دول مجلس التعاون الخليجي ولعبة إلغاء "نظام الكفالة"

في منتصف أيار/ مايو 2014 دعت وزارتا الداخلية والعمل في قطر إلى مؤتمر صحافي حاشد لإعلان نية الحكومة اقتراح إدخال تعديلات على القوانين المتعلقة بشروط عمل المهاجرين، من أبرزها «إلغاء نظام الكفالة واستبداله بعقد عمل، وإلغاء حق صاحب العمل/ الكفيل في حجز جواز سفر العامل، والتخفيف من اشتراط موافقة الكفيل على سفر العامل» (الوطن 15/5/2014). وعلى الرغم من تأكيد المتحدثين باسم الحكومة
2014-06-11

عبد الهادي خلف

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة لوند ـ السويد، من البحرين


شارك
(من الانترنت)

في منتصف أيار/ مايو 2014 دعت وزارتا الداخلية والعمل في قطر إلى مؤتمر صحافي حاشد لإعلان نية الحكومة اقتراح إدخال تعديلات على القوانين المتعلقة بشروط عمل المهاجرين، من أبرزها «إلغاء نظام الكفالة واستبداله بعقد عمل، وإلغاء حق صاحب العمل/ الكفيل في حجز جواز سفر العامل، والتخفيف من اشتراط موافقة الكفيل على سفر العامل» (الوطن 15/5/2014). وعلى الرغم من تأكيد المتحدثين باسم الحكومة القطرية أن تلك التعديلات المقترحة «لم تأتِ نتيجة لضغوط خارجية بل عن اقتناع تام بوجوب تطوير تشريعات الدولة وجميع أنظمتها في إطار استراتيجيتها الوطنية»، إلا أنه من الصعب تجاهل ارتباط مشروع تعديل القوانين السارية باشتداد الضغوط التي تطالب قطر بأنسنة سوق العمل فيها. وهي ضغوط ساهم فيها عدد من المنظمات الدولية غير الحكومية وكذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بسبب ما يتعرض له من انتقادات لتنظيمه مباريات كأس العالم 2020 في تلك البلاد.
انعقد ذلك المؤتمر الصحافي بعد شهر كامل من إعلان مؤسسة «دي إل إيه بايبر» للاستشارات القانونية عن تقديم تقريرها الذي وضعته بتكليف من الحكومة القطرية لدراسة الأطر القانونية والإدارية لأوضاع العمالة المهاجرة وخاصة العاملة في قطاع الإنشاءات. وتضمن تقرير المؤسسة خمساً وسبعين ملاحظة وتوصية شملت مختلف جوانب سوق العمل القطرية. لكن الحكومة تجاهلت أغلب الملاحظات والتوصيات ولم تعلن عن التزامها بإطار زمني لتنفيذ تعهداتها في حال وافق عليه مجلس الشورى وغرفة التجارة والصناعة القطرية.

حفلة علاقات عامة

قطر هي آخر دولة خليجية تعلن عن «نية إلغاء نظام الكفيل»، ولن تكون الوحيدة بين شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي التي لا تنوي أن تضع ذلك الإعلان موضع التنفيذ. فطيلة السنوات الست الماضية، لم تنقطع التصريحات الرسمية عن توجه دول الخليج إلى إلغاء نظام الكفيل واستبداله بقوانين عمل حديثة تضمن حقوق العمال المهاجرين. بل وتتالت الإعلانات عن البدء في خطوات عملية لتنفيذ تلك التعهدات، إلا أن تلك التصريحات والإعلانات لم تكن، بحسب موقع «حقوق العمالة الأجنبية» سوى «إجراءات تمويهية بهدف إطالة وعرقلة الجهود الديبلوماسية للدول المصدّرة المتطلعة لتحقيق إصلاحات حقيقية».
ففي أيار/ مايو 2009، أعلنت البحرين إلغاء نظام الكفيل للعمالة الوافدة اعتباراً من آب/ أغسطس، مما سيسمح للعامل الأجنبي بالتنقل في سوق العمل من دون أخذ موافقة الكفيل. رافقت الإعلان ضجة إعلامية بشّرت، بحسب وزير العمل آنذاك، بوضع البحرين «ضمن الدول المتقدمة دولياً في التعاطي مع عمالتها الأجنبية»، بالإضافة الى سلسلة من التطورات الإيجابية بما فيها «إحداث تطوير شامل لبيئة العمل بالبحرين ورفع الرواتب والأجور بشكل عام في سوق العمل». كما بُشر بـ«القضاء على ظاهرة العمالة السائبة ومعالجتها جذرياً» (الشرق الأوسط 5/5/2009). حظي الإعلان البحريني حينها باهتمام إعلامي وحقوقي واسع باعتباره خطوة تمهيدية ستدفع بدول مجلس التعاون للالتزام بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين. لكن سرعان ما تبين أنه كان جزءاً من حملة علاقات عامة لتسويق صورة ملك البحرين كملك إصلاحي. وضاعت تعهدات وزير العمل بين بيانات جهات أخرى كغرفة تجارة وصناعة البحرين التي اعتبرت أن ما تردد حول «إلغاء كفالة العمال الأجانب بشكل كامل، مجرد التباس تداولته وسائل الإعلام المحلية والخارجية»، فليس في نية أحد «إلغــاء كفالة المؤسسات والمنشآت الوطنية للعمالة الأجنبية» (سي أن أن العربية، 3/7/2009).
بعد الضجة الإعلامية البحرينية بأشهر قليلة، أعلن وزير الشئون الاجتماعية والعمل الكويتي أن بلاده بدأت فعلياً أولى خطوات إلغاء نظام الكفيل حين أصدر «قراراً بإلغاء موافقة الكفيل على تحويل إقامة العامل إلى كفيل آخر دون إذن الكفيل الأول، وهو الشرط الذي وضع قيداً حديدياً حول العمال ومنعهم من العمل بحرية في الكويت». رحب كثيرون بذلك التغيير رغم اشتراطه «ضرورة قضاء العامل فترة لا تقل عن ثلاث سنوات لدى الكفيل الذي يعمل لديه» (الاقتصادية 10/8/2009). كرر المسؤولون الكويتيون الإعلان في السنوات التالية من دون أية إجراءات تنفيذية. وما زال «إلغاء نظام الكفيل احتراماً لحقوق الإنسان... قيد الدرس» (الجريدة 30/1/2014).

