احتكار الأراضي في السعودية كاحتكار السلطة فيها

الأمير يشبك الأرض بعد حصوله على أمر ملكي من ولي الأمر، فيحتكرها حتى يسيّرها للحلب تحت يافطة التعمير والتطوير، ثم يدحرجها للمضاربين بعد أن يكون قد ضاعف من أثمانها المقبوضة سلفاً لتشتريها شركات العقارات المتعددة الأجناس. وهذه لن تبيع الأرض بياضاً إلا إذا تربحت منها مئات المرات أضعاف ما دفعت للأمير أو وكيله، لأنها في حالات أخرى تجمِّدها لأغراض المضاربة أو بانتظار فرصة مشروع داخلي أو خارجي سيدر
2016-02-04

جمال محمد تقي

باحث من العراق مختصّ بشؤون الخليج العربي


شارك
وسيم المرزوقي - سوريا

الأمير يشبك الأرض بعد حصوله على أمر ملكي من ولي الأمر، فيحتكرها حتى يسيّرها للحلب تحت يافطة التعمير والتطوير، ثم يدحرجها للمضاربين بعد أن يكون قد ضاعف من أثمانها المقبوضة سلفاً لتشتريها شركات العقارات المتعددة الأجناس. وهذه لن تبيع الأرض بياضاً إلا إذا تربحت منها مئات المرات أضعاف ما دفعت للأمير أو وكيله، لأنها في حالات أخرى تجمِّدها لأغراض المضاربة أو بانتظار فرصة مشروع داخلي أو خارجي سيدر عليها أرقاماً فلكية، خاصة إن دخلت في المشروع ذاته كشريك أو مساهم عقاري، وإنْ من الباطن. أما إذا أراد العبد الفقير شراء أمتار منها تكفي لمسكن يريحه من عبء الإيجار وارتفاعه المطرد، فإنه سيجد نفسه طوال حياته مدينا لثمنها إن وجد من يقسطه عليه. صار الأمر مزمناً وأكثر شيوعا وإلحاحاً، ومكشوفاً لدرجة أن بعض الأمراء يبتزون الاستياء الشعبي بتوجيه أصابع الاتهام بشكل غير مباشر لأقرانهم بحكم الصراعات القائمة بين أجنحة العائلة المالكة. أما الملك وأتباعه من السديريين، فإنهم يحملون الدوائر الحكومية والوزارية وأصحاب الشركات العقارية وأحيانا المواطنين أسباب تفاقم أزمة السكن وارتفاع أسعار الأراضي في المدن وضواحيها، وكذا الحال بالنسبة للإيجارات وخاصة في المدن الكبرى بالمملكة كالرياض ومكة والمدينة المنورة وحائل والدمام وجدة. يقول الأمير متعب مثلا في ندوة مفتوحة أيّام حكم والده الملك عبد الله: "من كثرة الشبوك ما عاد نلاقي أراضي"!

حقائق سوداء على أرض ليست بيضاء

لم ينتهِ مسلسل احتكار الأرض في مختلف المناطق السعودية المأهولة وغير المأهولة من قبل طبقة الأمراء ووكلائهم وحاشيتهم وسماسرتهم المدججين بأقنعة المال والأعمال، والذين جسدوا بشكل صارخ الولادة غير الشرعية لأجنة "الشبوك" من تزاوج السلطة والثروة، والمختصة هنا حصرا في مجال الأراضي والعقارات، والاستثمار بها تمييزاً عن غيرها من احتكارات آل سعود وسلطتهم التي تشبك وجودها بالاحتكار الأميركي وتريده ضمانة أمنية مطلقة لاستمرار وجودها، من أرامكو وعقودها، مرورا بالتسليح وعقوده، وتموين الجيش ورخص العمالة الأجنبية، وحتى أنشطة الحج والاستثمار فيها، بما في ذلك مشاريع توسعة وإعمار الحرمين الشريفين.

