السودان.. احترازات تُسابق الزمن لدرء آثار ملء سد النهضة

اقترح السودان تشكيل آلية رباعية دولية للوساطة، تضم الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأمريكية. لكن اثيوبيا تصر على المضي بشكل أحادي في اجراءاتها لملء "سد النهضة"، مما تترتب عليه آثار فادحة لجهة النقص الحاد في مياه الشرب والري وتوليد الطاقة الكهرومائية وسلامة السدود السودانية والتربة، وأمان الساكنين عل ضفاف "النيل الازرق" وهم 20 مليون سوداني.
2021-03-29

شمائل النور

كاتبة صحافية من السودان


شارك
سد النهضة، أثيوبيا.

أعلن مجلس الوزراء السوداني ترحيبه بوساطة إماراتية في قضية الحدود مع إثيوبيا و"سد النهضة". وتأتي هذه الوساطة في ظل تمسك إثيوبيا بوساطة الاتحاد الأفريقي، ورفضها المطلق للمقترح السوداني، الذي أيدته مصر، والقاضي بتوسيع دائرة الوساطة. وكان السودان قد اقترح في شباط/ فبراير الماضي تشكيل آلية رباعية دولية للوساطة، تضم الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأمريكية.

ولم تفصح الحكومة السودانية عن ماهية الوساطة الإماراتية، لكن الثابت أن السودان يسابق الزمن لتلافي أضرار الملء الثاني لسد النهضة، المقرر في موسم الامطار القادم تموز/ يوليو، ما يعني أن أمام السودان ومصر أربعة أشهر فقط لتحقيق اختراق في ملف سد النهضة، خاصة بعد مضي إثيوبيا للملء الأول قبل التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث، ودون تنسيق وتبادل معلومات، وإصرارها على أن يكون الملء الثاني في موعده.

مخاوف متصاعدة

قررت إثيوبيا بشكل أحادي في موسم الأمطار الماضي بدء ملء بحيرة السد، حيث خزنت 4.8 مليار متر مكعب دون إخطار السودان ومصر، في ظل تعثر المفاوضات حول المسائل القانونية وبعض المسائل الفنية. على إثر ذلك، وعلى نحو مفاجئ خرجت ست محطات مياه شرب سودانية من الخدمة، الأمر الذي تسبب بنقص حاد في الإمداد المائي لعدد من المناطق، وتضرر ملايين المواطنين جراء ذلك، علاوة على نقص مياه الري لمحطات الضخ على طول النيل الأزرق خلال الموسم الزراعي الصيفي. ووفقاً لبيانات وزارة الري السودانية، انخفض التدفق في يوم واحد من 190 مليون متر مكعب إلى 90 مليون متر مكعب.

يسابق السودان الزمن لتلافي أضرار الملء الثاني لسد النهضة، المقرر في موسم الامطار القادم تموز/ يوليو، ما يعني أن أمام السودان ومصر أربعة أشهر فقط لتحقيق اختراق في ملف "سد النهضة".

يبلغ إجمالي المخزون المائي في بحيرة السد نحو 18 مليار متر مكعب. وتبلغ السعة التخزينية ل"سد النهضة" 74 مليار متر مكعب. وإذا ما قررت إثيوبيا الملء الثاني، فإن حصة السودان من مياه النيل سوف تتراجع إلى 11 مليار متر مكعب وحصة مصر إلى 48 مليار متر مكعب.

ومع قرب موعد الملء الثاني، تتوالى التصريحات الإثيوبية الرسمية مؤكدة على أن الملء سوف يكون في موعده، ويُنتظر أن تخزّن إثيوبيا في المرحلة الثانية من الملء 13.5 مليار متر مكعب، ليصبح إجمالي المخزون المائي في بحيرة السد نحو 18 مليار متر مكعب. وتبلغ السعة التخزينية ل"سد النهضة" 74 مليار متر مكعب. وإذا ما قررت إثيوبيا الملء الثاني، فإن حصة السودان من مياه النيل سوف تتراجع إلى 11 مليار متر مكعب وحصة مصر إلى 48 مليار متر مكعب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اتفاقية عام 1959 الخاصة بتقاسم مياه النيل حددت حصة كل من مصر والسودان في مياه النيل على التوالي، ب55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب.

وعلى الرغم من أن كمية المياه في الملء الأول ليست كبيرة، إلا أن تخزينها في أسبوع واحد تسبب في تداعيات كان بالإمكان أن يتلافاها السودان من خلال ضبط إدارة سدوده لو شاركت إثيوبيا البيانات والمعلومات المطلوبة لسلامة إدارة سدود السودان. والسودان الذي ظل مصراً على ضرورة توقيع اتفاق بين الدول الثلاث، لا يزال متمسكاً بآلية التفاوض والحوار للوصول إلى اتفاق، لكن إثيوبيا لا ترغب في توقيع اتفاق ربما تترتب عليه التزامات تعويضية مستقبلاً، على الرغم من إعلانها مراراً أنها لا تريد الدخول في حرب مع السودان، وأنها حريصة على مصالح دول المصب.

