الجيل المولود في التسعينيات في غزَّة... بين حانا ومانا

اطلق مواليد التسعينات حملة "شيّبنا"، محمّلين الحكومتين في الضفة الغربية، وقطاع غزَّة المسؤولية عن الحيلولة دون وصولهم الى سوق العمل بكافة القطاعات، باعتبارهم غير ملائمين للوظائف المتاحة لكبر سنهم!
2020-10-16

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
حملة الكترونية أطلقها مواليد التسعينات في غزة للمطالبة بتوظيفهم.

الحصول على عمل في قطاع غزَّة صار مصدر صراع بين جيلين، أوَّلهما من مواليد التسعينات الذين يعتبرون أنفسهم مغيبين عن فرصة الحصول على عمل في السلك الحكومي، بينما العروض متاحة لمواليد العقد الأول من الألفية الثالثة، وهم يجدون أن المبرّرات الحكومية غير منطقية.

انطلق مواليد التسعينات بحملة "شيّبنا"، محمّلين الحكومتين في الضفة الغربية، وقطاع غزَّة المسؤولية عن تغييب دورهم في سوق العمل بكافة القطاعات، ساعين لإيصال صوتهم المكتوم منذ عدَّة سنوات بسبب الخلافات السياسية بين الأحزاب.

غرباء في وطنهم

يشعر مراد محمد أنَّه غريب في وطنه كلّما جلس يتأمّل شهادته العلمية المعلَّقة على جدار غرفته منذ خمس سنوات، بعدما تخرّج من كلية الآداب، دون أن يستخدم مهاراته المكتسبة، ليحسب بركب العاطلين عن العمل، بعدما تعذّر حصوله على عمل في القطاع الخاص، ليكون ضمن النسبة التي رصدتها مراكز الإحصاء، والتي تجاوزت 73 في المئة من العاطلين عن العمل، من حملة شهادتي البكالوريوس أو الدبلوم المتوسط. وقُدّرت أعداد العاطلين عن العمل لهذا العام في صفوف الشباب بما يزيد عن 300 ألف إنسان في قطاع غزَّة من أصل مليونين من السكان.

مقالات ذات صلة

ويرضى الشباب من مواليد التسعينيات في غزَّة بأجور متواضعة وأغلبيّتهم يعملون في بعض المطاعم والمقاهي، كما كباعة متجوّلين. لا تتجاوز أجور واحدهم ثلاثة دولارات في اليوم. خالد جمعة الحاصل على بكالوريوس في العلوم، أضطر للعمل موزّعاً للمشروبات الساخنة في الشارع لسداد فاتورة علاج والده المصاب بالسرطان، وتأمين بعضٍ من حاجيات أسرته، وكان هذا قبل حالة الطوارئ التي تعيشها غزَّة بسبب جائحة كوفيد 19.

تجاوزت نسبة العاطلين عن العمل 73 في المئة من حملة شهادتي البكالوريوس أو الدبلوم المتوسط في قطاع غزة.

حالة خالد تشبه أحوال آلاف الخرجين الذين أمضَوا أربع سنوات دراسية، ودفعوا المقابل المادي والزّمني على أمل الحصول على وظيفة تشغيلية في تخصصاتهم، قبل أن يصدموا بالواقع المأساوي الذي تمارسه الحكومات في غزَّة والضفة الغربية.

فالحكومة في غزَّة سرعان ما تلجأ إلى الاعتداد بالأزّمة المالية التي تعيشها منظومتها المؤسساتية، بينما يرى مواليد التسعينات (1990-1999) إعلانات عن حاجتها لدفعة جديدة من الموظفين في المؤسّسات الأمنية والمدنية، ولكن سرعان ما يختفي أمل الفوز بمقعد وظيفي، بسبب أعمارهم التي "لا تتناسب" مع الشروط المعلنة، وفق ما تبرّره الحكومة.

وتشير الإحصائيات إلى أنَّ الحكومة في غزَّة عملت على توظيف نحو 40 ألف شخص منذ عام 2008، كان عدد مواليد التسعينات من بينهم نحو 4 آلاف، غالبيتهم ينتمون إلى حركة حماس التي تقود الحكم في القطاع. على النحو ذاته، أغلقت السلطة الفلسطينية ملف التوظيف الخاص بسكان غزَّة حتى يومنا هذا، بقرار من الرئيس محمود عباس بسبب الخلاف بين حركتي فتح وحماس منذ عام 2007.

