"لا نريد تعليماً عبر الواتساب": الأسر المغربية تختار المدارس

اُقرت ثلاثة سيناريوهات: تعليم حضوري يعتمد في المناطق الخالية من كوفيد 19، أو التي سجلت تحسناً، وهو وضع معظم المناطق القروية. ثم التعليم التناوبي بين الحضوري والذاتي في المنزل، فيقسم الفصل الواحد إلى فوجين أو أكثر حسب عدد التلاميذ، مع احترام قواعد التباعد داخل القاعات الدراسية. وأخيراً التعليم عن بُعد حيث ما زال الوباء شديد الحضور.
2020-09-14

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
مدرسة في المغرب.

طال انتظار المغاربة لمصير الدراسة في البلد خلال السنة التي تنطلق حالياً. سيناريوهات كثيرة طرحت. خبراء أوصوا بتوخي الحذر، و نقابيون حذّروا من اعتماد قرارات انفرادية دون اشراك التربويين. أما أمهات وآباء التلاميذ فتخوفوا من استئناف الدراسة خلال شهر سبتمبر/أيلول. فالحالة الوبائية تستفحل وتزداد يوماً بعد يوم، لذا طالب معظمهم بتأجيل الدخول المدرسي إلى بداية عام 2021.

بيد أن وزارة التربية سارعت بإصدار بلاغ وُصِفَ بـ"الغامض" يوم 22 آب/اغسطس الماضي. جل القرارات الحكومية الصادرة خلال فترة كورونا كانت مطبوعة بالتسرع والحيرة واللبس. لذا، لم يستطع المتابعون استيعاب ملامح الموسم الدراسي الجديد من خلال البلاغ الوزاري، الذي تحدث عن ثلاث سيناريوهات وأنماط للتعليم.

تعليم حضوري، تناوبي، وعن بعد

أقرت وزارة التربية ثلاثة سيناريوهات وأنماط للتعليم، ترى بأنها ستواكب تحديات الأزمة الصحية التي يعيشها البلد والعالم. الأول: تعليم حضوري يتم اعتماده في المناطق الخالية من فيروس كوفيد 19، وأيضا في تلك التي سجلت تحسناً في الوضعية الوبائية، وهو وضع تم اقراره في معظم المناطق القروية. ثم نمط ثانٍ يتمثل في إقرار التعليم التناوبي بين ذاك الحضوري والتعلم الذاتي في المنزل. إذ يتم تقسيم الفصل الواحد إلى فوجين أو أكثر حسب عدد التلاميذ، مع احترام قواعد التباعد داخل القاعات الدراسية. يدرس المتعلمون بغلاف زمني جزئي داخل الأقسام الدراسية، والجزء الآخر التعليمي يكملونه بإنجاز واجبات مدرسية بمنازلهم تحت اشراف مدرسيهم. أما الثالث فهو عن بعد، و يتم عبر منصات إلكترونية في المناطق التي سجلت استفحالاً للوباء بشكل خطير.

يتعلق تطبيق هذه الأنماط الثلاثة بالحالة الوبائية لكل منطقة. هذا القرار المرن، غير المستقر على نمط دائم، على الرغم أهميته، إلا أنه يشكل هاجساً للأسر والتلاميذ والمدرسين. فاحتمال تغيير نمط الى آخر وارد في أي لحظة، بينما يرفض الاهالي التعليم عن بعد لأنه ليس مجدياً في التحصيل الدراسي في ظل عدم كفاية الإمكانات اللوجيستية لتنزيله للمدرس والتلميذ.

أحمد، هو واحد من الآباء المتخوفين على أبنائهم والحائر أيضاً. وعلى الرغم من أنه يقطن في القرية وينتمي إلى منطقة "اشتوكة-آيت باها" التي اعتمدت تعليما حضوريا لمعظم تلاميذ القرى، إلا أنه متردد في أن يرسل أبناءه للمدرسة: "المشكلة أننا نوقع وثيقة التعليم الحضوري، وهي تحملنا المسؤولية كاملة في حال لم يمتثل أبناؤنا للقواعد الصحية. وكأن الوزارة ترمي الكرة إلينا". تشارك الأسر حيرة محمد، إذ عبرت جلها عن الحاجة لتأجيل الدخول المدرسي إلى بداية العام المقبل. وتبرر الأسر ذلك بعدم جاهزية المدارس المغربية للتدريس في ظل الوباء.

يرد وزير التربية على مثل هذه المخاوف بأن اختيار نمط التعليم الحضوري للأسر لا يعني "تخلي الوزارة عن مسؤوليتها تجاه التلميذات والتلاميذ، فالوزارة تتحمل مسؤوليتها كاملة سواء بالنسبة للمتعلمين الذين سيستفيدون من التعليم عن بعد، أو أولئك الذين سيختارون التعليم الحضوري، إذ أن إشراك الأسر يهدف بالأساس إلى الأخذ بعين الاعتبار الوضعيات والحاجيات المختلفة للمواطنات والموطنين، وتمكينهم من المشاركة في القرار التربوي".

"اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص" طالب بتأجيل الدخول المدرسي حتى مطلع كانون الثاني / يناير المقبل، وأوصى بـ"تنظيم الدراسة حضورياً في فصلين دراسيين، ينتهيان خلال منتصف شهر تموز/يوليو 2021، مع جعل الفترة الفاصلة فرصة لإجراء الامتحانات المعلقة على كافة المستويات".

اقترحت الجمعية المغربية لمديري ومديرات التعليم الابتدائي تأجيل الدخول المدرسي إلى غاية السيطرة على الوباء نسبياً، وتوفر الشروط الموضوعية لاستقبال التلاميذ، باعتبار أن الخيار البيداغوجي الضامن للإنصاف وتكافؤ الفرص هو التعليم الحضوري.

وتشير وزارة التربية إلى أنه يمكن "تكييف الصيغة التربوية المعتمدة على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي، بتنسيق مع السلطات المحلية والصحية. في أي مرحلة من الموسم الدراسي، وفق تطور الأوضاع الوبائية". كما تؤكد بأنها ستوفر شروط السلامة الصحية في المدارس، من تعقيم ونظافة وتنظيم محكم لهذه العملية، وأنه سيتم تخفيض الطاقة الاستيعابية للحجرات المدرسية الى النصف بما لا يتجاوز 20 تلميذا في كل حجرة، وإلزامية جلوس تلميذ واحد في كل طاولة مع مسافة أمان كافية.

"التأجيل أخطر من الجائحة"

على الرغم من تطمينات الوزارة حول الدخول المدرسي الآمن والذي يعتمد على إشراك الأمهات و الآباء في اختيار النمط المناسب لأبنائهم، إلا أن ذلك لم يمنع صعود أصوات تطالب بتأجيل الدخول المدرسي، كما هو الشأن مع اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص، الذي طالب بتأجيل الدخول المدرسي حتى مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل، وأوصى بـ "تنظيم الدراسة حضورياً في فصلين دراسيين، ينتهيان خلال منتصف شهر تموز/يوليو 2021، مع جعل الفترة الفاصلة فرصة لإجراء الامتحانات المعلقة على كافة المستويات".

بدورها اقترحت الجمعية المغربية لمديري و مديرات التعليم الابتدائي "تأجيل الدخول المدرسي إلى غاية السيطرة على الوباء نسبيا، وتوفر الشروط الموضوعية لاستقبال التلاميذ، باعتبار أن الخيار البيداغوجي الضامن للإنصاف وتكافؤ الفرص هو التعليم الحضوري."

وانتقدت الجمعية ما وصفته بـ"الطابع الانفرادي" للوزارة في تدبير الدخول المدرسي، و اعتبرت أن قراراتها يسمها التناقض والارتباك في شأن سيناريوهات الدخول التعليمي، وهو معطى سيرخي بظلاله على "التحصيل الدراسي الهش لدى التلاميذ، وكذا على صحتهم وعلى صحة جميع مكونات المجتمع المدرسي".

لكن الوزير رفض أي تأجيل، مبررا ذلك بـ"الآثار السلبية" لتوقف الدراسة على التلاميذ، إذ يعتبر التأجيل "أخطر من الجائحة نفسها". في النهاية، قَبٍلَ الآباء والأمهات - على مضض - ما أقره الوزير. ثم تبددت حيرتهم شيئا فشيئا ليختار أكثر من 80 بالمئة منهم التعليم الحضوري في المدارس، و لسان حالهم يقول "لا نريد تعليماً عبر الواتساب"، لأنهم جربوا التعليم عن بعد إبان فترة الحجر الصحي، واكتشفوا أنه كان في معظمه عبارة عن محادثات ومراسلات تربوية وتعليمية عبر هذا التطبيق الذي لم يسعف كل التلاميذ على التعلم، وهو أمر ساهم في تكريس التفاوتات التعلمية فيما بينهم.

التعليم عن بعد يكرس الفوارق

زاد غضب الاهالي على التعليم عن بعد لأن التلميذ لن يتعلم عبر هذه الوسيلة التي تصلح أساساً للمحادثات الشخصية. ليس الاهل وحدهم من اعترض، بل أن المدرسين يرون بأن هذه الوسيلة سببت لهم مشاكل ومعيقات تواصلية وتربوية مع متعليميهم، إذ واجهوا اللامبالاة والفوضى وغياب الكثير منهم، كما أن أنهم لم يسلموا من العنف اللفظي والتنمر والشغب الالكتروني من قبل تلاميذهم.

وحتى وإن حلت هذه المشاكل، إلا أن هذا النمط من التدريس سيؤسس لتنامي "الفوارق وعدم المساواة الموجودة سابقاً"، كما تقول منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها. و ترى بأن "الأطفال الذين كانوا بالفعل أكثر عرضة للإقصاء من التعليم الجيد فيما قبل، هم الأكثر تضرراً".

