الهجرة السرية من أفريقيا إلى أوروبا اليوم موريتانيا، و«غداً أمرُ»

«قوارب الموت» أو «رحلات بدون عودة»... من شواطئ موريتانيا الى جزر الكناري الاسبانية، مسميات اطلقت على الهجرة السرية التي يقوم بها بعض الحالمين بغد افضل. تصدرت يومياً الانباء عن توقيف مهاجرين سريين في سواحل مدينة نواذيبو الموريتانية. وهذه، لقربها الجغرافي من جزر الخالدات الاسبانية، حيث الوقت المطلوب لاجتيازها هو خمسون دقيقة بالطائرة وثلاثة أيام بالقارب، باتت في الاعوام
2013-05-29

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك

«قوارب الموت» أو «رحلات بدون عودة»... من شواطئ موريتانيا الى جزر الكناري الاسبانية، مسميات اطلقت على الهجرة السرية التي يقوم بها بعض الحالمين بغد افضل. تصدرت يومياً الانباء عن توقيف مهاجرين سريين في سواحل مدينة نواذيبو الموريتانية. وهذه، لقربها الجغرافي من جزر الخالدات الاسبانية، حيث الوقت المطلوب لاجتيازها هو خمسون دقيقة بالطائرة وثلاثة أيام بالقارب، باتت في الاعوام القليلة قبلة لأبناء دول وسط وغرب افريقيا الراغبين في الوصول الى القارة العجوز. يوظف المهربون الموريتانيون قوارب صيد سمكي غالباً ما يموت ركابها نتيجة تهالكها وقدمها قبل الوصول الى الارخبيل الاسباني. وقدرت دراسة في هذا الشأن أعدها المكتب البلدي للهجرة بنواذيبو بالتعاون مع هيئة الدراسات الدولية ومعهد الدراسات القانونية الدولية في جامعة الملك خوان كارلوس، عدد الذين ماتوا غرقا من المهاجرين السريين بأربعة وثمانين الف وخمسمائة انسان، في اقل من ثلاث سنوات. وهي قامت على مقابلات اجرتها مع نحو اربعة آلاف مهاجر سري، من بين عشرة آلاف يعتقد أنهم في المدينة. وقد تحولت مدينة نواذيبو إلى موطن استقرار للمهاجرين السريين من جنوب الصحراء بعد نزوح الكثير منهم إليها وتشديد الرقابة على مدينتي سبته ومليليه المغربيتين. وهكذا بدأت الأماكن التي كانت معبرا للمهاجرين تتحول إلى مناطق استقبال.

الفقراء يستقبلون الأفقر منهم

السلطات الموريتانية والاسبانية عاجزة عن وقف هذه التجارة، بالرغم من التنسيق بينهما ومن التدابير المتخذة، الامنية والعسكرية والسياسية. وأشارت الدراسة إلى أن متوسط عمر المهاجر المقيم في نواذيبو هو بين التاسع عشر والثلاثين عاما، وأن خُمسهم من النساء وأغلبهم عزَّاب، تلقوا تعليما ابتدائيا ضعيفا، وينتمون إلى السينغال ومالي، وغالبيتهم وصلت نواذيبو قبل أقل من أربع سنوات. وهم يحاولون الاستقرار بنواذيبو من أجل كسب لقمة العيش من خلال أعمال غير مصنفة ، في البناء والتجارة. وحسب الدراسة، فإن الدوافع الاقتصادية هي التي أدت إلى انتشار الهجرة السرية، حيث لا توجد أي دوافع أخرى عند هؤلاء المهاجرين. فوسط وضع مأساوي، تداعى الشبان والشابات من افريقيا الذين يتقاسمون الجوع والمرض والاستبداد، الى رحلات هي اشبه ما يكون بالمستجير من الرمضاء بالنار.
ويقول آداما دمبلي، وهو مالي في ربيعه الخامس والعشرين، مقيم في مدينة نواذيبو منذ ست سنوات، انه فشل في الهجرة عدة مرات. واضاف انه لامس حتفه في كانون الثاني/ يناير الماضي بسبب الامواج العاتية، «لولا خفر السواحل الاسبان الذين اغاثونا وكنا سبعة عشر من جنسيات مختلفة».
ورغم ذلك، فالشاب المالي مصمم على ركوب القوارب لو اتيحت له الفرصة مرة اخرى. ويضيف انا اليوم اعمل اسكافيا هنا بالرغم من انني حاصل على شهادة عليا في الادب المقارن، وغدا ان حالفني الحظ سأكون اكاديميا في اوروبا. اما العودة الى بلاده فلا ترد عنده: «افضل الموت على العودة». وجل المهاجرين استلف قبل مغامرته مبالغ كبيرة، وباع ما كان بحوزته، وهو بالتالي أمام خيارين، اولهما الوصول الى أوروبا والعمل فيها فيعود الى بلده «مرفوع الرأس» وأما الخيار الثاني فهو أن يموت.

