مشاهد من عاصمة أرض الصومال هرجيسا

"هرجيسا" اسم لا يعرفه الغرباء عن الصومال، كما أنه نادر المرور في وسائل الإعلام عامة. فالوداعة والاستقرار اللذان نعمت بهما أرض الصومال على مدى أكثر من عقدين  من الزمن، جعلها في نظر الباحثين عن الخبر المأساوي والمثير، خارج مدار الاهتمام أو المتابعة!
2014-12-11

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك

"هرجيسا" اسم لا يعرفه الغرباء عن الصومال، كما أنه نادر المرور في وسائل الإعلام عامة. فالوداعة والاستقرار اللذان نعمت بهما أرض الصومال على مدى أكثر من عقدين  من الزمن، جعلها في نظر الباحثين عن الخبر المأساوي والمثير، خارج مدار الاهتمام أو المتابعة!
تستقبلنا هذه المدينة الفتية باسمة، وقد انتقلت من مرحلة إعادة الإعمار إلى الامتداد والتوسع، لتضم تجمعاً بشرياً يقدر بمليون نسمة، مزيلة معظم آثار التدمير التي خلّفها النظام الدكتاتوري (1969-1991) في آخر عهده ضدها وضد سكانها. على مدى قرون بقيت "هرجيسا" محض بئر على طريق القوافل بين الساحل الصومالي "بُلحار وبربرة" ومدخل هضبة الحبشة في مدينتي "هَرَرْ" و"جِقْجِقا". ومع بدء الاستقرار الحضري حولها في نهايات القرن التاسع عشر، تحوّلت إلى مركز ديني وزراعي، محافِظة على دورها في الحركة التجارية ما بين الداخل والموانئ، بل ولتنتقل من كونها معبراً للسلع ومجرد محطة، إلى مقصد للتجار ومصدراً للبضائع الجلدية والمصنوعات المعدنية والخشبية.
كان لموقع المدينة على ارتفاع 1300 متر فوق سطح البحر، ووفرة المياه الجوفية في محيطها، دور كبير في ما حققته من اتساع وازدهار. فاعتدال جوّها على مدار السنة ونسيمها العليل والخضرة المحيطة بها، جعلها مصيفاً لسكان المناطق الساحلية في شمال البلاد وصولًا إلى سكان جمهورية جيبوتي القريبة، حيث يقصدها المصطافون لتجنّب حرارة فصل الصيف الساحلي، والتي ساهم موضعها وسماؤها الغائمة والممطرة في أشهر الصيف في إبقاء درجات الحرارة بها دون الثلاثين درجة مئوية في أشد الأيام حراً.

الأسواق التقليدية

تتوزع الأسواق في هرجيسا  إلى أنواع تخدم تنوع المتسوقين، بين أسواق تقليدية وأخرى حديثة، إلّا أن الأسواق التقلدية لا زالت محتفظة بمكانتها في حياة أهالي المدينة، متمثلة بسوقين رئيسيين هما "السوق الأدنى" ويمتد من المسرح الوطني باتجاه الشارع رقم واحد، ويقع فيه عدد من أهم مسجدين في المدينة "القديم" و"علي متَّان"، ويعج بمحلات تجارية تُعرض أنواع السلع الحياتية اليومية، والمطاعم والمقاهي التقليدية وأكشاك السجائر والقات، كما أن دروب السوق الأدنى وطرقه تتسع لعشرات البسطات المظللة التي تبيع سلع خفيفة متعددة بأسعار منخفضة. ولا تخلو أيٌّ من طرقات الأسواق والشوارع الرئيسية من منظر مظلات صرف العملات الأجنبية "الدولار" وبيع الوحدات الهاتفية.
أما السوق التقليدي الآخر "السوق الأعلى" فينقسم إلى قسمين يعملان كسوقين متمايزين، أحدهما "سوق الحزب" والآخر "سوق الإذاعة". يتميّز الاول بكونه سوقا مختصا بالمواد الغذائية الطازجة، من لحوم وخضروات، كما أنه لا يبتعد كثيرا عن جانب الوادي حيث يتم تجفيف اللحوم لتتحول إلى  "المقدد" التقليدي، نظرا لقربه من سوق المواشي القديم. أما سوق الإذاعة فيماثل في بعضه جوانبه "السوق الأدنى".

