عمّان... شرق الفقراء غرب الأغنياء

انقسمت عمّان إلى مدينتين، وكان عنوان الانقسام طبقياً. فنشأت عاصمة الفقراء في شرقها القديم الذي يمثل مهد ولادة المدينة الحديثة عام 1909، تاريخ إنشاء أول مجلس بلدي. وفي غربها الحديث، الذي تعود نشأتهُ إلى ثمانينيات القرن الماضي قامت عاصمة الأغنياء.
2014-02-17

محمد الفضيلات

صحافي من الاردن


شارك
من مدونة "jordan in pictures"

انقسمت المدينة إلى مدينتين. حدث في العاصمة عمّان التي لا يتجاوز عمرُها الحديث عدد أصابع اليد الواحدة بعد المئة، وكان عنوان الانقسام طبقياً. فنشأت عاصمة الفقراء في شرقها القديم الذي يمثل مهد ولادة المدينة الحديثة عام 1909، تاريخ إنشاء أول مجلس بلدي. وفي غربها الحديث، الذي تعود نشأتهُ إلى ثمانينيات القرن الماضي قامت عاصمة الأغنياء.بين العاصمتين لا جدار اسمنتيا يُرسمُ الحدود، وبين العاصمتين مئات الجدران التي تذكي الانقسام. هنا ينتصب جدار التفاوت الطبقي الصارخ، وأخر يتمثل بالانحياز الرسمي الواضح، وجدارٌ لعدم القدرة على التعايش، حيث يشعر أبناء الغرب بأنهم غرباء في الشرق، ويشعر أبناء الشرق بأنهم منبوذون في الغرب.

جذور الانقسام

عمّان التي يقدر عدد سكانها اليوم، حسب أحدث أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، بنحو مليونين وأربعمئة ألف نسمة، من أصل ستة ملايين ونصف المليون نسمة هم عدد سكان الأردن، كان عدد سكانها يوم نشأتها الحديثة عام 1909 لا يزيد على ألفي نسمة غالبيتهم من الشركس.في ذلك الزمن، كانت المدينة تعرف سكانها جيداً، وكانوا يعرفون بعضهم حق المعرفة وهم المقيمون في قلبها على ضفاف نهرها الذي أندثر، وفي محيط سوقها الوحيد الذي يطوق مسجدها الحسيني القديم. تلك المدينة لم تعد.كبرت عمّان التي اختيرت عاصمة بعد تأسيس الدولة التي بدأت إمارة في العام 1921، وتحولت إلى مملكة بعد الاستقلال في العام 1946. كبرت استجابة للزيادة الطبيعية غير المؤثرة، والزيادة غير الطبيعية المؤثرة نتيجة الهجرات المتوالية خاصة هجرة الفلسطينيين أثر نكبة عام 1948 والتي حولت عمّان الى مدينة مزدحمة بلغ عدد سكانها يومها خمسين ألف نسمة، وهي التي كان عدد سكانها قبل ذلك بعام يبلغ ثلاثة وثلاثين ألف نسمة. وبلغ عدد سكانها بعد النكبة بثلاثة أعوام مئتين وخمسين ألف نسمة، وزاد في العدد أن نَزَحَ الأردنّيون من الأرياف والبوادي إليها، وزادها عدداً تدفق الفلسطينيين في أعقاب هزيمة حزيران عام 1967، ليلامس عدد سكانها يومها النصف مليون نسمة.قلب عمّان لم يحتمل التدفق البشري الهائل، وكلما ضاقت المدينة بساكنيها توسعت جغرافياً. وهي عرفت الطبقية وظهرت الأقلية الثرية التي اختارت الابتعاد عن الأغلبية الفقيرة، وكلما اقترب الفقراء ببيوتهم العشوائية، ابتعد الأغنياء غرباً وأصبحت مساحات عمان الموحشة مأهولة.بنيت الأحياء الحديثة ببيوتها الفارهة وتنظيمها المُحكَم، وأصبح الانتقال إليها حلم العمّانيين، وكلما اكتظ حي حديثة ظهرت أحياء أكثر حداثة ورفاهية، وكلما توسعت العاصمة سقطت أحيائها القديمة بالتهميش وانجاز إليها الفقراء الذين يعجزون عن الانتقال.