الحل أمني؟

تقع نواذيبو على ضفاف المحيط الاطلسي، ولا يتجاوز عدد سكانها 250 ألف نسمة، وسميت بعض احيائها باسم عواصم بلدان هؤلاء المهاجرين، فهناك «اكرا» و«مالاوري» و«باماكو»... وقد ساهمت الظاهرة في الحد من البطالة بين شباب المدينة، الذين اصبح شغلهم الشاغل هو تسهيل هجرة الوافدين وسط المضاربات، فوصل سعر «تسفير» الشخص الواحد الى ثلاثة آلاف يورو، وباتت قوارب الموت تنطلق بالعشرات يوميا، خصوصا مع اشتداد موجة الرياح التي ينتهزها الموريتانيون لتهريب الراغبين في الهجرة، باعتبار ان خفر السواحل يتوقعون الاّ يبادر المهاجرون لبدء مغامراتهم في الاوقات العصيبة. وأمام تفاقم الظاهرة سارع الاوروبيون، وبخاصة الاسبان، الى دعم الحكومة الموريتانية ،علها تساعدهم في تجفيف منابع الهجرة، عبر حلول امنية تبدو غير مجدية.
وتحذر دراسات من أن احباط الشبان الافارقة قد يدفعهم الى الالتحاق بأحد اذرع «القاعدة» كبوكو حرام او انصار الدين، التي باتت تغري ابناء القارة السمراء في حروبها المتواصلة. فنتيجة لتصميم الشبان الافارقة على الهجرة وقتما تتاح لهم المحاولة، غيرت اسبانيا وموريتانيا من استراتيجيتهما التي كانت تقضي بإيواء المهاجرين ثم اعادتهم الى مدينة نواذيبو. وكانت مدريد تتكفل بهم في مراكز ايواء استحدثت خصيصا للغرض في المدينة الشاطئية الموريتانية. ومؤخراً لجأ الجانبان الى توجه جديد يقضي باعادة المهاجرين الافرقة الى بلدانهم خارج الاراضي الموريتانية. إذ جرت محاولة لإعادة المهاجرين في نيسان/ابريل الماضي، فرفض المبعَدون النزول من طائرة اسبانية اوصلتهم الى احد المطارات الموريتانية، ولجأ الامن الموريتاني الى ارغامهم بالقوة على النزول، ورحل بعضهم فوراً إلى بلدانهم الأصلية، في حين احتفظ بآخرين لمحاكمتهم وفق قانون جديد.
وقد تشهد الهجرة السرية عبر موريتانيا خلال الاشهر القادمة تراجعا، إذ يعتبر مراقبون ان الانفلات الامني الذي تعيشه دول كتونس وليبيا، سيدفع المهاجرين الى نقل محاولاتهم من موريتانيا الى الدولتين، اللتين تمتلكان هما أيضاً وعلى أية حال، «خبرة» كبيرة في الميدان. ولكن هذا كله لا يوقف الظاهرة ولا يعالجها، بل يشهد على تنقلها بين الاماكن، وفق ما يلائمها.
وقد رصدت ذلك دراسة في الشأن خلصت إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة تتوجه إلى إدراج الهجرة السرية كإحدى سياسات التعاون.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه