قمع الإعلام في موريتانيا

ما ينتظر الإعلام الموريتاني مستقبل غامض. هكذا أعرب الصحافيون الموريتانيون عن قلق بالغ بعد حظر برنامج إذاعي تفاعلي في إذاعة "صحراء ميديا". وكانت السلطة العليا للصحافة قد قرّرت وقف بث برنامج "صحراء توك" الذي تبثه الإذاعة، وهي إحدى خمس إذاعات حرة في البلاد، لمدة شهر، وذلك استناداً إلى جملة من الذرائع والتجاوزات التي ادّعت السلطـة أن منشّط البرنامج قد ضرب بها عرض الحائط. وكان
2015-10-06

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك

ما ينتظر الإعلام الموريتاني مستقبل غامض. هكذا أعرب الصحافيون الموريتانيون عن قلق بالغ بعد حظر برنامج إذاعي تفاعلي في إذاعة "صحراء ميديا". وكانت السلطة العليا للصحافة قد قرّرت وقف بث برنامج "صحراء توك" الذي تبثه الإذاعة، وهي إحدى خمس إذاعات حرة في البلاد، لمدة شهر، وذلك استناداً إلى جملة من الذرائع والتجاوزات التي ادّعت السلطـة أن منشّط البرنامج قد ضرب بها عرض الحائط. وكان الصحافيون الموريتانيون قد دقّوا ناقوس الخطر في منتصف آب/ أغسطس الماضي بعدما اتهمت السلطة بعض الإعلاميين، دون الكشف عن هوياتهم، بتوجيه الشتائم والقذف للنيل من عرض الرئيس، والإساءة لأفراد عائلته، وهدّدت باتخاذ ما يلزم ضد هؤلاء الذين بقوا مجهولين.
وأعرب "نادي الصحافيين الموريتانيين المهتّمين بنشر قيم حقوق الإنسان" عن انزعاجه منتصف أيلول/ سبتمبر الفائت من سلسلـة الإجراءات التــي طالت مؤسستين إعلاميتين وقادت حتى الآن إلى توجيه الإنذارات الجزافية إلى العديد من المؤسسات الإعلامية وتوقيف بث ذلك البرنامج التفاعلي.
واعتبر النادي القرار بمثابة "ثقوب سوداء" من شأنها أن تلطّخ التجربة الموريتانية في مجال الحريات.
ومن جهتها ندّدت رابطة الصحافيين الموريتانيين بحظر البرنامج الإذاعي ووصفته بالخطوة المفاجئة، واعتبرت مبررات القرار كيلاً بمكيالين، ووقائعَ حقٍ أُريدَ بها باطلٌ، غايتها في النهاية إسكاتُ منبر يوصل عبره المواطن همومه ومشاكله إلى مَن يهمه الأمر، داعية إلى الوقوف في وجه كل من تُسوّل له نفسه العودة بحرية الرأي والتعبير إلى عهود الظلام. وفيما اقتصر ردّ فعل إذاعة "صحراء ميديا" على تغريدة لمالكها قائلاً "السلطة العليا للسمعيات البصريات وجهت إنذاراً لإذاعة "صحراء ميديا" وعلقت برنامج "صحراء توك" لمدة شهر.. اعتقد أن ما تبقى قليل قبل الوصول لنهاية النفق".
أشعل القرار مواقع التواصل الاجتماعي وتنوّعت النقاشات التي كانت في أغلبها تعلن رفض توقيف بث البرنامج وتتضامن مع الإذاعة ومقدم البرنامج، فاعتبر الشاعر والمهندس الشيخ ولد بلعمش أنّ القرار غير مفهوم، حيث كتب تدوينة تحت عنوان "لا يمكن إغلاق الصحراء"، قال فيها: "البرنامج أخذ من الصحراء حرارتها واتساع أفقها وحريتها وفطريتها. أمّا صاحبه فمن الذين لا يقولون بغير ما يرون ولم يتعودوا الأقنعة".
ووصف الصحافي والناقد الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله القرار بـ "الغريب"، وأضاف في تدوينته: "غريب جداً أن يتمّ تجاوز كل فظاعاتنا المهنية وسوءاتنا الإعلامية ليكون أول قرار عقابي موجّه لإحدى أكثر مؤسساتنا الإعلامية احتراماً ومصداقية". أما المدوّن والكاتب الصحافي حبيب الله ولد أحمد فقد قلل من شأن القرار وقال إنه لا يعدو كونه "ضريبة نجاح"، مشيداً بالبرنامج.

سلطة الإعلام وشرف الرئيس

وكانت الدعوة التي وجهتها هيئة الإعلام الرسمية إلى وسائل الإعلام بالكفّ عما اعتبرته تشويهاً لصورة الرئيس وعائلته، قد أثارت ردود كثيرة، واعتبرتها المعارضة تهديداً ووعيداً. فقد أثار التوجه الجديد للسلطة حفيظة ائتلاف المعارضة الرئيسي الذي دان بيان السلطة وقال إن الرئيس وحده هو من يستطيع أن يحمي شرفه وشرف عائلته، ليس ببيانات سلطة الإعلام ووعيدها وتكميمها لأفواه الصحافيين، بل بالابتعاد عما يدنس العرض ويخلّ بالشرف".
وتساءلت المعارضة: "هل تستطيع سلطة الإعلام أن تحمي شرف من يتمادى في رفضه الإعلان عن ممتلكاته متحدياً بذلك قوانين الجمهورية؟ وبكلمة أخرى، هل تستطيع أن تصون شرف أو كرامة من لم يصن هو نفسه شرفه وكرامته وشرف أسرته وكرامتها؟".
ودان حزب "اتحاد قوى التقدم"، اكبر أحزاب اليسار الموريتانية، التوقيف المؤقت الذي فرض على برنامج "صحراء توك" مطالباً برفعه. وطالب الحزب كل القوى الوطنية الحية بالوقوف جدياً في وجه محاولات النظام التضييق على حرية الصحافة، حماية للمكاسب في هذا المجال.
تزامن التوجه الجديد مع مصادقة مجلس الوزراء على مشاريع القوانين المتعلقة بالمضامين الرقمية التي تبيح للسلطة "التفتيش والحجز المعلوماتي واستحداث آليات جديدة للبحث عن الأدلة الرقمية"، بحجة ضمان الأمن العام واحترام الأخلاق الحميدة. واعتبر العديدون أن هذه الخطوة هي طريق للتجسس على الحياة الخاصة للمواطنين وتكميم أفواه الصحافة والمدونين.. مؤكدين أن الحرية لا تُمنح ولا تُعطى، بل هي حق طبيعي.

للكاتب نفسه