام، وبعضها يقع داخل الأسرة الواحدة.

حوادث الاعتداء الجنسي على فتيات وسيدات في ميدان التحرير التي تكررت أكثر من مرة منذ 2011، وتستخدم فيها أسلحة بيضاء وعصي، وهي افعال تتجاوز "المبررات الجنسية" وتصل إلى التسبب بهتك في الرحم واصابات بالغة في أجساد الضحايا. ويظهر المبررون ثانية: "إيه اللي وداها هناك". التكاثر على فتاة تسير في الشارع لمضايقتها او التحرش بها جنسيا هو عنف مجتمعي، وكذلك الاعتداء على أشخاص لهم ميول جنسية مثْلية أو التكاثر على سارق أو متحرش والاعتداء عليه بعنف شديد عوضا عن تسليمه للشرطة ليعاقَب وفق القانون.. ربما يكون غياب القانون أو غياب الدولة (منذ سنوات تسبق الثورة) هو مبعث هذا العنف. فثمة كثيرون يرون أنّنا "شعب ما يجيش غير بالكرباج"، ويشعر بالانتصار لقوته على من يتصوره أضعف، فينتصر للدولة الأقوى بما تملكه من سلاح وسلطة وما يعرف على أنه احتكار الحق في ممارسة العنف الذي يقع في الأغلب على المواطنين العزل من أي سلطة او سلاح. والشخص نفسه الضحية هنا قد يمارس عنفا على زوجته او ابنته او أطفاله أو من هم تحت سطوته لما يملكه من سلطة عليهم. وهكذا تنشأ دائرة مفرغة خالية من أي محاسبة أو عقاب، ليعتمد المجتمع في النّهاية بشكل كامل على قوانين بدائية همجيّة مثل "البقاء للأقوى".
يقال إنّ أسباب انتشار العنف تتراوح بين الإحباط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وحقيقة الأمر أن الموضوع ربما يكون أعقد من تلك التفسيرات "الجاهزة" لأيّة ظواهر سلبية في المجتمعات. فهذا المجتمع نفسه الذي يحتوي على هذا القدر من العنف، يُظهِر قدراً لا بأس به من الود والتسامح في لحظات مختلفة وربما استثنائية. وهو المجتمع نفسه الذي ثار على الظلم والاستبداد، وهو نفسه الذي أفرز كثيراً من الفتيات والشباب الذين يقودون معركة غالية الثمن منذ بداية الثورة وربما قبلها من أجل تحقيق العدل والحرية والكرامة.

 

 

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!