مهاجرون من افريقيا جنوب الصحراء: ربع حياة بالمغرب بانتظار "الإلدورادو" الأوروبي

من هم المهاجرون الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء الكبرى؟ هذه ملامح لبعضهم من أماكن إقامتهم في المغرب، تؤنسن ما صار يُقارَب دوماً بالجمع وبصفته مشكلة لبلدان العبور، جاراتهم بالأصل، ولأوروبا الخائفة من اجتياح هؤلاء البؤساء لها.
2018-07-19

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
| en
سمعان خوّام - سوريا

تم دعم هذه المطبوعة من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المطبوعة أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

لم يعد "دافيد" يفكر في المخاطرة بالهجرة نحو أوروبا، فبعد المحاولات المتكرّرة التي أشعرته بأن الفشل حليفه الدائم، قرر أن يستقر بالمغرب ولو مؤقتاً، مثل بقية المهاجرين الذين تقدرهم السلطات هنا بحوالي 30 الف مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء. لم تكن الرحلة هيّنة قبل الوصول الى بر المغرب. كانت جحيماً تقاسمه مع سواه في مسارات ممتدة بدءاً من نقطة إنطلاقه، بلده "الكونغو الديمقراطي".

هو الآن مستقر في المغرب ليس حباً بهذا البلد، ولكن لأن فرص الهجرة نحو "ما وراء البحر" صارت ضئيلة.

"الإلدورادو" الاوروبي يغلق أبوابه

في السنوات العشر الاخيرة، بات ولوج الإلدورادو(1) الأوروبي شبه مستحيل بعد أن تبنى الاتحاد الأوروبي سياسة أمنية شديدة الصرامة للحيلولة دون التسلل. لقد باتت الأبواب موصدة. السياجات العالية رمز ذلك، وهي موجودة في مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين المحتلتين من إسبانيا. يمتد سياج شائك مزدوج ومجهز بوسائل استشعار للصوت والحركة، وبكشافات قوية، على مسافة 12 كيلومتراً حول مليلة و8 كلم حول سبتة، وبعلو 6 أمتار. وقد بوشر ببناء الاول في 1998 بينما بوشر بالثاني في 2001، وموّلهما الإتحاد الاوروبي بواسطة "فرونتكس" وهي "الوكالة الاوروبية لحماية الحدود الخارجية"، بتكلفة إجمالية هي 66 مليون يورو. تناولت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في ربورتارج نشرته في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، كيف أن هذه السياجات أبانت عن فعالية كبيرة. كما أن محاولات الإبحار عبر مضيق جبل طارق - الذي يفصل إفريقيا عن أوروبا بعرض 14 كيلومترا فحسب - صارت غير ممكنة بسبب الوسائل التكنولوجية الدقيقة، والكاميرات المستكشِفة للمصادر الحرارية، والدوريات البحرية. وتقول الصحيفة الاميركية بأن المغرب أضحى بمثابة مختبر تجارب للحد من الهجرة غير النظامية.

انخفض إجمالي عدد المهاجرين الذين عبروا إلى الأراضي الأوروبية في العام 2017 إلى النصف تقريباً قياساً بالعام 2016. وأحصت "منظمة الهجرة الدولية" وصول 171635 مهاجراً بالقوارب عام 2017، بينما كانوا 363504 في العام 2016.

لكن سياسات المراقبة هذه، على الرغم من نجاحاتها، فهي لم تقضِ على تسلل المهاجرين أو على الأقل لم تثنهم عن محاولة الوصول إلى الضفة الأخرى. ففي كل عام يسجل جَيبَي سبتة ومليلية الحدوديين اقتحامات متكررة. وما حصل في 26 تموز/ يوليو 2018 (*) أكبرها مشهدية حتى الآن، إذ حاول معاً أكثر من 800 مهاجر عبور السياج الأمني لمدينة سبتة المحتلة من اسبانيا. أوقفت السلطات المغربية مئة منهم، في حين اعتقل آخرون من قبل الشرطة الاسبانية التي قامت بترحيلهم. لكن أزيد من 600 نجحوا في اجتياز السياج المزدوج الشائك. وتفيد مصادر صحافية بأنه، وفي مواجهة قوات حرس الحدود الاسباني، ولعرقلة اعتقالهم، فقد لجأ المهاجرون لأول مرة الى استخدام وسائل "عنيفة"، من قبيل إلقائهم مادة الجير، ومواد مشتعلة، وأيضا البراز.

لماذا يأتي الأفارقة الى المغرب؟

مامّادو: هرباً من الحرب

يحكي مامادو(2) (30عاماً، مهاجر من مالي) عن معاناته بسبب ويلات الانفلات الأمني الحاصل في بلده بعد تنامي نشاط جماعة "بوكو حرام" المتطرفة عام 2011.

