"كورونا": تشريد 32 ألف مغربي حول العالم

تقطعت السبل بأكثر من 32 ألف مغربي منذ أن أغلقت المغرب حدودها البرية والجوية والبحرية في منتصف آذار/ مارس، في إطار مواجهة وباء "كوفيد 19"، ليجد هؤلاء المواطنون المغاربة أنفسهم في وضعية "النازحين" ببلدان أجنبية قدموا إليها لبضعة أيام فقط من أجل السياحة، أو للعمل أو الدراسة..
2020-06-11

خولة اجعيفري

صحافية من المغرب


شارك
محمد سعيد بعلبكي - لبنان

في وقت توالت فيه رحلات إجلاء دول العالم لمواطنيها في مختلف أنحاء المعمورة، بما فيها الدول التي تعاني ويلات الحروب أو اللاستقرارالسياسي على غرار العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن، تقطعت السبل بأكثر من 32 ألف مغربي منذ أن أغلقت المملكة حدودها البرية والجوية والبحرية في منتصف آذار/ مارس في إطار مواجهة وباء "كوفيد 19"، ليجد هؤلاء المواطنون المغاربة أنفسهم في وضعية "النازحين" ببلدان أجنبية قدموا إليها لبضعة أيام فقط من أجل السياحة، أو للعمل أو الدراسة..

يشتكي عشرات من المغاربة العالقين في مختلف دول القارات الخمس، تقاعس الحكومة المغربية عن التدخل لإجلائهم وإعادتهم إلى المغرب، أو التواصل معهم بالشكل الملائم والمطلوب، ما فاقم من "معاناتهم وشعورهم بالإحباط والغبن وبتخلي وطنهم عنهم"، فيما حكومة سعد الدين العثماني من جهتها، تدعوهم إلى "التسلح بالصبر" وانتظار "إشارة" منها عبر سفارات المغرب، مشددة على أنها مازالت "تتدارس أمر إجلائهم منذ ما يقارب الشهرين ونصف الشهر".

مغاربة مشردون في شوارع تركيا

ومن بين الـ32 ألف مواطن مغربي عالق، دون احتساب آلاف الطلبة المغاربة بالخارج الذين يرغبون أيضاً في العودة إلى أسرهم بعد توقف الدراسة ببلدان الإقامة، نجد عماد، الذي حل بإسطنبول رفقة زوجته في آذار/ مارس من أجل قضاء شهر العسل، فوجد نفسه في " وضعية النازحين القادمين من الدول المشتعلة بالحروب" على حد تعبيره.

يقول عماد: "تحول شهر عسلنا إلى علقم لا نهاية له، نحن محتجزون في غرفة الفندق بعد أن نفد مالنا، ومضطرون إلى انتظار قرار بسيط نشك في قدومه". وأنه، وما يقارب 1000 مواطن مغربي في إسطنبول "مصيرهم مجهول، خاصة في ظل غياب التواصل مع القنصلية المغربية، والاعتداءات المتكررة التي نتعرض لها من طرف الشرطة التركية دون أن تحمينا سفارة بلدنا التي يفترض أن ترعى مصالحنا".

وكذب عماد الذي يعمل في مجال البرمجة، ما جاء على لسان الحكومة المغربية بخصوص التدابير الإجرائية وتوفير السكن والمأكل والدواء للمرضى: "من أصل 1000 مواطن مغربي عالق، السفارة تكلفت فقط بإسكان 300، والبقية فتشردوا أو تفرقوا على أقاربهم وأصدقائهم وأحياناً يتكفل بهم بعض المحسنين العرب. أما بخصوص الفئة المقيمة في الفندق، فقد غيروا فندقنا لأكثر من مرتين".

ما يزيد عن 450 مغربياً في إسطنبول ينامون في الشارع، وهم من مختلف الأعمار والفئات بمن فيهم الأطفال. وتلك هي أحوال العالقين في أكثرمن بلد، وبينهم كبار في السن أو مرضى، يستعينون بما يقدمه لهم المحسنون... بينما لا تجيب قنصلياتهم على اتصالاتهم، أو تسوّف أو تنهر!

