استقلال موريتانيا لم يكتمل بعد

يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1960، نالت موريتانيا رسميا استقلالها بعدما كانت فرنسا قد غزتها مع مطلع القرن العشرين (بدأ الغزو من الجنوب في 1905 وأعلنت موريتانيا مستعمرة فرنسية في 1920)، ضمن خطة استعمارية لربط مستعمراتها الغربية بتلك في شمال إفريقيا. ووظفت باريس النعرات بين طوائف المجتمع، وعملت على التركيز على إحداث مسخ حضاري للبلاد المستعمَرة. لكن موريتانيا ظلت متمسكة باللغة العربية، حيث اظهر
2014-11-26

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك
من الانترنت

يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1960، نالت موريتانيا رسميا استقلالها بعدما كانت فرنسا قد غزتها مع مطلع القرن العشرين (بدأ الغزو من الجنوب في 1905 وأعلنت موريتانيا مستعمرة فرنسية في 1920)، ضمن خطة استعمارية لربط مستعمراتها الغربية بتلك في شمال إفريقيا. ووظفت باريس النعرات بين طوائف المجتمع، وعملت على التركيز على إحداث مسخ حضاري للبلاد المستعمَرة. لكن موريتانيا ظلت متمسكة باللغة العربية، حيث اظهر الأرشيف أن المراسلات في إفريقيا الغربية ظلت كلها باللغة العربية. فقامت فرنسا بإشعال النار في مكتبات ضخمة للغة العربية والتراث الإسلامي في جنوب شرق موريتانيا وبخاصة تلك المملوكة من علماء من الأقلية الزنجية الذين اعتمدت على بعض أبنائها فيما بعد في حملاتها لفرنسة البلد الذي قاوم أبناؤه مقاومة ثقافية قل نظيرها، وأصدرت مرجعياته الدينية فتاوى تحرم دخول المدارس الفرنسية، بل وهجر الكثير منهم المدن إلى البوادي للمحافظة على ثقافته العربية والإسلامية.

المقاومة

بعد ثلاثين عاما من المعارك، أوقف الفرنسيون حملاتهم العسكرية بعد مقتل الكثير من جنودهم في معارك في طول البلاد وعرضها، وابرزها معركة "أم التونسي" (1932 ) التي فتك خلالها المجاهدون الموريتانيون بزعامة الشهيد سيدي ولد الشيخ ولد لعروصي بكتيبة عسكرية فرنسية بقيادة الملازم ماك ماهون (وهو ابن او حفيد ثالث رئيس جمهورية فرنسي أثناء "الجمهورية الثالثة"). ولا يزال الموريتانيون يبجلون سيدي ولد لعروصي ورفاقه الذين استشهدوا في تلك الواقعة، ويتناقلون أخبار بطولاتهم للآن.
وعكس تشييدها لمدن في المغرب والسنغال، لم يشد الفرنسيون أية مدن في موريتانيا التي اجتمع أول مجلس وزراء لحكومتها غداة الاستقلال (28 تشرين الثاني / نوفمبر 1960) تحت خيمة صحراوية قبل ان يقرر الرئيس المختار ولد داداه بناء العاصمة نواكشوط. وفي خضم قرارها منح الاستقلال للدول الإفريقية، أرست باريس سياسة جديدة للمستعمرة التي ظلت تقاوم ثقافيا. فعلى مدى عقدين ظلت اللغة الفرنسية اللغة الرسمية للبلد، وظل التعليم في معظمه مفرنساً ولا يسمح الا بساعتين من اللغة العربية أسبوعيا، وهو ما دفع الطلاب إلى تنظيم تظاهرات في ستينيات القرن الماضي، ووقعت اشتباكات بين الطلاب ومجموعة من أبناء بعض الأفارقة الذين كان يطلق عليهم "الرماة" ويشاركون الجيش الفرنسي حملاته الاستعمارية، وسقط خلال تلك الأحداث جرحى وقتلى. فقد استمر نفوذ فرنسا رغم إعلان الاستقلال. وتواصلت مثل تلك الأحداث حتى أطاح الجيش رئيس ولد داداه عبر انقلاب عسكري.

ترسيم اللغة العربية

ساعدت كل من سوريا والعراق ومصر بإيفاد آلاف الأساتذة الذين ساهموا في تكوين الكوادر، وهؤلاء تولوا في ما بعد بدورهم الإشراف على الجامعات والمدارس وحتى الأكاديميات العسكرية.
فرنسا بالمقابل سعت عبر الإعلام للإبقاء على نفوذها، فقررت منح تشجيع خاص لكل من يؤسس صحيفة ناطقة باللغة الفرنسية، وكانت السفارة الفرنسية ولا تزال تتكفل بربع كلفة طباعة صحف ناطقة باللغة الفرنسية، وتقدم السفارة بالتعاون مع هيئات دولية منحا ودعوات للصحافيين المدافعين عن كل ما يهم الفرانكوفونية.
وخلال ثمانينيات القرن الماضي أضحى العراق اللاعب الرئيسي في موريتانيا، وشيد مؤسسة التلفزيون والمستشفى العسكري وباتت مستشفيات بغداد الملجأ الأساسي لكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في نواكشوط، وأمد العراق موريتانيا بمختلف أنواع الأسلحة وأرسل عشرات الخبراء العسكريين لتدريب الموريتانيين، فطردت موريتانيا الخبراء العسكريين الفرنسيين، وفرضت نواكشوط على الفرنسيين الحصول على تأشيرة للوفود الى البلاد.

استعادة النفوذ

بعدما حلّ بالعراق، استعادت فرنسا حضورها بقوة في مختلف مفاصل الدولة الموريتانية. فراحوا يقيمون دورات تدريبية للكوادر باللغة الفرنسية، ويعتنون بشكل خاص ببعض طوائف المجتمع من الأقليات، ويقدمون الدعم لبعض المحافظات دون أخرى. ولباريس نفوذ في الاقتصاد الموريتاني بل وفي سياسة البلاد حتى اليوم، ويبدو أن آخر الحوادث الفاضحة لذلك هي اقالة مدير الطيران المدني منذ أسبوع لأنه رفض حضور أجهزة الأمن الفرنسية في المطار مما اثار حفيظة باريس التي أوقفت رحلات الخطوط الفرنسية الى نواكشوط. فقد طلب الفرنسيون أن يتم تفتيش ركاب الطائرات التابعة للخطوط الفرنسية عبر ضباط أمن فرنسيين بخلاف عشرات الطائرات التابعة لمختلف الخطوط العربية والأجنبية التي تعتمد على الأمن الموريتاني. كما أن الوصاية الفرنسية أدت إلى ألا يمول الخليجيون المشاريع في موريتانيا من دون المرور بباريس!
الاستقلال الذي يحتفل به الموريتانيون في مثل هذا التاريخ ما زال بعيد المنال.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه