"تحليل وتحريم" النساء

لم تُثر فتوى تحليل "معاشرة" الرجل زوجته بعد وفاتها ما يلزم من ضجّة واستنكار. زوجته وهو حرٌّ بها "جنسيّاً. لكن بعد انقضاء ستّ ساعات من موتها، عليه الابتعاد، فقد ُحرم عليه مسّها بل وحتى النظر إليها (بحسب الشرع). مرّت الفتوى كغيرها. قليل من الاشمئزاز والخيبة بين صفوف النساء، ثم عادت الأمور إلى نصابها الطبيعي.
منذ أكثر من سنتين، ومن دون سابق إنذار، تحوّل "ميكي ماوس" إلى قضيّة رأي عام. خرج داعية إسلامي سعودي معلناً تحريم هذه الشخصيّة الكرتونيّة، بحجة أن كل فأر هو من "جنود ابليس". تعجّب الناس واستغربوا وتساءلوا... لكنّ مواقفهم لم تغيّر شيئاً من واقع الحال. ميكي "الفأر" الذي يتغندر على الشاشات وُجدت له "تصريفة"، وانتهى. هذه الفتوى على غرابتها، لم تُثر سوى حفيظة القلّة. تُرك الداعية على سجيّته. وفجأة انفلت الدعاة ورجال الدين على "الأنثى" التي تثير على الدوام هواجسهم. محرومات من قيادة السيارة في السعودية، لأنها تنزع عنهنّ الحياء وتدفعهنّ للاختلاط بالرجال! أمّا عيونهنّ فهي مثيرة للفتنة، من هنا وجب تغطيتها وإلاّ.
في المغرب يُبدع الشيخ الزمزمي. كلّ يوم فتوى جديدة أكثر إساءة من سابقاتها. أخيراً، أحلّ للنساء استعمال الأدوات الجنسية في حال "تعذر الزوج"، خوفاً من ارتكابهن المعصية. عالم الإنترنت له قصّته أيضاً. لا يجوز لكِ أختي المسلمة الانخراط في خبايا التكنولوجيا من دون محرم "شرعي يعرف بواطن النساء ومكرهن وضعفهن أمام الجنس...".
ما سبق ذكره هو نتاج سلطة دينية موجودة ومسلّم بها. ما هو أكثر جديّة هو الدفع السياسي نحو تبنّي "التحليل والتحريم". اليوم في مصر يدور نقاش حول موضوع خفض سنّ الزواج "حتى التاسعة". يتخبّط الشارع المصري في تأييده أو معارضته لاحتمال إقرار هذا القانون. تقدّم بالمقترح عضو اللجنة التأسيسية الشيخ محمد الأزهري، معتبراً أن الهوية المصرية الإسلامية تفرض تزويج الفتاة متى بلغت. ثارت الجمعيات المعنية واعتبرت التقدّم باقتراح مماثل أمرا مؤسفا ومعيبا.
ما يجري العمل عليه في مصر اليوم هو توجّه مباشر لانتهاك الفتيات وسلبهنّ حياتهنّ تحت غطاء القانون والدستور. ببساطة يتمّ القفز فوق كل ّ ما تعانيه نساء مصر من أميّة وبطالة وفقر، والتركيز على تشريع زواجهنّ في سن مبكرة. عدوانيّة فاضحة في ظلم النساء والبنات بغطاء دينيّ/سياسيّ. واذا ما حصل التبنّي الدستوري، فلا أحد يضمن حجم الكارثة الواقعة.
إيقاف هرج ومرج الفتاوى والتلطي خلف الدين لن تحقّقه سوى انتفاضة للمرأة في العالم العربي.
هذه المرأة الغارقة بلا مبرر في سجالات الحلال والحرام، لا أحد يكترث لمشاكلها. في مصر تركوا كلّ شيء، وتفرّغوا لقصّ عمر فتاة فقط لأنّ "شرط الزواج تحقّق لديها". يتجلى هنا استخدام الدين للسيطرة على الناس عبر الغرائز، ويسمون ذلك "سياسة". باتت انتفاضة النساء أمراً ملحّاً، أقلّه لأن إعلان "ضرورة الفحص المبكر لسرطان الثدي" في السعودية لا وجود لامرأة واحدة فيه. كلّ من في الإعلان رجال!!