الوجبات الغذائية التي كانت تقدم بصفة يومية من القنصلية للمغاربة العالقين في تركيا، هي عبارة عن "خبز ساندويش جاف بداخله مورتاديلا، وسلطة طماطم وخس"، وذلك قبل أن يتدخل مدير الفندق المغربي الأصل والروسي الجنسية بمنطقة "أقصراي" الذي تكفل بالوجبات الغذائية طيلة فترة رمضان الماضي. ويقول عماد بهذا الخصوص: "القنصلية لا توفر لنا الوجبات الغذائية، ما كانت توفره من ساندويشات باردة كنا نرميه لأنه غير قابل للأكل أبداً، لحسن الحظ تكفّل بنا ابن بلدنا الروسي الجنسية صاحب الفندق، الذي اشترط على النزلاء المغاربة بأن يبقوا منظمين ومحترمين، وإلا سيكون مصيرهم الطرد من فندقه، مقابل ذلك يوفر لنا تغذية جيدة مقارنة مع ما سبق، وهو خير يقوم به كل سنة في شهر رمضان".

وشدد عماد على أن "ما يزيد عن 450 مغربياً في إسطنبول ينامون في الشارع، وهم من مختلف الأعمار والفئات بمن فيهم الأطفال، لكن تعادلوا في المعاناة الأليمة نفسها"، مضيفاً: "ذهبنا الاثنين إلى القنصلية، لنجدد شكوانا، لكن تعاملهم كان بارداً مرة أخرى. صرخوا في وجهنا بدعوى أنه لا حل أمامهم، وقالوا لنا اصبروا ودبروا أموركم إلى يوم الأربعاء لعل وعسى أن يكون هناك جديد في الموضوع. كيف يعقل أن ننام تحت المطر في الشارع ؟". وأوضح المتحدث أن تعامل السلطات التركية بدورها "مؤسف وعنيف مع المغاربة خاصة الذين بدون مأوى، كما أن الأتراك يرفضون بيعنا الكمامات وأحياناً حتى الأدوية، وبالتالي نستعين بسوريين يتحدثون التركية أو بمحسنين".

جثة بدون قبر

في ألمانيا قصة موجعة أخرى، لمواطنة مغربية مصابة بالسرطان، سافرت رفقة زوجها إلى برلين أياماً قبل إغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية للمغرب في 15 آذار/ مارس الماضي، من أجل البحث عن أمل جديد للحياة لدى الطب الألماني، ذلك بعد أن ظهرت آخر التحاليل في المغرب وكانت نتائجها سلبية جداً.

غير أن السيدة توفيت، فيما بقي زوجها عالقاً في ألمانيا "لا يدري ماذا يفعل بالجثة، هل يدفنها هناك أم يتركها في مستشفى الأموات إلى أن تفتح الأجواء، وكيف يصل لطفليه الصغيرين اللذين تركهما رفقة أمه العجوز"، يقول أحد أقاربهما، مشيراً إلى أن جميع الاتصالات التي حاولوا ربطها مع السفارة باءت بالفشل، ما اضطره أخيراً إلى طلب معونة المغاربة والسلطات الألمانية، وتم دفنها في مقبرة المسيحيين مع استعمال مادة الزنك، وذلك على أمل أن يتم ترحيل الجثة بعد فتح الحدود إلى المغرب.

وزارة الخارجية: ثلث المغاربة العالقين في حالة صعبة

وبلغ عدد المغاربة العالقين بالخارج الذين اتصلوا بسفارات وقنصليات المملكة في البلدان المستقبلة من أجل التبليغ بأنهم عالقون ويُريدون إجلائهم 32 ألفاً، فيما جرى التكفل بإيواء حوالي 3844 شخصاً، بالإضافة إلى توفير العلاج للمرضى منهم وعددهم 147، وشراء الأدوية لـ56 شخصاً.

يشتكي عشرات من المغاربة العالقين في مختلف دول القارات الخمس، تقاعس الحكومة المغربية عن التدخل لإجلائهم وإعادتهم إلى المغرب، أو التواصل معهم بالشكل الملائم والمطلوب، ما فاقم من "معاناتهم وشعورهم بالإحباط والغبن وبتخلي وطنهم عنهم".

ويقدر مصدر في وزارة الخارجية: "نسبة المواطنين المغاربة في حالة صعبة، سواء بسبب المرض أو الظروف المادية القاسية أو الحالات الاستثنائية والمتقدمة في السن، هو ثلثهم، ويتم حالياً تدارس الأمر بشأنهم من أجل تدبير عودتهم التي قد تتم تدريجياً، من خلال إجلاء هذه الفئة في بادئ الأمر قبل أن تتسع الدائرة لأشخاص آخرين".