دول الخليج.. إستراتيجية موحدة

وقبل نهاية العام 2010، أعلن وزير العمل في الإمارات عن بدء إلغاء «نظام نقل الكفالة» الذي كان يحظر على العامل في القطاع الخاص الانتقال من شركة إلى أخرى من دون الحصول على موافقة صاحب العمل الأصلي. اعتبر البعض ذلك القرار «مقدمة لإلغاء نظام الكفيل بشكل كامل في دولة الإمارات» (الشرق الأوسط 20/12/2010)، إلا أن «نظام الكفيل» ما زال راسخاً كما هو ولم يهزّه تكرار البيانات التي تعلن قرب إلغائه.
في السعودية لم يكن الوضع مختلفاً. ففي منتصف أيار/ مايو 2012، أعلنت وزارة العمل عن قيامها بخطوات تنفيذية نحو الاستغناء عن «نظام الكفيل» كجزء من تغييرات ستطال القوانين واللوائح المتعلقة بسوق العمل وعلاقة أصحاب العمل بالعمال الوافدين، على أن تُعرض تلك التغييرات على مجلس الوزراء للموافقة النهائية قبل نهاية العام 2012 (الاقتصادية 14/5/2012). وأعلنت الوزارة عن «إلغاء كل القيود التي كان يمارسها صاحب العمل على العامل الوافد بدءاً من حرية التنقل، والاحتفاظ بجواز سفره، وانتهاء بمنعه من نقل خدماته من جهة أو شخص إلى آخر، «ما يعني أنه لا يوجد اليوم أي التزامات باستثناء أن هناك صاحب عمل وعامل». بعد سبعة أشهر، أصدرت وزارة العمل السعودية بياناً ينفي «ما يدور في أوساط الأعمال حول فكرة إلغاء الكفيل، معتبرة أن إلغاء كفالة العمالة الوافدة سيتسبب في خلق الفوضى في سوق العمل» (الوطن 21/1/2013).

نظام الكفالة أداة من أدوات الحكم

يشكل نظام «الكفيل» المعمول به في دول الخليج العربية أحد أسوأ أنظمة إدارة سوق العمل، إلا أنه يوفر للحكومات أداة موثوقة وغير مكلفة سياسياً أو إدارياً للتحكم في غالبية سكان المنطقة (وهم العمال الوافدون!). فنظام الكفالة يجعل من كل كفيل/صاحب عمل خفيراً ينوب عن السلطة السياسة في مراقبة من يكفلهم. مقابل ذلك يتيح نظام الكفالة للكفيل التحكم في حياة من يكفلهم فيقرر أجورهم وأماكن عملهم وساعات العمل ومحلات السكن. ويستطيع أيضاً إبعاد أيٍ منهم عن البلاد من دون إبداء الأسباب. هو شكل من أشكال العبودية التي تحميها الدولة ولا يكلف الكفيل جهداً أو مالاً. فالكفيل يستطيع منع المكفول من السفر عن طريق حجز جواز سفره كما يستطيع إنهاء عقد العمل ومنع العامل من البحث عن عمل آخر. ولهذا يتمكن الكفيل من إجبار العامل الوافد على القبول بأي عمل وبأي أجر. ولهذا أيضاً يُضطر الكثيرون من العمال الأجانب إلى الهروب من كافليهم بهدف تحاشي الإبعاد. عندها ينضمون إلى «جيشِ» يُعرف بـ«العمالة السائبة» التي لا كفيل لها والتي كثيراً ما تكون ضحية سهلة لعصابات المتاجرة بالبشر سواء في سوق الدعارة أو العمالة الرخيصة.
القاسم المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي في ما يتعلق بسوق العمل هو مراوحتها بين الرغبة في إدامة دور نظام الكفالة كأداة من أدوات الحكم وبين محاولة إرضاء الحلفاء الخارجيين الذين يواجهون بدورهم ضغطاً من منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق العمال المهاجرين. ولهذا تعلن الدول الخليجية، الواحدة تلو الأخرى أنها «تنوي» إلغاء نظام الكفيل ثم تتجاهل إعلانها بعد انتهاء مفعوله الإعلامي... لتُعاود الكرّة مرة أخرى حين تتصاعد الضغوط الخارجية.
            
 

للكاتب نفسه

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...