انقسام بقرار رسمي

يقول الأردنيون "الجديد يدرج والقديم يعرج"، وحدث أن درج غرب عمّان وعرج شرقها، ويتجلى المثل على أرض الواقع بان نهش شرق عمّان التهميش، مارسه القائمون على العاصمة الذين رصدوا جُلَ موازنتها لتحديث الغرب، ومنحوا الفتات للشرق. يتلمس المتجول في عمّان حالة الانقسام، إذ يغيب التخطيط عن شرق المدينة بعد أن أضحى المخطط الذي وضع في زمن ماضي عاجزاً عن مواكبة الزيادة السكانية المضطردة. فبيوت الشرق متراصة وغالبيتها ذات واجهات إسمنتية، وطرقها ضيقة وأرصفتها متهالكة، وتندر فيها الحدائق والمتنزهات العامة، وتغيب عنها النظافة الدائمة. أما الغرب فبيوته فارهة يكسوها الحجر من الخارج وتفصل بينها مساحات تهوية، وطرقها واسعة وأرصفتها محل عناية دائمة وتكثر فيها الحدائق والمتنزهات العامة وتعتبر النظافة عنواناً لها.نظرياً يجب أن يحصل شقا المدينة على خدمات متساوية من قبل أمانة عمّان، المسؤولة عن تقديم الخدمة والتي تتلقى نظيراً لها ضرائب يدفعها العَمّانيون دون تمييز بين شرق وغرب، وعملياً تنفق الأمانة حصة أكبر من الموازنة المتحصلة من الضرائب على غرب الأغنياء الذي يمثل معقلاً لبيوت المسؤولين والنخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، موازنة تذهب لشق الطرق وتحديثها وبناء الأنفاق والجسور، وإنشاء المتنزهات، وتُقتِر في الإنفاق على شرق الفقراء الذي تتركز غالبية المشاريع فيه على ترقيع القائم.

يقظة متأخرة

أفاق المسؤولون عن العاصمة على شرق متهالك، فأطلق مشروع لتحديث المدينة في العام 2007، وجاء مشروعاً شمولياَ للعاصمة كلها حمل شعار "المدينة القابلة للحياة هي المدينة المنظمة.. ولها روح"، غير أن هذا المشروع لم يشمل من شرق المدينة سوى وسطها القديم – مهد ولادة المدينة - حيث أطلقت الأمانة مشروع "إحياء وسط البلد"، اسم يفهم منه ضمناً أن المكان قد مات، وتلخص هدفه (الذي عُطِّل العمل فيه مراراً بسبب شبهات الفساد) بمعالجة التشوهات التي حدثت في المكان نتيجة للاعتداء والسطو المستمر على الأرصفة وعدم تطبيق قوانين البيئة والنظافة العامة. وهو يتضمن خطة طموحة لصيانة الأسواق القديمة والأماكن الأثرية وتحديث البنية التحتية وإنشاء أرصفة بازلتية وإنارة تراثية، أنجز جزء منها.إن تحديثُ وسط البلد لا يعني تحديث عمّان الشرقية، بل تحديثٌ لعاصمة الشرق فقط، والتي تشكل أقل من 10 في المئة من مساحة الشرق العَمّاني، وهو تحديث لن يستطيع ردم الفجوة الحضارية الأخذة بالاتساع بين الشرق والغرب والتي ينكرها القائمون على المدينة ويؤكدها جميع قاطنيها بشرقها وغربها.

مقالات من الأردن

ما تبقّى من «الكرامة»

2018-04-26

في هذا المقال استعادة لمعركة «الكرامة»، ومحاولةٍ التورّط في البنيان السياسيّ الذي أنتجته بالنسبة لفلسطين والأردن، وموقعها من الوعي الصهيوني العام، فضلًا عن تتبّع ظلّها الرسمي وما تبقّى منها اليوم..

للكاتب نفسه

استخدامات متعددة للمساجد في الأردن

يوجد في الأردن 5954 مسجداً ، منها 216 مسجداً تحت الإنشاء. الأرقام كشفت عنها وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية في إحصائيات خاصة بنهاية عام 2013.ويحتل المسجد لدى الأردنيين، الذين...