مغربيات في شوارع الفلبين

في السياق ذاته، تواصلنا مع ابتسام شهاب (22 سنة) وابنة خالتها شيماء عليلو (20 سنة)، وهما مواطنتان مغربيتان سافرتا إلى الفلبين لغرض السياحة منذ نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، وكان موعد عودتهما في 12 آذار/ مارس، غير أن الإمارات وتركيا ألغتا الرحلات.

"حاولنا اقتناء تذاكر أخرى عبر بلدان لم تغلق حدودها، لكن المغرب وقتها أعلن عن إغلاق حدوده ووجدنا أنفسنا في قلب دوامة جديدة"، تقول ابتسام مضيفة: "نحن حالياً متواجدتان في مدينة مانيلا، ونعاني أزمة سكن ومأكل حقيقية، وبإمكانكِ القول شُردنا في الشارع بعد أن عجزنا عن دفع تكاليف الفندق". وأكدت المتحدثة، أنها اتصلت مراراً وتكراراً بالقنصلية المغربية: "أخبرتهم بوضعنا الحالي وبقائنا في الشارع، لكن لم يعاودوا الاتصال ولم يكترثوا لحالنا، فقط بعض المحسنين كانوا يجلبون لنا الماء أو بعض الإعانات أحياناً"، تقول المتحدثة أن عائلتيهما ساعدتهما في بادئ الأمر، لكن الأوضاع المادية في المغرب معروفة.

وتقول ابتسام إن قريبتها مصابة بأمراض مزمنة من قبيل القلب كما تعاني من نزيف حاد، ما دفع بعض المحسنين إلى مساعدتهما على العودة إلى الفندق، "لكن منذ أيام لم ندفع ثمن هذا الفندق، ناهيك عن الأكل، فنحن نصوم طيلة اليوم منذ نفدت نقودنا ودون إفطار، فقط بعض الماء ونعاود الصيام، لا نريد شيئاً عدا العودة إلى بلدنا. أنا أتوسل إلى الحكومة أعيدونا".

شروط تعجيزية تضعها القنصليات

حسب ما أورده المغاربة العالقون في الدول الأوروبية، عبر مجموعات خاصة، فإن قنصليات المغرب في كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وغيرها، وضعت شروطاً كبيرة مقابل الاستفادة من السكن الذي يفترض أن توفره لرعايا المملكة. ومن بين هذه الشروط التعجيزية إثبات أن الشخص لا يتوفر على مال يسد به رمق عيشه، وأنه استنفد المال الذي أتى به عن طريق الإدلاء بورقة الصرف، وأيضاً أنه استنفد المنحة السياحية المخصصة في السنة، و20 ألف درهم التي أضافوها مؤخراً، وكلها بدليل موثق، "آنذاك ممكن أن يدرسوا ملفك لتستفيد أو لا".

طرد من عمل بسبب تقاعس الحكومة

معاناة من نوع خاص حاصرت كوثر داوود منذ أن فارقت زوجها، وابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات اللذين سافرا صوب مدينة "مونبيليه" الفرنسية في زيارة عائلية لأحد أقاربهم الذي سيجري عملية جراحية خطيرة.

تقول كوثر، التي تعمل في مجال التواصل، إنها ومنذ ما يقارب الشهرين اللذين قضتهما في غياب زوجها وابنتها، وأفول أي بصيص أمل في أن تجد الحكومة حلاً لتدبير هذا الملف أسوة بباقي دول العالم، تجد نفسها تعاني الأمرّين في المغرب، حيث هي ملزمة بالحجر الصحي لوحدها ببلدها "الذي تنكّر لأسرتها" بالرغم من المحاولات المتكررة للاتصال بالقنصلية التي باءت بالفشل مرات كثيرة. "أما في بعض الاستثناءات التي يردّون فيها فتكون ردودهم قليلة الأدب، من قبيل ماذا سنفعل لكم؟ أو انتظري أن أخرج طائرة من جيبي لتوصل زوجك إليك". تقول المتحدثة: "تعامل جد متدني معنا كمواطنين مغاربة".

أعلن رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، نهاية شهر أيار/ مايوالماضي، مباشرة جميع التحضيرات لإعادة المغاربة العالقين في الخارج، والذين تجاوز عددهم 20 ألفاً، حسب آخر الإحصائيات، إلا أنه لم يعلن موعداً محدداً وشروطاً واضحة لبدء هذه العملية.