وكمثال على ذلك، تحكي نوال في مقابلة مع المنظمة، أن "بعض الأساتذة كانوا يشتكون من ضعف صبيب الأنترنت، لذلك لم نسمعهم طوال الوقت، فيما بعض الأساتذة لم نراهم مطلقا مثل مُدَرِسَة الفيزياء".ويؤكد أستاذ يعمل في حي شعبي بالرباط، أن 10 في المئة فقط من المتعلمين تابعوا حصصه التعليمية عن بعد. حصل ذلك بعد أسابيع قليلة من انطلاق عملية التعليم عن بعد. أما خديجة،التي تزاول شغلها كعاملة نظافة من الدار البيضاء، فقالت للمنظمة : "لا يمكنني أنا أو زوجي القراءة أو الكتابة ، لذا لا يمكننا مساعدة بناتنا في المدرسة، أو حتى توفير صبيب أنترنت عالي لهم".

اختار أكثر من 80 في المئة من الاهالي التعليم الحضوري في المدارس، فهم لا يريدون "تعليماً عبر الواتساب"، لأنهم جرّبوه إبان فترة الحجر الصحي، واكتشفوا أنه كان في معظمه عبارة عن محادثات ومراسلات تربوية وتعليمية عبر هذا التطبيق ولم يسعف كل التلاميذ على التعلم، وهو أمر ساهم في تكريس التفاوتات التعلمية في ما بينهم.

ليست كل المناطق القروية متشابهة، والأمر نفسه ينطبق على المجال المديني: في كل مكان هناك ضعف في صبيب الأنترنت حين يتوفر، وتغيب الاساتذة، وخصوصاً تغيب التلاميذ وفوضاهم وتنمرهم على الاساتذة، وأميّة بعض الأهل وعجزهم عن مساعدة ابنائهم، وعدم توفر الاجهزة سواء الحواسيب للانترنت أو الهواتف للواتساب أو حتى التلفزيون...

من ناحيتها، تحاول وزارة التربية أن تغض الطرف قليلاً عن هذه المشاكل وتغطيها بمنجز إقرار منصة "تلميذ تيست" والأقسام الافتراضية وسواها من الحلول الالكترونية. وتقر بالأرقام بأن الكثير من المدرسين سُجِلوا في هذه المنصات. هذا الكلام جميل لكنه ورقي. على الأرض لا يبدو الامر كذلك. في العالم القروي مثلا حُرِمَ السواد الأعظم من التلاميذ خلال فترة الحجر الصحي من التعليم عن بعد. لا يوجد بديل سوى متابعة البرامج التعليمية على التلفزيون الرسمي، هذا إن توفر التلفاز، أو في أحسن الأحوال تحضير الواجبات المدرسية مع مدرسيهم عبر الهاتف الخلوي عن طريق الواتساب. وهذا ترف لدى معظم الأسر القاطنة في الجبال النائية والمناطق المعزولة.

طبعا ليست كل المناطق القروية متشابهة، والأمر نفسه ينطبق على المجال المديني. توفر الإمكانات والبنى اللازمة لإرساء التعليم عن بعد يظل صعباً في القرية أكثر من المدينة، لكن الوزارة لها رأي آخر، وتشدد على أن معظم مدارس المغرب مزودة بقاعات متعددة الوسائط. لكنها أغفلت أنها متهاكلة، وتحتاج لصيانة تقنية وتحديث للأجهزة الالكترونية.

يتحدث وزير التربية عن الأرقام ليرد على منتقديه، و يؤكد بأن 85 في المئة من المدارس مزودة بشبكة الانترنت، كما أن المصالح الوزارية تخصص 300 مليون درهم (حوالي 30 مليون دولار) سنوياً لتجهيز المؤسسات التعليمية بالوسائل التقنية.أما القرى، فيقول بأن جميع مدارسها مزودة بأنترنت الستلايت ذو التكلفة التي تبلغ 1400 درهم شهرياً (حوالي 140 دولار).

عموما، هذه أرقام وغيرها كثير، توحي بأن الوضع سليم، لكن على أرض الواقع فليس الأمر كذلك. ليست كل المدارس المغربية على هذا النحو، وجزء منها غارق في مشاكل تعد من الضروريات، من قبيل توفير البنى التحتية كتوفير المعدات التربوية وشروط النظافة وصيانة المراحيض، وجزء آخر خارج الزمن ومحروم من أدنى الأساسيات، وهو حال أغلب مدارس القرى والأرياف.. هذه المشاكل يعيها آباء وأمهات التلاميذ، ولن تثنيهم عن تفضيلهم للتعليم الحضوري في المدارس مهما ساءت أوضاعه..

مقالات من المغرب

للكاتب نفسه