مجانين؟

يطلق المؤلف الموسيقي درور فيللر العنان لسكسوفونه الذي لا يفارقه، بينما يُبحر قارب الصيد "ماريان" فوق مياه البحر المتوسط الهادئة في مثل هذه الأيام من السنة. فيللر أصبح سويدياً منذ عقود، متخلياً عن جنسيته الإسرائيلية. انطلق المركب من ميناء في السويد وسار في بحر الشمال ثم المحيط الأطلسي وعَبَر مضيق جبل طارق إلى المتوسط. توقف في أكثر من مكان وقال ركابه ما عندهم في اجتماعات عامة
2015-06-25

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
درور فيللر مع سكسوفونه على متن السفينة

يطلق المؤلف الموسيقي درور فيللر العنان لسكسوفونه الذي لا يفارقه، بينما يُبحر قارب الصيد "ماريان" فوق مياه البحر المتوسط الهادئة في مثل هذه الأيام من السنة. فيللر أصبح سويدياً منذ عقود، متخلياً عن جنسيته الإسرائيلية. انطلق المركب من ميناء في السويد وسار في بحر الشمال ثم المحيط الأطلسي وعَبَر مضيق جبل طارق إلى المتوسط. توقف في أكثر من مكان وقال ركابه ما عندهم في اجتماعات عامة لاستقبالهم. ستنضم إليها قوارب أخرى، وهم جزء من "أسطول الحرية"، وهذه هي المحاولة الخامسة لكسر الحصار على غزة من البحر ما دام القطاع متمدداً بطوله على شواطئه، وما دامت سائر المنافذ مغلقة بإحكام، وهدفهم تسليط الضوء على الوضع. خلال أيام قلائل أو ساعات، ستكون القوارب بمواجهة القطاع. على متن ماريان 15 راكباً بينهم راهبة إسبانية ونائبة في البرلمان الأوروبي وأكاديميون وفنانون ومثقفون. هددهم نتنياهو شخصياً منذ يومين، حين وصلوا إلى نقطة الانطلاق الأخيرة في جزيرة كريت، بأنّ قواته ستضربهم، ولن تسمح بخرق من هذا القبيل لسلطتها.. في الوقت نفسه، قررت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن وصف "الاحتلال" لا يصح على غزة ولا على الضفة الغربية.. فبحسب "السيمانتيك"، المفردة غير ملائمة، ولا تنطبق على القوانين التي حددوها. وأما المعطيات على الأرض فلا قيمة لها. طبعاً.

هل ركاب "أسطول الحرية الثالث" مجانين أم هم متبطلون يريدون ملء فراغ حياتهم وأوقاتهم، أو مغامرون يحتاجون إلى شحنات أدرينالين؟ أُخِذ الإسرائيليون على حين غرة في 2008، ووصلت فعلا إلى غزة قوارب أوروبية مشابهة، استقبلها الآلاف من أهل القطاع بالفرح. اشتهرت "مافي مرمرة" عام 2010 لقتل القوات الإسرائيلية لعشرة من ركابها في عرض المياه الدولية. بعدها جرت محاولة أسطول الحرية الثاني في 2011، فهوجم "الكرامة"، القارب الوحيد الذي أفلت من منع السفر في موانئ أوروبية طال عشر سفن أخرى، واعتُقل ركابه وسِيقوا إلى أشدود. ثم حاول مناضلون يهود مناهضون لإسرائيل الإبحار على متن "استل" (أو "النجمة") في 2012، وتكرر المشهد نفسه..
ما قيمة ذلك؟ العناد! فإسرائيل تشيع أن كل شيء تمام. علاقاتها العربية في المنطقة ومرتكزاتها تتعزز، وليس ما يسمح بتوقع انتفاضة فلسطينية بعد القمع والإنهاك والتيئيس الذي يخضع له الفلسطينيون منذ عقود. وأما سائر المجتمعات العربية فغارقة في بؤسها وتتفكك، والعالم مهتم بـ "البزنس" فحسب. ولكن، وطالما الأمر هكذا فمما يخشون؟ من إدامة قيم أخرى، ومن إدامة الصراع. ذلك أن مسار التاريخ مليء بأمثلة عن تحول ما يبدو غير متوقع ولا محتمل إلى قائم.

 

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...