يتداول الإعلام وأصحاب الشأن في السعودية بشكل شبه يومي هذه الأيام مصطلح "الأراضي البيضاء" نتيجة ضغوط التناول الدائم لأسباب أزمة السكن المستفحلة بالمملكة وتداعياتها. والمصطلح ليس بالجديد، فهو متداول منذ فترة حكم الملك فهد ( 1982 – 2005)، التي شهدت منح الأراضي للأمراء وخاصتهم، وتحديدا السديريين منهم. وتكثف ذلك في أواخر سني حكم الملك فهد، حيث ساد نوع من حمى الاستحواذ على ما تيسر من أراضٍ كاملة القيمة، لاعتبار السديريين بأن انتقال الحكم إلى الملك عبد الله، وهو من غير السديريين، هو انقلابٌ على سطوتهم. وعندما جاء الملك عبد الله للحكم ( 2005 – 2015)، حاول معالجة هذا الاستفحال الذي قفز بأسعار الأراضي والعقارات إلى درجات مضاعفة، من خلال استحداث وزارة الإسكان، وتكليفها ببناء نصف مليون وحدة سكنية، وتكليف الوزير نفسه برئاسة إدارة مجلس صندوق التنمية العقارية. وما زالت الوزارة متلكئة بتنفيذ ما كُلفت به بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية لبناء المدن، وطبيعة الإسكان المناسب، ودور القطاعات العامة والخاصة والمختلطة، وتعارضاتها، بل تناقضاتها.

فاحتكار الأراضي من قبل الشركات العقارية الأهلية نتيجة تشابك مصالحها مع جشع الأمراء وخاصتهم، يُصعِّب الأمر على الجهاز الوزاري لإنجاز مهمة توفير السكن المناسب وبالتكلفة المناسبة للملايين من السكان الذين تذهب 50 في المئة من دخولهم للإيجارات فقط.. هذا إذا علمنا أيضا بأن شريحة موظفي وعمال الدولة من الذكور والإناث، الذين تصل أعدادهم لحوالي المليوني شخص، لا يتلقون أي بدل للسكن من دوائرهم، على خلاف الموظفين الأجانب.

بحسب تفسيرات وزارة الإسكان ووزارة الشؤون البلدية والقروية، فإنّ المقصود بالأراضي البيضاء له معنيان، عام وخاص. الأول يعني تلك المساحات المملوكة للقطاع العام والخاص وغير المستغلة لا زراعياً ولا سكانياً. أما المعنى الخاص فهو الذي يحصر هذه المساحات غير المستغَلة في الحدود الإدارية للمدن، أي تلك المشمول محيطها بالخدمات البلدية والعمرانية من ماء وكهرباء وطرق ومواصلات ومؤسسات الصحة والتعليم.

في الرياض الكبرى وحدها، يصل إجمالي مساحات ما يسمى بالأراضي البيضاء إلى أكثر من 5000 كم مربع، ولم تتجاوز مساحة الأراضي المستخدمة فعليا للبناء أكثر من 23 في المئة. أي أن أكثر من 77 في المئة من الأراضي البيضاء غير مستخدمة. وتقدر الأراضي البيضاء في المنطقة الشرقية بحوالي 60 في المئة، وفي جدة بحوالي 80 في المئة. وارتفاع تكلفة الأرض كنسبة من التكلفة الإجمالية للمسكن هي من أبرز التحديات التي تواجه قطاع الإسكان بالرياض، حيث تبلغ فيها نسبة تكلفة الأرض من التكلفة الإجمالية للمسكن أكثر من 55 في المئة، وهي نسبة عالية. وإذا عرفنا بأنّ 85 في المئة من سكان المملكة يعيشون في المدن الرئيسية، وأنّ ثلثي السعوديين لا يتملكون مساكنهم، وأن 67 في المئة منهم يبحثون عن سكن لائق، وأن 60 في المئة من المتقاعدين ليس لديهم سكن ملك، وأن سعر المتر المربع الواحد في الرياض (ناهيك عن مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والدمام) وصل إلى حدود 4 آلاف ريال سعودي.. يتضح مقدار عمق الأزمة ومقدار تعبيرها عن فساد الحكم وفشله في معالجة الاحتياجات الأساسية للمواطن وصون حقوقه..

