الصومال: إنه يضربها في ليلة الزفاف!

بوضع عبارة «عادات الزواج في الصومال» باللغة العربية، وبضغطة واحدة على الزر في محرّك البحث «غوغل»، يظهر أمامك في أقل من نصف ثانية ستة وستون ألفا وستمئة نتيجة. والمدهش أن الباحث في ذلك البند يكتشف أن معظم تلك النتائج تقول التالي: جرت العادة في الصومال أنه أثناء الاحتفال بالزواج، يقوم الرجل الصومالي بضرب زوجته!وعلى الرغم من عدم معرفتنا بمن بدأ تلك «الأسطورة»
2012-10-31

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك

بوضع عبارة «عادات الزواج في الصومال» باللغة العربية، وبضغطة واحدة على الزر في محرّك البحث «غوغل»، يظهر أمامك في أقل من نصف ثانية ستة وستون ألفا وستمئة نتيجة. والمدهش أن الباحث في ذلك البند يكتشف أن معظم تلك النتائج تقول التالي: جرت العادة في الصومال أنه أثناء الاحتفال بالزواج، يقوم الرجل الصومالي بضرب زوجته!
وعلى الرغم من عدم معرفتنا بمن بدأ تلك «الأسطورة» حول المجتمع الصومالي، ومتى بدأ ذلك، فلا شكّ أن الملكة أراويلُه، (ملكة الصومال التي يرجح أنها عاشت في القرن الاول للميلاد، بينما يقال بالمقابل أنها عاصرت ملكة سبأ وأنهما تبادلتا الهدايا)، لو سمعت بتلك الدعاية، لكانت أمرت دون تردد أن يعاقب صاحبها بالخصي (وهي العقوبة التي حلت وقتها محل قتل المجرمين).
وبعيدا عن المرأة «الحديدية» الأقدم في تاريخ بلادنا، فإن شعور الصومالي تجاه شريكة حياته، لا يغادرها الامتنان والاحترام والتقدير. فهي لم تخسر يوما موقعها بجوار الرجل تقاسمه مهام الحياة، وتشاركه في أخذ القرار، وهي تترك بصمتها واضحة دون منّة من الرجل او تَفضُّل في كل صغيرة وكبيرة. فهي شريكة في تربية المواشي أو الفلاحة أو حتى في الملكية، كما خلّدت مدوّنات زيارة الملكة الفرعونية «حتشبسوت» إلى بلاد «بونت» بالقرن الخامس عشر قبل الميلاد، «فملك البلاد وملكتها أتي كانا في استقبالها».
ومن المذهل حقيقة أن المجتمع الصومالي، على طول تعايشه مع الديانات السماوية كاليهودية (سقطت آخر ممالك اليهود في القرن الثاني عشر، بعد حملة قادها الشيخ يوسف بن أحمد الهاشمي في شمال الصومال)، واعتناقه الجماعي للإسلام، لم يتلاشَ منه ملامح الحضور القوي لنظام الأمومة. فمن خلال تتبعنا لمقولة تصف إحدى القبائل الصومالية بأن «ليس فيهم أحمق»، برر ذلك أحد كبارهم بأنهم «لا يقطعون في أمر مهم خاصّ أو عام دون مشاورة نسائهم».
لكن ذلك لا يعني في أي حال خلو المجتمع من ظواهر وعادات متناقضة لشعب تراثه غاية في القدم والعراقة، كالشعب الصومالي. فلازال هناك من يمارس «الختان الفرعوني» غير الإنساني ضد الفتيات الصغيرات. إلا أن الاحتفالات التقليدية المرافقة قد اندثرت، والتي كانت تكتمل بمنح الفتاة «نطاق الملك»، لتصبح باستحقاقها ذلك الحزام حول خصرها، عبر ما مرّت به من معاناة الختان، مساوية في المكانة لـ«إبنة الفرعون الملك».
كما أنه لا زال معمولا في الأرياف والبوادي، بممارسة وإن كانت في تراجع مستمر نتيجة للدعوات المناهضة لها، نظرا لما تجلبه من التعاسة للنساء الأرامل، أو اللاتي توفّيَت أخواتهن المتزّوجات عن أطفال، في تقليد يسمى بـ«دومال»، وهو تصحيف لعبارة «دوغ-مال»، والتي تعني «حق الدفن». أي أن الأرملة الأم، من حق زوجها «الميّت» عليها أن تكون «ملزمة» بالزواج من أخيه، تحت طائلة إعادتها إلى بيت أبيها دون ميراثها الشرعي أو أطفالها، كما أنه من حق الزوج أن تكون له الأولوية في الزواج من أختها في حال وفاتها وتركها أطفالا.
