المسلسلات والحرب في طرابلس اللبنانية

أعتقد انه منذ أواخر أيام شهر رمضان، تراجعت مشاهدة المسلسلات التركية والسورية (وغيرها). اهتزت المدينة تحت وابل ضغط الاشاعات في آخر أيام الصيام. كنتُ أينما التقيت صديقاتي المستطلَعات عشوائياً عن المسلسلات التركية، لا نتحدث الا عن الأوضاع الأمنية. الغريب أن الاشاعات لا تكذب؟ لن أختبئ وراء أصبعي فأعترف أن غالبيتهن متطرفات سنّياً، فالعلويون القاطنون في جبل محسن لا يشكلون في مواقفهن تنوعاً في مدينة
2012-08-30

وفاء أفيوني شعراني

كاتبة من لبنان


شارك

أعتقد انه منذ أواخر أيام شهر رمضان، تراجعت مشاهدة المسلسلات التركية والسورية (وغيرها). اهتزت المدينة تحت وابل ضغط الاشاعات في آخر أيام الصيام. كنتُ أينما التقيت صديقاتي المستطلَعات عشوائياً عن المسلسلات التركية، لا نتحدث الا عن الأوضاع الأمنية. الغريب أن الاشاعات لا تكذب؟ لن أختبئ وراء أصبعي فأعترف أن غالبيتهن متطرفات سنّياً، فالعلويون القاطنون في جبل محسن لا يشكلون في مواقفهن تنوعاً في مدينة كانت دائما كوسموبوليتية. تكاد تُصاب بفاجعة وأنت تسأل بينك وبين نفسك ماذا حلّ بهذه المدينة؟ يتحدث الطرابلسيون في مداخلاتهم التلفزيونية بلغة بعيدة عن التجييش المذهبي والطائفي. لكن الواقع، في الشارع، على شبكات التواصل الاجتماعي، في لهجات الكلام الطرابلسي المباشر فإن الأمر يختلف. لستُ بذلك متناسية تاريخ مدينتي المنفتح العريق، ولكنها معضلة حقيقية. إنّ البون شاسع بين قمة الهرم الاجتماعي وقاعدته. من المعروف أن البورجوازية السنية الطرابلسية صاهرت عائلات علوية تجارية تضاهيها ثراء وقوة، فلا تطال المذهبية الا الفقراء في الطائفتين السنية والعلوية. الفقر في طرابلس لا يُقارن مع غيره؛ إنه فقر أسود. ورغم ذلك، فإن طرابلس لا زالت تترك نفسها لتعيش لذة التقاليد حتى الثمالة. صحيح أنها منذ زمن فقدت سحراً ما لا أحد يستطيع تحديده، فقد ضاعت روائح الجمال من أسواقها القديمة وأدراجها وساحاتها. كانت "قاهرة صغيرة" تعج بالحياة، أما اليوم فيأكلها الفقر.
في آخر أيام رمضان، ذهبتُ لزيارة قبر أمي. جبانة طرابلس تشكل جزءاً من نسيج تراثي كان تحفة معمارية تحولت الى مرتع مهمل تملأه القمامة. أبواب الجبانة تنفتح على الزواريب القديمة والاقبية والحمامات، وكانت المدينة فعلاً كلها هناك. الجميع يحضر الماء من السبيل الواقع عند المدخل لغسل القبور. تغادرك كآبة الزيارة لمجرد أن تشعر أن مظاهر الحياة تعج بدورها قريباً من محال بيع الحلوى ومعمول العيد ومتاجر الملابس وأضواء واجهات الذهب.
لست هنا بصدد كتابة مادة تتعلق بتاريخ طرابلس وثروتها الأثرية. لقد تركتُ لنفسي فسحةَ تواصل عفوي وحميمي مع المدن العربية الاسلامية عبر "السفير العربي". ان مدينة طرابلس اللبنانية تنتظر كارثة أمنية، الفقر أهم أسبابها.
