الكويت: مقاطعة برتقالية تنزع شرعية مجلس "الصوت الواحد"

يبدو حال المشهد السياسي الكويتي للبعض غريب، لماذا؟ لسبب «الانقسام بين حكومة تطالب الشعب بالمشاركة في الانتخابات ومعارضة ترفض المشاركة» على ما يقول الأكاديمي والوزير السابق سعد بن طفلة العجمي. وللوهلة الأولى، تبدو المسألة فعلاً غريبة، فشعوب الخليج والمنطقة العربية تسعى منذ عقود للحصول على حقوق سياسية سبق وحصل عليها الكويتيين منذ إقرار دستورهم عام 1962 وبدء الحياة التشريعية. بيد أن
2012-12-05

منى عباس فضل

باحثة من البحرين


شارك
من الاحتجاجات ضد تعديل قانون الانتخابات (أ ف ب)

يبدو حال المشهد السياسي الكويتي للبعض غريب، لماذا؟ لسبب «الانقسام بين حكومة تطالب الشعب بالمشاركة في الانتخابات ومعارضة ترفض المشاركة» على ما يقول الأكاديمي والوزير السابق سعد بن طفلة العجمي. وللوهلة الأولى، تبدو المسألة فعلاً غريبة، فشعوب الخليج والمنطقة العربية تسعى منذ عقود للحصول على حقوق سياسية سبق وحصل عليها الكويتيين منذ إقرار دستورهم عام 1962 وبدء الحياة التشريعية. بيد أن الأمر في جوهره أبعد من ذلك بكثير. كيف؟ ليس من المعقول مرور الربيع العربي بارتداداته على الكويتيين من دون تسارع نبض حراكهم السياسي لتطوير تجربتهم الديموقراطية والتشريعية تلبيةً لقناعات وحاجات جوهرية عندهم، ليس أقلها الكرامة والحرية.
الكويتيون جبلوا على ممارسة حقوقهم السياسية استناداً إلى دستور «عقدي»، بمعنى أنه ليس «منحة» ولا «منة» من الحاكم. دستور منح المواطن حقوقا أصيلة، حتى وإن شابت تجربته تعديات هنا وانتهاكات هناك في فترات زمنية متباينة، في ظل أوضاع سياسية، إقليمية ومحلية، مضطربة، أبرزها تزوير الانتخابات وحل البرلمان وتعطليه خلال الأعوام 1967-1986، ومحاولة استبدال مجلس الأمة بـ«بمجلس وطني» في 1990، ناهيك عن استمرار محاولات الحكم للانقضاض على مواد الدستور.
ثم إن الكويت توافرت خلاف جيرانها على حريات نسبية في التعبير عن الرأي وحرية صحافة وإعلام، واعتماد آليات انتخابية وبرلمانية رقابية لها مصداقية كالاستجواب، لا سيما قبل انتشار الفساد واستفحاله وشيوع المال السياسي، مقارنة بما كان ولا يزال عليه الحال في بعض التجارب العربية. إن لم نبالغ، يمكن اعتبار التجربة الديموقراطية الكويتية رائدة تحتاج إلى تطوير.
حالياً، ثمة من يرى أن نظام الحكم بقي حاله حال أنظمة الاستبداد والديكتاتورية من حوله، في جموده بالتقاط اللحظة التاريخية لإعادة إنتاج شرعيته، التي على ما يبدو تتعرض لمخاطر تأثير الربيع العربي. ذلك لأنه ما برح يتعاطى مع مطالب المعارضة بأدوات تحليل تقليدية لا تستوعب جيداً المتغيرات، وأهمها تغير الولايات المتحدة تجاه تحالفاتها في المنطقة، إضافة لتغير مواقع قوى الصراع نوعيا في المجتمع، وبروز قوى شبابية متمردة تصر على التغيير بأي ثمن. فالأمر بالنسبة للكويتي كما لشعوب المنطقة، لا يتعلق بالخبز، بقدر علاقته بالكرامة، والحرية، والعدالة والتشاركية في ممارسة الحكم وتقاسم الثروة. إذن هي صحوة الوعي بالحقوق.
معضلة قراءة الحكم غير الواقعية لعناصر الواقع لا سيما منذ 2006، عمّقت الأزمة السياسية وتعبيراتها التي تجلت بتشكل حركة مناهضة شبابية، وجبهات وطنية وإسلامية إخوانية وسلفية، طالبت «بحكومة شعبية» و«إمارة دستورية» تكون فيها الإمارة للأسرة الحاكمة، والحكومة للشعب، كما أصرت على رحيل رئيس الوزراء السابق، خصوصاً بعد فضيحة «القبِّيضة» في 2011 وملايين الدنانير التي كشفتها حسابات نواب داعمين له. إذ في إثرها حل مجلسي الأمة والوزراء. ومذاك، استقالت تسع حكومات وحل البرلمان ست مرات، وتصاعدت المطالبة بإصلاحات جذرية للنظام السياسي، فتطور الأمر لاحقاً لاحتجاجات، فمسيرات بالآلاف، فصدامات بين المتظاهرين والأمن، فملاحقات، فاعتقالات إلى حراك شعبي اكتسح الشارع وبلغ مداه الخطير، حين قررت المعارضة البرتقالية مقاطعة الانتخابات الأخيرة وحشدت غالبية الشعب معها. ماذا عن المقاطعة؟