ولاشكّ أن التشرذم والتقاتل وما صاحبهما من أوضاع مأساوية، عقب سقوط النظام العسكري في بداية التسعينيات، قد أدى إلى تدهور على كافة المستويات. وكانت المرأة المتضرر الأكبر، نظرا لحدوث تجاوزات وجرائم خطيرة على نحو غير مسبوق، إضافة لانهيار المؤسسات الصحية. وإذ غدت البلاد من أكثر المناطق كارثية في العالم، ارتفعت معدلات الوفيات المترافقة مع الحمل والولادة ومضاعفاتهما. ورغم أهمية الكشف عن الوقائع الاكثر سلبية، إلا أنه من الضروري أيضا عدم إغفال الواقع الطبيعي للمرأة المتمكنة في المجتمع صومالي، إذ أن حقوقها كإنسان مستقل وكامل الأهلية محفوظة إلى حدّ بعيد، بصورة تفوق عموماً نظيراتها في المحيط الإفريقي والعربي. فهي مرشّح رئاسي وقيادي حزبي، ووزير وضابط أمن وطيار حربي، ومندوب دائم لدى الأمم المتحدة ممثلة لبلدها، وسيدة أعمال تجوب العالم، وعداءة ولاعبة كرة سلة، ومطربة ومسرحية، وفقيهة يسافر العلماء لتلقي العلم منها. ذلك أن الظروف المأساوية تبقى استثنائية رغم فظاعتها، وهي لا تغيّر من مكانة المرأة في المجتمع الصومالي. وهذا يحفظ لها حقها في الطموح، والسعي لتحقيق ما ترى نفسها مؤهّلة للقيام به. ففي الوقت الذي تتراوح فيها مجتمعات كثيرة تجاه المرأة، بين طمس بعض حقوقها الشرعية الضرورية لقيامها بدورها في المجتمع، استنادا لدعاوى التقاليد، وبين منحها مظاهر تمكين غاية في السطحية، محاكاة لحضارات أخرى، فإن للمرأة الصومالية استقلاليتها، فلا فضل لأخيها الذكر عليها أمام سلطة الأبوين في المنزل، بل يكاد الأخ يشعر بأنها المفضّلة عليه، لقدرتها الفطرية الفائقة على إظهار الجانب الرؤوف للوالدين. ومن هناك تخرج إلى الحياة متمتعة بثقة عالية.
المرأة الصومالية شقيقة الرجل وشريكته، كانت ولازالت تساهم في جهود قيادة المجتمع الذي انهكته الحروب والحزازات، نحو مستقبل أكثر سلمية وازدهارا. وتستحضر الأذهان دائما تجربة «أدنا آدن إسماعيل» المولودة عام 1937 ، الطبيبة والسياسية، والناشطة في المجال الصحي والإنساني، وصاحبة المشاريع في تحسين الخدمات الطبية لقطاع الأمومة والطفولة. وهي أرغمت العسكر على عدم الاقتراب من بيتها، ومنعتهم بثباتها العجيب من مصادرته والعبث بمحتوياته، بينما كان زوجها، رئيس الوزراء، في المعتقل، إثر الانقلاب العسكري سنة 1969. وبعد ان دمّرت الحرب الأهليةُ مشروعها لبناء منشأة صحية في العاصمة مقديشو، عادت إلى مسقط رأسها، هرجيسا، لتبدأ من جديد، وتحقق ما كانت تصبو إليه، تاركة العمل السياسي، بعدما كانت أول وزيرة خارجية لجمهورية «أرض الصومال»، متفرغة لتدريب كادر نسائي مؤهّل لإدارة مستشفى للأمومة والطفولة أصبح يحمل اسمها، بعد أن حوّلت بجهودها وعملها الدؤوب ما كان مكبا للنفايات إلى صرح خدمي إنساني لا يمكن تجاهله في القرن الإفريقي.
لابد أن المرأة الصومالية استحقّت بجدارة أن تكون أيقونة شعبها بفضل طريقتها في تربية أطفالها على العمل مرددة دائما عبارة تقليدية: «أعدك أنني سأتباهى بك»، أو وهي تنظم القصائد بفنّ شعري خاص بها (الـ«برامبر»)، لا يحق لأحد سواها أن يقول الشعر به، في حين أنها تشارك الرجال في كل فنون الشعر الأخرى متى شاءت، فتحمل الرياح الأربع روائع إبداعها، كما تحمل امتنان قبائل وعشائر، يُعد أبناؤها اليوم بالملايين (بنو إسحاق بن أحمد، وعشائر أبجال وغيرها )، لم يكن لينجو أول أفرادها لولا حكمة امرأة وحبها وتضحيتها. هذا ما يطغى على المعتقد الجمعي في الصومال، وأما ترهة عادة الضرب ليلة الزفاف فتخص الانترنت!

كاتب من الصومال
somalifuture.wordpress.com

مقالات من الصومال

للكاتب نفسه