أتساءل:هل أمارس أنا أيضا هروباً مما يحيط بي الى المسلسلات؟ أم أن مجتمعاً مدنيا أفتقد حضوره جعلني أنكفئ؟ يساورني جواب يخفف عني معاناة الهروب والانكفاء بأن ادعاء القدرة على تحويل مأساة المدينة بتقديم الحلول لم تعد تغريني، أستبدلها بالنظر في منابع تكوين ثقافة صديقاتي وأهلي والمجتمع.
دائماً، وفي نهاية حديث الجلسات بين صديقاتي غير العاملات، تنبري واحدة منهن لتقول بأننا تعبنا من الأخبار وصور الفظائع وليس لنا الا المسلسلات لننسى!! قناة lbci أمّنت لهنّ السلوى، وقد دأبت على ترويج نفسها قناة للدراما بلسان الممثلة اللبنانية ورد الخال. تطلب القناة من المشاهدين أن "يعيشوها". بدأت بعرض مسلسلات تركية جديدة ويبدو لي أن الأتراك عادوا بقوة. لفتني في مسلسل "عشق وجزاء" أن حوادثه تدور بين اسطنبول ومدينة فان التركية، حيث كما هو معلوم، تعيش أغلبية كردية. عندما تدور كاميرا المسلسل ملتقطة تفاصيل حفلة زفاف في مدينة فان، تُبرز بعضاً من تقاليد الاكراد فقط. لا تتوسع، بمعنى آخر لا تفتح الكاميرا عدستها، وهي تنحصر داخل تعددية الألوان والأزياء ليس إلاّ. تتحول بذلك الكاميرا التركية الى آلة محدودة لا تتجاوز مقتضيات النص. وكانت مقالات انتقادية عديدة تعتبر أنها (أي الكاميرا) وسيلة لترويج السياحة. لم أفرّقها حتى الآن في هذا المسلسل عن منافستها العربية، إذا كان لهما - العربية والتركية - نفس شروط المنافسة.
يتناول المسلسل قضية الثأر بين عشيرتين يلجأ زعيماها الى المصاهرة بينهما كحلٍّ لا نعلم مدى  نجاحه. في طرابلس اللبنانية، وفي دراسة لمركز الدراسات الانمائية أُجريتْ عامي 2008 و2009، بإشراف دكتور يوسف كفروني، ظهر أن بين 30 و34 في المئة من العلويين زوجاتهم سنّيات، وأن 27 في المئة من العلويات تزوّجن من سنّيين. رغم ذلك، لم تؤدِّ المصاهرة مبتغاها، فهل ستختلف الحال في مدينة فان التركية؟
أنتظر في الآتي من الحلقات كاميرا تستشعر جمال مدينة فان وبحيرتها المالحة العظيمة، وأنتظر أن تكون قناةlbci  قد حدست انتقاء مسلسل يقوم على معالجة حقيقية لقضية كبيرة. سأقوم باستطلاع صديقاتي لأقف على رأيهن بمسلسلات القضايا ولأرى اذا كنّ سيتنبّهن  الى أمر غير ذلك سيدور في اسطنبول من قصة حب، طبعا في المسلسل ذاته، وطبعا اذا سمحت لي ظروف الأمن والمعارك بلقائهن.


وسوم: العدد 51

للكاتب نفسه

أما لهذا من نهاية؟

               لطيفة: إنها قصة حزينة فعلا. تذكرت ُلطيفة وسلسلة من الأسماء، في فيلم ديانا مقلد "لطيفة والأخريات". كتبت عنه صديقتي الباحثة عزة شرارة بيضون، بلغة فريدة وتحليل إبداعي يُدخل القارئ...

المسلسلات والانفصام... طرابلس اللبنانية نموذجاً

 اعتقدتُ لوهلة أن مسلسل عمر سيجذب السيدات المستطلَعات، واعتقدتُ أن باقي المسلسلات ستحتاج الى وقفة مختلفة بعده. يعرّض المسلسل التاريخي الهوية والانتماء إلى امتحان قسري أمام طغيان الشاشة، صفاء الصورة...

المسلسلات والنساء

لا أشكّ في أن مهنّد وجد له قلوباً ضمته بين الأضلاع، لكن في محاولات استطلاع رأي سريع كنت أجريها بين قريباتي في مدينة طرابلس اللبنانية عن سبب إعجابهن به، تفاوتت...