أنسنة أوضاع المهاجرين في الخليج؟

لم يكن متوقعاً أن تفوز قطر باستضافة مونديال 2022. فلقد كانت تواجه أربعة بلدان كروية ذات خبرة مشهودة في تنظيم المنافسات الرياضية العالمية هي كوريا الجنوبية واليابان واستراليا والولايات المتحدة الأميركية. ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقف الانتقادات للقرار والتشكيك في أهلية قطر. ويمكن تجميع تلك الانتقادات في ثلاث سلات: 1- أشارت إلى ضعف البنى التحتية الرياضية في قطر وقلة خبرتها في تنظيم فعالية بهذا الحجم،
2014-04-09

عبد الهادي خلف

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة لوند ـ السويد، من البحرين


شارك
من الانترنت

لم يكن متوقعاً أن تفوز قطر باستضافة مونديال 2022. فلقد كانت تواجه أربعة بلدان كروية ذات خبرة مشهودة في تنظيم المنافسات الرياضية العالمية هي كوريا الجنوبية واليابان واستراليا والولايات المتحدة الأميركية. ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقف الانتقادات للقرار والتشكيك في أهلية قطر. ويمكن تجميع تلك الانتقادات في ثلاث سلات: 1- أشارت إلى ضعف البنى التحتية الرياضية في قطر وقلة خبرتها في تنظيم فعالية بهذا الحجم، علاوة على الإشارة إلى طقس الخليج غير الملائم.2- ادعاءات فساد طالت مسؤولين في اتحاد كرة القدم العالمي (الفيفا)، سهّلوا حصول قطر على حق تنظيم المونديال. 

ولم ينقطع حتى اليوم ما يُنشر عن «فضائح مزعومة» تتحدث عن أشخاص بعينهم وعن أرقام مالية محددة. 3- انتقادات مستندة إلى قراءة سجل قطر في انتهاك حقوق الإنسان، خاصة حقوق المهاجرين الذين يشكلون أكثر من 80 في المئة من سكان الإمارة.ولا تختلف معاناة المهاجرين في قطر عنها في بقية بلدان المجلس. تتشابه الأطر القانونية والمؤسساتية التي يعتمد عليها سوق العمل في هذه البلدان، حيث هناك المواطنون الذين يتمتعون بحقوق اقتصادية واجتماعية ومزايا تتفاوت طبيعتها حسب قربهم أو بعدهم عن ولاة الأمر... والوافدون الذين تتيح الأطر المؤسساتية والقانونية وأعراف السوق استغلالهم وانتهاك حقوقهم بل وحتى حرمانهم منها.شهدنا خلال السنوات الأربع الماضية ازدياد الاهتمام الحقوقي والأكاديمي بما يحدث في مواقع العمل وفي معسكرات إقامة العمال المهاجرين. 

اتجه هذا الاهتمام إلى التصاعد كما تبين في التغطية الإعلامية للجلسة التي عقدتها لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي في شباط /فبراير الماضي، لمناقشة تعهدات قطر بإيقاف انتهاكات حقوق العمال المهاجرين. فلقد شارك في تلك المناقشات ممثلون عن منظمات كثيرة معنية من بينها «الفيفا»، ومنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة العمل الدولية، والكونفيدالية الدولية للنقابات.في البداية، تراوحت التصريحات القطرية الرسمية والإعلامية بين الاستخفاف والغضب، إلا أن الموقف الرسمي استعاد سريعاً توازنه وصار يتسم بهدوء ملحوظ ومتقبل لبعض تلك الانتقادات. وحتى حين تشير إلى مبالغة وتهويل في بعض التقارير حول أهلية قطر لتنظيم عرس الكرة الدولي، فإنها تبدي تفهمها لها. أما الإعلام القطري، الرسمي وغير الرسمي، فبقي متوثباً للدفاع. والفرق بين الموقفين هو الفرق بين جمهوريهما. فإعلام قطر يخاطب حساسيات جمهور محلي بهدف تعبئته والمحافظة على تماسكه وثقته بولاة الأمر، بينما يتوجه الخطاب الرسمي أساساً لرأي عام عالمي.

استطاعت قطر بسهولة أن تتجاوز الانتقادات حول ضعف البنية التحتية وتلك المتعلقة بطقس الإمارة. فأعلنت عن البدء في المشروعات اللازمة بما في ذلك بناء مطار جديد ووسائل نقل جماعية حديثة، وبناء تسعة ملاعب مجهزة بوسائل تكييف مركزية لحماية اللاعبين والمتفرجين من حرارة شمس الخليج ورطوبته. وباعتبار موارد قطر المالية، فلن تعاني ميزانيتها بسبب ارتفاع كلفة هذه المشاريع المرتبطة مباشرة بتنظيم مباريات كأس العالم. فقد بلغت قيمة العقود الموقعة حتى نهاية 2013 حوالي 33 مليار دولار أميركي. وما زال أمام قطر مصاريف أخرى خلال الثماني سنوات المقبلة. بينما يتجاوز ما صرفته قطر حتى الآن أضعاف ما صُرف على تنظيم المونديال في جنوب أفريقيا في 2010 (3.5 مليار دولار أميركي)، أو ما هو متوقع أن يُصرف على المونديال في البرازيل هذا الصيف (بين 10 و15 مليار دولار أميركي). من جهة أخرى، تجاوزت قطر حتى الآن مخاطر اتهام أيٍ من مسؤوليها مباشرة في قضايا الرشوة التي أثيرت ضد أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا.