وأشارت المتحدثة إلى أن زوجها وبعد أن وجد نفسه عالقاً في فرنسا، فقد عمله بالمغرب "والحكومة تتحمل مسؤولية هذا، لأنها منعت دخوله المغرب، علماً أننا شباب كفؤ ونحن اخترنا أن نبقى في بلدنا بالرغم من العروض المهمة التي تلقيناها للعمل خارجه، اخترنا أن ننفع وطننا، لكن يبدو أن بلدنا لا يقدر مواطنيه، فهذا التواصل يشعرنا بالحسرة والفزع".

لم تستطع كوثر مغالبة دموعها، وهي تتحدث معنا عن حجم المعاناة التي يتكبدها زوجها في الغربة أسوة بعشرات المغاربة الآخرين الذين اضطروا إلى المكوث في بيوت أقاربهم، "وأنتم تعلمون أنه لا يمكن أن تبقى عالة على عائلتك طويلاً في بيت صغير، علماً أن الكثير منهم أيضاً تضرر مادياً جراء الوباء، ومع طفلة صغيرة. يبدو أنه في القريب سيطرد زوجي وابنتي إلى الشارع وبهذا سيكونان عرضة للإصابة بالمرض وأيضاً مشردين، تماماً كما وقع لعدد من المغاربة أيضاً، فالعائلة لا يمكن أن تصبر طويلاً في ظل هذه الظروف"... "نحن نتصل بالقنصلية يومياً، لكن لا مجيب، هل من الصعب على وزير الخارجية أن يفصح عن البرنامج الذي يشتغل عليه، والتدابير التي يفترض أن تتخذ في هذا الملف؟ هل من الصعب أن تتواصل معنا الحكومة وتطمئننا؟ نحن لسنا مغتربين ولسنا جالية، نحن مغاربة مقيمون في المغرب، وعلى استعداد تام لدفع تكاليف الطائرة، والحجر الصحي وأي شيء، تماماً كما فعلت مصر مع رعاياها وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية".

وشددت كوثر على أن المغاربة العالقين لا يسعون لتعميق معاناة المغرب أو مفاقمة مشاكله الاقتصادية والصحية، بل العكس تماماً، "المغاربة العالقون هم مواطنون مسؤولون، وعلى استعداد لتجاوز حقوقهم تجاه الدولة مقابل أن تعيدهم الحكومة إلى ذويهم، وهذه معادلة بسيطة تتطلب فقط الحكمة والقرار المتبصر وشيئاً من الإنسانية وحب الوطن وتجنب أي انفجار متوقع".

مصير 32 ألف مغربي لا يزال مجهولاً

وضاعف الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل نداءات طلب المساعدة، مع اعتصامات وحملات في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعث البعض برسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس جاء فيها: "اليوم تنفد الموارد المالية وصحتنا العقلية تتدهور"، كما يقول الموقعون، غير أنه ومنذ ذلك الحين اكتفت الحكومة بالتذكير أن القنصليات أنشأت "وحدات دعم" ودفعت تكاليف الإقامة لـ 6500 مغربي عالق على حد تعبيرها.

أعلن رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، نهاية شهر أيار/ مايو الماضي، مباشرة جميع التحضيرات لإعادة المغاربة العالقين في الخارج، والذين تجاوز عددهم 20 ألفاً، حسب آخر الإحصائيات، إلا أنه لم يعلن موعداً محدداً وشروطاً واضحة لبدء هذه العملية، فيما نبه مكتب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في باريس مؤخراً إلى "حالة الضعف الشديد لدى كبار السن الذين يعانون من أمراض خطيرة أو الآباء بصحبة أطفال صغار".

أما وزيرالخارجية المغربي، فكانت آخر خرجة له بخصوص هذا الموضوع في شهر نيسان/ أبريل الماضي قال فيها إن "خطة إعادة التوطين قيد الإعداد"، وبأن "العودة يجب أن تتم في أفضل الظروف، دون مخاطر على البلاد وعلى هؤلاء الناس"، غير أنه وحتى الآن، تم السماح لـ 500 مغربي فقط عالقين في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين بعبور الحدود سيراً على الأقدام بعد أكثر من شهرين من الانتظار، فيما تم إرجاع طائرتين تضمان 300 مغربي كانوا عالقين بالجزائر قبل يومين، ليبقى مصير باقي المغاربة مجهولاً.. حتى اللحظة!

مقالات من المغرب