مطرٌ في السعودية: يا للكارثة!

يحدث أن تهطل الأمطار في كلّ بلاد العالم دون أن توقع ضرراً، يحدث أن تهبّ العاصفة مرتين، وثلاثاً وربّما عشر مرّات ويبقى البلد على حاله. لكن ليس في السعودية، فإنّ أنهاراً وبحيرات ستبدأ بالتشكّل. وفي كلّ مرةٍ تصيبها كارثةٌ، تنطلق هي من نقطة الصفر.
2013-12-04

أحمد دحمان

كاتب من السعودية


شارك
من السيول في الرياض (من الانترنت)

يحدث أن تهطل الأمطار في كلّ بلاد العالم دون أن توقع ضرراً، يحدث أن تهبّ العاصفة مرتين، وثلاثاً وربّما عشر مرّات ويبقى البلد على حاله. لكن ليس في السعودية، فإنّ أنهاراً وبحيرات ستبدأ بالتشكّل. وفي كلّ مرةٍ تصيبها كارثةٌ، تنطلق هي من نقطة الصفر.

ألا تتكرر السيول كل عام؟

فيضان المياه المحبوسة في البنى الفوقية تعجز قنوات الصرف الموجودة افتراضياً على صفحات المشروعٍ عن استيعابها. لمقاولٍ أخذ الأموال وانتقل لالتزام مشروعٍ آخر، ونسي الأول أو أعاد تلزيمه الى من قدم له أوفر عرض. والمواطن لا يعرف كيف يتصرّف بغياب الإرشادات والتحذيرات التي يفترض أن تسبق العاصفة. وما تشهده السعودية حالةً متكررة تأتي مع قدوم كلّ شتاء، وفي كلّ مرّة تترتب خسائر كبيرة بالمليارات من الريال السعودي على المؤسسات والمواطنين العالقين في قلب العاصفة، في كلّ مرّة تذهب المياه هدراً، وقريبا تشكو البلاد من انقطاع المياه وعدم القدرة على تلبية حاجات الساكنين في المدن، ويلوم المواطنون بعضهم بعضا على التبذير في الاستخدام، ثم يتجهون الى لوم المقيمين بالإفراط بالاستهلاك. كل عام، يتفاجأ الناس والدولة وأجهزتها وكوادرها...لكنّ السعوديين يعرفون أنّ المياه الهاطلة من السماء هي خير مطلق، وليست سبباً رئيساً للسيول التي تجتاحهم في السنوات الأخيرة، تماماً كما يعرفون أنّها ليست معاصيهم وذنوبهم كما يردد وعّاظ الدين، مهددين بأن السيول هي الردّ السماوي على انفتاحهم وامتصاصهم لأفكار غربيةٍ غريبةٍ عن مجتمعهم. وليس الليبراليون ولا الإخوان ولا حتّى أميركا التي يهمّها أن تدّمر مدن العرب. يعرف السعوديون من هم وراء السيول التي تجرف سياراتهم، وتغرق شوارعهم، وتدخل إلى بيوتهم، ملتزمة منذ أعوامٍ بحصد أرواحهم.

38 مليار ريال؟

الفساد، تلك الكلمة التّي يُراد لها أن تبقى في مصاف العموميات، أنشئت لها هيئةٌ لمحاربتها دعيت بـ"نزاهة"، تتكفل بالقبض على المرتشين ومحاسبة المخلين بالقوانين والسلامة العامة والمتلكئين عن تنفيذ المشاريع بحرفيتها المتفق عليها. يحاسب الصغار لكنّ المتهمين الكبار يظلّون متدثرين بغطاء، وكثيرٌ منهم تعجز تلك اليد الهزيلة عن التقاطهم.لا بنية تحتية مجهزة لاستيعاب الأمطار الهاطلة، ليس لأنّ الحكومة لم تصرف ميزانيةً هائلة لتنفيذ المشاريع، بل لأنّ من أنيطت بهم هذه المهمّة ظنّوا أنّ لا مطر سيروي عطش الرمال ففضلوا وضع أغطية لمصارف المياه دون حفر الأقنية! غياب البنية التحتية المرصود لها في ميزانية هذا العام أكثر من 38 مليار ريال سعودي لتنفيذ مشاريع صرف مياه الأمطار، لم ينتج منها سوى تزايد في أعداد المستنقعات والبرك التي عطّلت حركة المرور، وأوقفت المدارس والأشغال، ودمرت أملاكاً وخربت بيوتا، بل تسببت بإزعاق الارواح.في مدينة جدة، بيعت رُخصُ أراضٍ تقع في مجاري السيول، حيث شيدت المشاريع العمرانية الجديدة في قلب الخط الطبيعي للسيل. جدة، المدينة المنكوبة لأكثر من مرّة في غضون الأعوام الأخيرة، حمّل دعاة الدين أيضاً أسباب السيول فيها إلى معاصي أهلها ولم يخطر ببالهم فحص أهلية الجسور التي هبطت، والشوارع التي غرقت بالمياه...ورغم تجربة المملكة مع كارثة جدة المريرة، فقد كشفت سيول الرياض الأخيرة أنّ شيئًا لم يُعمل به للحؤول دون غرق المدينة الكبيرة. ملف جدة ما زال مفتوحاً أمام القضاء السعودي، للسعي إلى معاقبة المرتشين والمسؤولين عن كارثةٍ أودت بحياة الناس.مدن أخرى مر عليها المنخفض الجوي. فالسيول مرّت على الكويت وعطّلت الحياة يوماً في الإمارات، أمّا في المملكة فاستمر الأمر لمدّة أسبوع. وحده العراق المدمر بالحروب والمنهوش بالفساد العلني عاش شيئا مشابهاً للمملكة، وهي الغنية والمستقرة.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية: حربٌ في المرآة

أحمد دحمان 2014-09-01

تنتظر السعودية الصيحة الكبرى. كل ما مرّ إلى الآن كان مجرد إرهاصات الخطر الآتي. بات المسؤولون يحجون إلى حدود الصحراء الشمالية المترامية الأطراف ليتأكدوا أن لا عناصر غريبة هناك. رايات...