في السعودية، تهافت ثقافة الأمر بالتسيير والنهي عن التفكير!

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحدة من أبجديات الصراط المستقيم في الخطاب الاسلامي الذي يبتغي في الجوهر الخير لبني البشر ويحثهم على السعي إليه، والذي لا يستقيم امره الا بحريتهم في الاختيار من هذا التعدد اللانهائي في مسالك الارض وما عليها من تجاذبات، على اعتبار ان الانسان هو المكلف أبديا باعمارها، وهو خليفة الله فيها وربما في الكون كله.ليست شرطة
2014-09-25

جمال محمد تقي

باحث من العراق مختصّ بشؤون الخليج العربي


شارك
من الانترنت

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحدة من أبجديات الصراط المستقيم في الخطاب الاسلامي الذي يبتغي في الجوهر الخير لبني البشر ويحثهم على السعي إليه، والذي لا يستقيم امره الا بحريتهم في الاختيار من هذا التعدد اللانهائي في مسالك الارض وما عليها من تجاذبات، على اعتبار ان الانسان هو المكلف أبديا باعمارها، وهو خليفة الله فيها وربما في الكون كله.

ليست شرطة آداب

في السعودية، وهي اكبر بلدان الجزيرة العربية، هناك هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منظمة رسمية يسيطر عليها وعاظ السلاطين من اتباع الاسرة الحاكمة، وقد نسخوا الحديث النبوي الشريف "انتم أدرى بشؤون دنياكم"، الى "نحن ادرى بشؤون دينكم ودنياكم". منظمة قمعية يعمل فيها اكثر من 4 آلاف مستخدم، ولها مخصصات وميزانيات سنوية وهبات توازي ميزانية وزارة الداخلية، شغلها الشاغل، كشرطة دينية، مراقبة الناس وجعلهم منصاعين لتطبيق الظاهر للعيان من احكام الدين وأركانه على مدار الساعة، ودرء كل أنواع المعاصي، كضبط وإحضار أي أمرأة تكسر قاعدة تحريم قيادة النساء للسيارات، ومراقبة المعارضين، والنشطاء الشباب المؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي عبر مراقبة النت والموبايلات، وإجبار الناس على ترك اعمالهم واغلاق محلاتهم والتكدس في الجوامع لأداء الصلاة، ومراقبة الزي ومظاهر التبرج.. أي إرهاب الناس في دينهم وملاحقة المستائين من النظام، مستفيدين من هوامش خلط الأوراق. والهيئة تأسست في عام 1940 وبأغلبية نجدية. وقبل هذا التاريخ، كان "المطاوعة"، وهي تشكيلات بدأت عملها بما يشبه الهجانة الذين يحثون الناس على تطبيق شعائر الاسلام وفق المنظور الوهابي. ما زال المطاوعة يقومون بالدور القديم الجديد برغم اختلاف زيهم واستخدامهم للسيارات رباعية الدفع كبديل عن الجمال والخيول. القول بأنهم عبارة عن شرطة آداب مجافي لواقعهم فهم ينصبون أنفسهم كحماة للدين من تجاوزات العاصين، فيصادرون خصوصية العلاقة بين المسلم وربه وبالتالي يتجاوزن على الحقوق الفردية للانسان بحجة الحفاظ على حقوق الله. ومن هذا المنطلق، يجاهر العديد من النشطاء والمثقفين السعوديين بانتقاد وجود هذه الهيئة وممارساتها، خاصة وإنها تتسبب بوقوع المزيد من الفظائع والجرائم، من مثل الحادثة الشهيرة لحريق مدرسة البنات الذي منع فيه رجال الهيئة اولياء الامور والمتطوعين من الدخول اليها بغرض النجدة والمساعدة بإنقاذ الطالبات المحاصرات بالنيران، بحسبة عدم جواز كشف وجوههن أمام الغرباء، مما تسبب بزيادة اعداد الطالبات المتوفيات اختناقا وحرقا. كما كشفت احدى وثائق ويكيليكس عن نفاق الهيئة، من خلال استعراضها لوقائع الحفلات الصاخبة التي تقام في قصور العديد من أمراء آل سعود في مدينة جدة والطائف، بعلمها ومن دون أن تحرك ساكنا.

ذراعان للنظام

مجازيا يوجد في السعودية "جيشان" يحميان حكام المملكة ونظامها. الأول هو القوات الأمنية والمسلحة النظامية والاستخبارية، التي تتولى شؤونها وزارات الداخلية والحرس الوطني والدفاع ورئاسة الاستخبارات. وتعداد هذا الجيش يناهز المليون. اما الجيش الثاني فمكون من رجالات المذهب الوهابي المرتبطين بمصالح العائلة الحاكمة، وهؤلاء يهيمنون على المؤسسات التالية: مجلس القضاء، وهيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد، ووزارة الشؤون الإسلامية، ومجلس الإشراف الدولي على المساجد، ووزارة الحج، والأوقاف، ومؤسسة الزكاة، إضافة إلى سيطرتهم على التعليم الديني بكل مراحله ومناهجه، واضافة طبعاً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا الجيش الثاني هو الذراع العمودية للنظام التي تبرر شرعيته وقدسيته على اعتباره راعيا لمصالح المسلمين ومقدساتهم، وهو بذلك الأكثر أهمية لديمومته. انه يمنحه الغطاء الايديولوجي. اما الجيش الاول فهو الذراع الافقية، لضبط ايقاع الامن وسلامة مؤسسات النظام وقدرتها على القمع السريع لأي حراك.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

التعليم الديني في السعودية

تيّاران متصارعان في السعودية: واحد  متمسك بطغيان التعليم الديني على حساب كل المواد الأخرى، وثان يلتف على الأول بافتتاح مدارس وجامعات أهلية، التعليم فيها عادي. والنتيجة فشل نوعي وكمي.