في الواقع، مقاطعة انتخابات «مجلس الصوت الواحد»، ولدت من خلفية أزمة تراكمية، أنتجت عجزاً في ممارسة الحياة التشريعية. لكن الأزمة تمددت وبلغت عنفوانها حين تعدت الحكومة على الدستور وعدّلت قانون الانتخاب بإرادة منفردة غير دستورية رغم أنف المعارضة، وأعطت الناخب صوتًا واحدًا عوضاً عن أربعة أصوات كان يمنحها له قانون 2006. صحيح أنه حسب الدستور، فـ«التعديل» حق من حقوق الحكومة، إلا أن شرطه أن يتم عبر مجلس الأمة وإجراءات تشريعية متعاقد عليها. هكذا يعتقد المعارضون المقاطعون.
والنتيجة، خلاف محتدم حول نسبة المشاركة الرسمية «39.7 في المئة»، في حين تقديرات المعارضة أن النسبة لم تتجاوز «26.7 في المئة»، ما يعني أن دعوتهم للمقاطعة أتت ثمارها والاقتراع «غير دستوري»، فيما طالب زعيم معارض، الأمير بإلغاء تعديل قانون الانتخابات وحل المجلس، ورأت اللجنة الشعبية للمقاطعة أنه مجلس «لا يمثل الغالبية، وفاقد للشرعية الشعبية والسياسية». في تفسير نتائج الانتخابات، وجد البعض أنها تمثل انتكاسة لشرعية الحكم، ليس بسبب تدني نسبة المقترعين فقط، إنما لأنه لم يتمكن من وضع حدا للأزمة السياسية والدستورية، ما يجعله يحكم بنصف شرعية، حيث تتولى المعارضة الإسلامية والليبرالية نصفه الآخر في الشارع، الأمر الذي قد يدفع بالكويت إلى أخطر أزماتها الوجودية، فيما ترى آراء أخرى أن الانتخابات مؤشر على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي، كون المجلس الجديد لا يمثل الشعب، ولن يستمر طويلاً إنما سيؤدي إلى تصاعد التوتر.
الخلاصة اللافتة في الحدث، رفض الأقلية الشيعية المقاطعة (بالطبع مع استثناءات)، إذ تحالفت مع الحكومة وفازت بثلث المقاعد: 17 من أصل 50، مقارنة بـ7 مقاعد سابقاً، بينما حصل السنة «وأغلبهم مقاطعين» على 4 مقاعد مقابل 23 سابقاً. أغلب المقاطعين هم من القبائل والمعارضة الإسلامية والليبرالية والقومية. فسّر الموقف «الشيعي» على أنه انتهازية وتمصلح من وراء النظام، أو بأنه يعبّر عن حالة الخوف من مستقبل مجهول. بيد أن شدة المفارقة تظهر في ما يمارسه بعض شيعة الكويت من دور هو الأشبه بالدور الذي تلعبه المولاة السنية في البحرين، في رفضهم التغيير وإجراء إصلاحات سياسية جذرية، موقفان كليهما مضر جداً بالواقع السياسي، ويؤثر سلباً على تماسك النسيج الإجتماعي، كما يشكل بؤرة لصراع أهلي محتمل، في الوقت الذي يبقى فيه موقف نظامي الحكم في البحرين والكويت موحداً متشدداً حيال التنازل قيد أنملة عن أي مما لديهما من سلطات وامتيازات.

            
 

مقالات من الكويت

للكاتب نفسه

خيارات الاتحاد النسائي البحريني

لم تحد مطالبات الحركة النسائية البحرينية عن أصل الحكاية التي تأسّست في 8 آذار/مارس 1857 بتظاهرة عاملات مصانع النسيج الأميركية للمطالبة برفع الأجور وتقليل ساعات العمل، حتى تجدّدت في تظاهرات...

شنطة يدي مجرد كيس

حتى منتصف القرن السابق، لم تكن جداتنا بحاجة إلى حمل حقائب تحتوي على هواتف نقالة أو حواسيب أو أكسسوارت كضروريات، بل إن حقائبهن في الموروث الاجتماعي لم تتجاوز ما يطلق...

سريالية السياسة في البحرين

دخلت البلاد منذ أسابيع في حالتها الربيعية الاحتفالية، عكستها لافتات إعلانات العروض والحفلات الموسيقية، والمهرجانات الثقافية والمؤتمرات وورش العمل على نفقة المال العام، واستقبالات حافلة لوفود من المشاهير (فنانين، مطربين،...