الشَق أكبر من الترقيعات

كلما ازدادت مصروفات ونثريات وإهدارات وبذخ أمراء الأسرة الحاكمة وأبنائهم وحاشيتهم، يزداد نهمهم للمزيد، وعليه يتواتر بحثهم عن وسائل إضافية لسرقة وابتزاز أموال ومدخولات الشعب السعودي. ملكٌ لا تحد ميزانية نثرياته حدود، ما دامت هناك عائدات لملايين من براميل النفط يوميا تدخل بحسابه الخاص ولا رقابة مالية ولا إدارية أو تخطيطية، فهي تذهب مباشرة لحسابات خاصة بالملك وولي عهده وولي ولي عهده. فإذا كانت تكلفة سفرة من سفراته العادية إلى أحد قصوره في فرنسا بلغت 100 مليون دولار فكم تكلف مشترياته العقارية والكمالية؟ وفقا لتقرير نشرته شركة "ويلث إنسايت" البحثية المتخصصة في تتبع وتقييم الثروة في مختلف بقاع العالم، فإنه وبحلول عام 2020، سيبلغ عدد المليونيرات في السعودية أكثر من 55 ألف مليونير، وهم حاليا يبلغ عددهم ما يقرب من 50 ألفاً، أغلبهم من الأمراء أو حلفائهم من مقاولين عقاريين وتجار.

تقول بعض وثائق وكيليكس أنّ التربح من الاستيلاء على الأراضي العامة من قبل العديد من الأمراء وأبنائهم أصبح مصدر دخل أساسي لهم، إضافة إلى المنح السنوية والمخصصات التمييزية، كمجانية الاتصالات الهاتفية وإمكانية المتاجرة بها، وبيع رخص استخدام العمالة الأجنبية، والحجوزات المجانية وبأعداد مفتوحة على نفقة الخطوط الجوية السعودية، وأيضا مجانية بل إمكانية المتاجرة بالحجوزات الفندقية المجانية، إضافة إلى إمكانية المتاجرة بكوبونات المعالجة الصحية على غرار الكوبونات النفطية.. مجلس الشورى الذي ناقش أزمة السكن والحلول المتاحة، أوصى بوضع لائحة تغريم مقدارها 100 ريال على المتر المربع من الأراضي البيضاء سنوياً، سعيا منه لدفع أصحاب تلك الأراضي إلى استثمارها، وبالتالي تحريك سوق العقارات وخفض أسعار الأراضي كواحدة من معالجات أزمة السكن، إضافة إلى تحفيز صندوق التنمية العقاري على تسهيل قروضه وزيادة نسبتها، متحاشين النظر بعين ثاقبة لمصير الأراضي العامة المتناقصة بسبب احتكار أجودها من قبل المتنفذين، وغاضين الطرف عن مناقشة الخطط الاستراتيجية التي تتطلب الكشف عن مصائر المخصصات الضخمة التي تسربت لجيوب الأمراء وحاشيتهم: فأين مشاريع الإسكان الشعبي، وأين مصير شعار "لكل مواطن سكن لائق"، وأين النظرة النقدية للممارسات والخطوات المضرة باقتصاد البلاد حيث جرى تمويل شركات القطاع الخاص بقروض مسهلة دون الإيفاء بشروط التكامل القطاعي.. مشاريع باذخة لا حاجة لها، تمول بقروض حكومية وبعمولات وسمسرة ليست بعيدة عن جيوب رجالات العائلة المالكة ومن يدور في فلكها، منها مثلا 32 ناطحة سحاب في جدة تحوي 2000 شقة فارغة أقساطها الشهرية 1000 دولار، مطار جدة وتوسعته المبالغ فيها لاستقبال 100 مليون مسافر سنوياً، ومطار الرياض لاستقبال 15 مليونا سنوياً، فيما عدد الحجاج لا يزيد عن 3 ملايين سنويا، وهو رقم وسطي لا يخلو من الثبوت بحكم الطاقة المحدودة لموسم الحج على الرغم من كل التوسعات التي جرت.

... لماذا لا يتم بناء مدن رديفة متكاملة البنى الخدمية وبمساكن قليلة الكلفة للشباب والموظفين، وبأقساط تفضيلية وبعيدة المدى. لماذا لا تُبنى مساكن قطاعية بأراضٍ متساوية المساحة يكون أصحابها أحرارا بخرائط بنائها، كمدن للأطباء والمهندسين والحقوقيين والصحافيين وهكذا، وتكون لجمعياتهم المهنية دور تكافلي بالإشراف والانجاز؟ الإجابة باتت واضحة لكل عارف ببواطن الأمور.

مقالات من الرياض

للكاتب نفسه

التعليم الديني في السعودية

تيّاران متصارعان في السعودية: واحد  متمسك بطغيان التعليم الديني على حساب كل المواد الأخرى، وثان يلتف على الأول بافتتاح مدارس وجامعات أهلية، التعليم فيها عادي. والنتيجة فشل نوعي وكمي.