هاجروا هرباً فتلقّفهم الموت

"يا أمي، البلد صارت متاهة، أربع سنوات وأنا قاعد على أمل يطلع اسمي ببطالة العمال، يا أمي، صرفتوا عليّ أربع سنوات تعليم واليوم قاعد لا شغلة ولا عَملة، مش هاين عليّ أترك أبوي وأسيبك، لكن لازم أشتغل"، أخر كلمات تستذكرها أم محمد بحوارها مع ابنها الذي ودعته قبل عدَّة أعوام، لتستقبله قبل عدَّة شهور جثةً اكتساها الملح، بعدما انتشل غريقاً من المياه اليونانية.

الهروب من موت البطالة، يقابله موت حقيقي أثناء السعي لاجتياز المخاطر التي تواجههم في أغلب الأحيان، من خلال المافيا التي تنتظرهم على الحدود مع أوهام إيصالهم إلى أوروبا. أما الحدود التي يجتازها مشياً على الأقدام فهي مصيدة حقيقية، والنّجاة منها معجزة من القدر. وتشير التقديرات إلى أنَّ عدد الشباب المهاجرين صار نحو 40 ألفاً حتى عام 2018 (حسب تقرير نشرته قناة "كان" الإسرائيلية)، بينما تقدر الأمم المتحدة العدد بـ 20 ألف شخص للعام ذاته، وسُجّل مطلع عام 2020 موت 39 مهاجراً غرقاً، فيما بقي 27 آخرين مفقودين حتى اليوم.

استدعاءات أمنية مستغربة

المشاركون في الحملة كتبوا تجاربَ معانتهم، والتي قاربت ستَ آلاف قصة تحكي صعوبة حصولهم على عمل خلال السنوات الماضية، في ظلّ ظروف معيشية واقتصادية صعبة، ووثّقوا محطات الموت التي واجهوها أثناء محاولة البحث عن الفرص الممكنة. وبعدما انتشرت رسائلهم على أوسع نطاق، توقعوا خروج الجهات الرّسمية للإعلان عن تغيير في سياسة الاستقطاب الوظيفي. إلَّا أنَّ الحكومة في غزَّة خرجت لتبرر ذلك بالاعتداد بمعايير وظيفية تتبناها المؤسسات الرسمية، مكتفيةً ب"تقديرها" لحجم المعاناة التي يواجهها "جيل التسعينات".

الهروب من موت البطالة، يقابله موت حقيقي أثناء السعي لاجتياز المخاطر التي تواجههم في أغلب الأحيان، من خلال المافيا التي تنتظرهم على الحدود مع أوهام إيصالهم إلى أوروبا. وتشير التقديرات إلى أنَّ عدد الشباب المهاجرين صار نحو 40 ألفاً حتى عام 2018.

ويبدو أن الحملة الشبابية التي طالبت وزارتي العمل في فلسطين بالوقوف أمام مسؤولياتهما أزعجت الجهات في غزَّة، فعملت على استدعاء المُنسّق للحملة، وإلزامه بغرامة مالية فيما لو عاد لنشر وتفعيل أيّ منشورات عبر صفحته أو أيّ صفحة إلكترونية، كما أجبرته على حذف المحتوى الإلكتروني الخاص بأهداف ومطالب الشباب. وطال الاعتقال نشطاء آخرين وقّعوا على تعهدات بعدم المطالبة أو تفعيل أيّ نشاط من هذا القبيل.

لكن، منسّق الحملة أكد أنّهم مستمرون حتى تحقيق أهداف حملتهم من خلال تقديمهم استراتيجية عمل واضحة، وخاطبوا خلال رسائلهم الجهات الحقوقية لتجسيد دورهم بالضغط على أصحاب القرار بالالتزام بالقانون الفلسطيني الذي كفل العمل لكافة الفئات العمرية دون تمييز بينها.

أزعجت الحملة الشبابية الجهات في غزَّة، فاستدعت مُنسّق الحملة، وإلزمنه بغرامة مالية فيما لو عاد لنشر وتفعيل أيّ منشورات عبر صفحته أو أيّ صفحة إلكترونية، كما أجبرته على حذف المحتوى الإلكتروني الخاص بأهداف ومطالب الشباب. وطال الاعتقال نشطاء آخرين وقّعوا على تعهدات بعدم تكرار ما قاموا به

لسان حالهم يردد كلمات محمود درويش: "هنا عند منحدرات التلال أمام الغروب وفوهة الوقت قرب بساتين مقطوعة الظلّ نفعل ما يفعل السجناء وما يفعل العاطلون عن العمل، نربي الأمل".

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....

للكاتب نفسه