الطريق "رقم واحد"

كما يدل اسمه، فقد كان أول الطرق التي تم تخطيطها في المدينة بأربعينيات القرن الماضي، ليكون قلبها النابض حين يطل السوق الأدنى عليه، وتتفرع من جانبيه كل الطرق المؤدية إلى الأحياء الأقدم في المدينة، ويظهر كعصب الحياة التجارية في عاصمة تلك الجمهورية. ويتمّيز الطريق بأن على جانبيه عددا من أهم المنشآت في المدينة والبلد، بدءا بالمسرح الوطني، وصولًا إلى حي "غُبُلكا/الإقليم" والذي يضم دوائر الدولة، مرورا بمراكز تجارية حديثة والبنوك وشركات الاتصالات والخدمات المالية والحوالات وخدمة التحويل الهاتفي، ناهيك عن محال الألبسة الحديثة والمستشفى الرئيسي  في المدينة.  ويتفرع الطريق جنوبا باتجاه حي "توغطير" حيث تجتمع شركات ومكاتب التصميم والإعلان، كما يتفرع شمالًا حيث تقع أهم مواقع النشاط الثقافي في البلاد.
وقد تتميز مدينة "هرجيسا" عن غيرها من مناطق القرن الإفريقي بالنشاط التجاري، إذ لا يخلو حيٌّ أو زقاق من الدكاكين التي تعرض بضائع جلبها اصحابها بأنفسهم من أماكن إنتاجها، أو من محال الجملة. إلّا أنه على انتشار العمل التجاري عامة، تبقى هناك محال تجارية تلفت النظر إليها نظرا لتميّز خدماتها وأناقتها.كما يوجد على امتداد جسر هرجيسا القديم مطاعم سياحية، ويوجد خارج المدينة وزحامها منتزه جميل ومدينة ملاهٍ للأطفال..

التعليم يبقى المعضلة

وفي هرجيسا جامعة وطنية والعديد من الكليات والمعاهد، وهي جميعها تتعاون مع جامعات مرموقة من البلدان المجاورة، ومن مصر واليمن وكذلك وبالنسبة للمعاهد الخاصة مع جامعات عالمية. والتعليم بشكل عام يبقى معضلة أساسية في هذه البلاد، إذ تبلغ ميزانيته لهذا العام حوالي 35 مليار شلن (5 ملايين دولار) من ميزانية الحكومة السنوية التي تبلغ 90 مليون دولار. ولا يقل عدد الطلاب المسجلين في المدارس الابتدائية والإعدادية الحكومية بأرض الصومال عن 200,000 طالب وطالبة، وفقاً لتقديرات وزارة التربية والتعليم. ولكن توفير مجانيته كما تقرر يواجه مأزق ضعف الموارد الحكومية  العاجزة عن توفير العدد الكافي من المعلمين. وجدير بالذكر أن وزارة التربية والتعليم العالي بجمهورية أرض الصومال تتولاها سيدة، كما أن 60 في المئة من الطلاب هم من الفتيات.

****

تبلغ مساحة جمهورية "أرض الصومال" 137,600 كلم مربع ويسكنها 3,5 مليون نسمة وهي تقع  قبالة اليمن على خليج عدن، وكانت قد أعلنت استقلالها عام 1991 من دون ان تنال اعترافا دوليا بها، وإن كانت تمكنت من تحقيق استقرار لا تعرفه سائر أرجاء الصومال، الموزع على أجزاء ثلاث، منها ارض الصومالSomaliland  في أقصى الشمال وعاصمته هرجيسا، وقد كان مستعمرة بريطانية، وارض البنط Puntland في الوسط، والصومال جنوبا وعاصمته مقاديشو الذي مر بفترة طويلة من الاستعمار الايطالي منذ التاسع عشر، وقد لعبت الفترة الفاشية الايطالية دورا كبيرا في انتهاك بنيته التقليدية وضعضعتها من دون تحفيز بدائل قابلة للحياة  ولم تنل الصومال الاستقلال إلا في عام 1960.   

 

مقالات من الصومال

للكاتب نفسه