ما لم تستطع قطر تجاوزه بكل ما لديها من موارد مالية ومكاتب علاقات عامة هو مسؤوليتها عن الأوضاع المزرية التي يعاني منها مليون ونصف المليون من المهاجرين الفقراء في الإمارة. بل وفر حصول قطر على حق تنظيم المونديال فرصة ذهبية للمدافعين عن حقوق الإنسان عامة، وحقوق المهاجرين خصوصاً، لتسليط الأضواء على جانب مظلم من صورة زاهية تقدمها قطر وغيرها من مشيخات النفط إلى العالم.أسهم الاهتمام المتزايد بمعاناة المهاجرين في قطر وبقية بلدان الخليج في صدور عشرات الكتب والتقارير. كذلك ازداد الاهتمام الإعلامي بمتابعة أوضاع المهاجرين في منطقة الخليج وفي قطر خصوصاً. ولهذا يجد المسؤولون في بلدان الخليج أنهم لا يكسبون تعاطفاً بمجرد ترديدهم لعبارات علًبتها مكاتب العلاقات العامة من قبيل أننا «نواجه تحديات كثيرة على أرض الواقع ولكننا نسعى لاتخاذ الإجراءات الملائمة لمعالجتها».في منتصف آذار/ مارس الماضي أصدرت الكونفيدرالية الدولية للنقابات تقريراً دامغاً يؤكد بالأدلة عدم التزام قطر بالمعايير الدولية لحقوق العمال المهاجرين. يعتمد تقرير «قضية ضد قطر» على زيارات ميدانية قام بها باحثون وشاركت فيها الأمينة العامة للكونفيدرالية. 

لا تنحصر أهمية ذلك التقرير في ما أضافه من أدلة وشهادات وتفاصيل جديدة وكثيرة تدعم ما أوردته دراسات أكاديمية وتقارير أخرى أصدرتها هيئات دولية. بل هو طرح سلسلة متكاملة من التوصيات التي يتوجب على السلطات القطرية القيام بها. 

ومن أبرز تلك التوصيات: 1) إلغاء نظام الكفالة، 2) إصدار قوانين تتيح حرية التنظيم والمساومة الجماعية لجميع العاملين في قطر، 3) إعادة النظر في الأنظمة المتعلقة بجلب العمال وتطهير السوق من مكاتب توريد العمال المشبوهة، 4) وضع حد أدنى للأجور ووقف التمييز العنصري الشائع في أجور العاملين، 5) سن القوانين اللازمة لتنظيم جهاز فعال لتلقي الشكاوى العمالية ومتابعتها. وهذه توصيات، في حال تحققت، ستضمن لقطر صيتاً يفوق ما تتخيل حصولها عليه من تنظيم المونديال، وسيغيّر نحو الأفضل أوضاع ما يقرب من 30 مليون عامل مهاجر في بلدان الخليج!تلقفت أجهزة الإعلام تقرير الكونفيدرالية الدولية للنقابات، خاصة ما ورد فيه عن إصابات العمل وعن أعداد الوفيات بسبب سوء ظروف العمل وحرارة الشمس وقلة أدوات السلامة. في هذا السياق أشار كاتبو التقرير إلى أن أعمال البناء الخاصة بالمونديال في جنوب أفريقيا في 2010 أودت بحياة عامليْن. بينما تسبب مونديال البرازيل حتى الآن بوفاة سبعة عمال في مواقع عملهم. أما في مونديال قطر فيتوقع التقرير أن تصل الوفيات إلى أربعة آلاف.جاء الرد القطري نمطياً يشكك في نيات معدي التقرير والجهة التي تقف خلفه أو يماحك في تفاصيل صغيرة وردت في شهادات شخصية. فعلى سبيل المثال، كان العنوان الرئيس في الصفحة الأولى من جريدة الراية القطرية (23 آذار/مارس 2014) هو «العمالة الهندية في قطر لا تواجه أية مشاكل»، وهي جملة جاءت في تصريح لرئيس الجالية الهندية في قطر أكد فيه «أنه لم تسجل حالة وفاة لعمال في أماكن العمل» وأن «أفراد الجالية يتمتعون بكل حقوقهم (...) كما تتم معاملتهم بكل احترام».ليس متوقعا سحب ملف المونديال من قطر، إلا أن ذلك يبقى ممكناً مع تصاعد الاهتمام الإعلامي وضغوط الرأي العام، خاصة في أوروبا التي تشكل ثقلاً أساسياً في المكتب التنفيذي للفيفا... ولاسيما بعد الخلاف المحتدم بين قطر ومصر والإمارات والسعودية والبحرين، التي قد تنجح في تجنيد الاتحادين العربي والآسيوي لكرة القدم في جهودها لعزل قطر وحرمانها من مونديالها، خاصة أن كلاً من الاتحاديْن برئاسة أحد أفراد العائلة الحاكمة في السعودية والبحرين.

مقالات من قطر

دروس الأزمة الخليجية

"العصر الخليجي" يبدو عصر تفكك ونزاع بين دول الخليج نفسها، عوضاً عن قيادة السعودية لمنطقة الخليج وريادتها للعالمين العربي والاسلامي. لا الحرب على اليمن ولا الأزمة مع قطر دفعتا الى...

للكاتب نفسه

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...