وإذا أقدمت إثيوبيا على الملء الثاني دون تنسيق وتبادل معلومات مع السودان، كما حدث في المرة الأولى، فسوف يترتب على ذلك أضراراً بالغة لن تتوقف عند خروج محطات مياه الشرب عن الخدمة فحسب. وتقول بيانات وزارة الري السودانية أنه من المتوقع أن تتقلص المساحات المزروعة في الموسم الصيفي هذا العام. وفعلياً، بدأت وزارة الري إخطار بعض المزارعين والرعاة ومحطات مياه الشرب بتبعات الملء الأحادي للسد الإثيوبي. ومع غياب أو إمساك إثيوبيا عن مشاركة البيانات الخاصة بتصريف "سد النهضة"، يمكن أن تُلحِق تدفقات المياه الكبيرة أضراراً بالجسم الترابي لسد "الروصيرص" السوداني، الذي لا تتجاوز سعته 10 في المئة من سعة "سد النهضة". كما يمكن إلحاق أضرار مشابهة ب"خزان سنار"، وتبعد بحيرة سد "الروصيرص" عن "سد النهضة" نحو 15 كلم، فيما يبعد عنه "خزان سنار" نحو 210 كلم. وسد النهضة أكبر بـ 1.5 مرة من التدفق السنوي للنيل الأزرق، ما سيهدد حياة 20 مليون سوداني يعيشون على ضفافه.

تحوطات واحترازات تسابق الزمن

مع الموقف السوداني الثابت من اتخاذ التفاوض والحوار سبيلاً للحل، تجتهد وزارة الري مع عدد من الجهات في اتخاذ تدابير وتحوطات احترازية قبل موعد الملء الثاني، بما يخص مياه الشرب والزراعة والتوليد الكهرومائي، وانتهاء بالخطط التشغيلية للمنشآت المائية. ويتجه السودان إلى عملية تخزين مبكر للمياه بزيادة لبعض سدوده، واللجوء إلى تصريفات سدود أخرى على النيل الأبيض، كما يخطط للاحتفاظ بمخزون مائي ببحيرة سد "الروصيرص" بمعدل 900 مليون متر مكعب، لاستخدامه في شهر تموز/يوليو المقبل – موعد الملء الثاني - ، إلى جانب الاحتفاظ بمخزون مائي ببحيرة "جبل أولياء" بما بين 600 ـ 700 مليون متر مكعب.

وإن تجاوز السودان أضرار الملء الثاني لسد النهضة، فإن مخاطر التشغيل بعد عملية الملء تظل هي الأهم والأخطر على الإطلاق، خاصة إذا لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق، مع الإصرار الإثيوبي على المضي قدماً في مشروع استراتيجي بالنسبة لها. وأبرز المخاطر المترتبة هي التهديد المباشر للسدود السودانية، خاصة سد "الروصيرص" الواقع بالقرب من "سد النهضة"، ما تترتب عليه أضرار جسيمة.

تبقى من الزمن بضعة أشهر، ولا يلوح في الأفق أمل بالتوصل إلى اتفاق، خاصة وأن احتقاناً عسكرياً على الحدود بين السودان وإثيوبيا، بعد إعادة الجيش السوداني انتشاره على الشريط، بعد نحو 20 عاماً من غيابه عنه. وتفيد تقارير صحافية بأن الجيش السوداني استطاع استرداد 90 في المئة من الأراضي السودانية التي كانت تسيطر عليها عصابات إثيوبية، وظل الوضع على الحدود بين السودان وإثيوبيا في حالة لا سلم ولا حرب منذ العام الماضي، مع تصعيد كلامي بين الفينة والأخرى.

وإن تجاوز السودان أضرار الملء الثاني لسد النهضة، فإن مخاطر التشغيل بعد عملية الملء تظل هي الأهم والأخطر على الإطلاق، خاصة إذا لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق، مع الإصرار الإثيوبي على المضي قدماً في مشروع استراتيجي بالنسبة لها. وأبرز المخاطر المترتبة هي التهديد المباشر للسدود السودانية، خاصة سد "الروصيرص" الواقع بالقرب من "سد النهضة"، ما تترتب عليه أضرار جسيمة.

ليس أمام السودان ومصر إلا تقوية موقفهما، والضغط باتجاه توسيع دائرة الوساطة لإحداث اختراق قبل الموعد المضروب. وعلى الرغم من أن الأمن المائي يلزم إثيوبيا - أخلاقياً قبل أن يكون قانونياً - بعدم اتخاذ خطوة أحادية، إلا أنها حدثت! وبالمقابل لم تحدث ردة فعل إزاء الخطوة الإثيوبية بمقدار الضرر الذي أحدثته، ما يعني أن الملء الثاني ربما يتم أيضاً دون مساءلة إثيوبيا، خاصة وأن كمية المياه المخطط تخزينها كبيرة جداً، وسوف تكون تأثيراتها واضحة. 

مقالات من السودان

للكاتب نفسه