يقول: "رأيت بأم عيني أشلاء أبي وهي مقطعة قطعة قطعة إثر سقوط قنبلة على منزلنا.. المشهد كان فظيعاً.. مذّاك قررت أن أنفذ بجلدي وحياتي". ليست مسألة الرحيل بالنسبة لـ"مامّادو" مرتبطة بتحسين مستواه المعيشي بقدر ما هي مسألة حياة أو موت. لا تهمّه الوجهة، سواء أكانت مغرية أو مجرد بلد للعبور، بقدر ما يهمه البحث عن فرصة للأمن والاستقرار. وهو اجتاز كبقية مهاجري دول جنوب الصحراء رحلة طويلة محفوفة بالمشاق والمخاطر والمتاعب والملاحقات البوليسية، لكنه الآن يفضّل البقاء في المغرب: "رغم الصعوبات التي واجهتها في بداية مقامي بالمغرب من سكن ومأكل وعمل، إلا أني حالياً وجدت قدراً من الأمن يمنحني البقاء والعيش بسلام دون تهديد لسلامتي الجسدية".

دافيد: ليس هرباً من الحرب

لم يأتِ دافيد(3) (28 سنة، مهاجر من الكونغو الديمقراطية) إلى المغرب هرباً من ويلات الحروب أو النزاعات الإثنية، بل بسبب شظف العيش الناتج عن استغلال تقوده شركات عابرة للقارات. يقول: "كنا نملك أراضٍ على مد البصر، نزرع ونأكل ونعيش مما تمنحنا من خيرات، الآن فقدنا كل شيء، الأراضي بيعت وصرنا بعد ذلك متشردين".

ويصف دافيد تفاصيل العيش الصعبة بعدما فقدت عائلته أراضيها بسبب عدم توثيقها لدى المصالح الحكومية، فأعطيت إلى شركة صينية بناء على صفقة مبرمة بينها وبين السلطات. واضطرت عائلة دافيد إلى الهجرة نحو المدينة بحثاً عن فرصة عيش ممكنة. وقرر هو أن يغادر وأن يخاطر بالسعي للهروب الى أوروبا. لكن الحلم توقف عند الأراضي المغربية. فبعد سنتين، لم تُجْدِ نفعاً محاولاته الوصول إلى اسبانيا، لذلك قرر أن يستقر ولو مؤقتاً في المغرب.

أصل الداء

ليس دافيد لوحده من بيعت أرضه أو تم استغلالها أو الاستحواذ عليها، بل هناك ما يقدر بـ115 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع أو 0.42 هكتاراً) أحصتها "منظمة الأغذية والزراعة" بالأمم المتحدة ("فاو") تمّ تأجيرها والاستثمار فيها في بلدان مثل اثيوبيا والكونغو والسودان ومدغشقر.. وتحتل الشركات الصينية الصدارة (بما يناهز مليون هكتار). وتشير دراسة صادرة عن منظمة "الفاو" عام 2012 (تحت عنوان "اتجاهات وتأثيرات الاستثمار الأجنبي ‬فى الزراعة بالبلدان النامية") إلى أن المساحة الإجمالية لصفقات الأراضي في افريقيا وصلت الى 56.2 مليون هكتار(4).

وحذر تقرير المنظمة من أن أغلب الاستثمارات الاجنبية لا تستهدف السوق المحلي بل أسواق التصدير أو إنتاج الوقود الحيوي، ‬وهذا يمثل تهديداً للأمن الغذائي في بلدان تعاني من الجوع ومن أزمة غداء مستمرة،‬ لأن الانتاج الجديد يحلّ محل المحاصيل الغذائية الأساسية للسوق المحلي. ‬وأردفت المنظمة بأن هذه الوجهة تتسبب في تشريد صغار المزارعين،‬ وخسارة الأرض الصالحة للرعي، ‬وخسارة الدخل وموارد المعيشة لسكان الريف،‬ وتدهور الموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه.

115 مليون فدان أحصتها "منظمة الأغذية والزراعة" بالأمم المتحدة ("فاو") في تقرير صدر العام 2012، جرى التصرّف بملكيتها بيعاً أو تأجيراً في بلدان مثل اثيوبيا والكونغو والسودان ومدغشقر..

‬‬‬‬‬‬استقبلت السعودية في كانون الثاني/ يناير 2009 أولى الشحنات من الأرز المنتج على الأرض التي استحوذت عليها في إثيوبيا، في الوقت الذي كان فيه "برنامج الأغذية العالمي" يقوم بإطعام 5 ملايين اثيوبي جائع..

من جهتها قالت منظمة أوكسفام إن المستثمرين كانوا يستهدفون عمداً أضعف البلدان لجهة سلطاتها لشراء أو استئجار الأراضي الرخيصة، حيث لا تتجاوز كلفة استئجار الهكتار دولاراً واحداً فقط.

وأفادت أن الدول الـ23 الأقل تقدماً في العالم تمثل أكثر من نصف الصفقات المسجلة المبرمة بين عامي 2000 و2011. ويُعتقد أن الصفقات التي تشمل نحو 200 مليون هكتار من الأراضي، تمّ التفاوض عليها لصالح المضاربين على حساب المجتمعات المحلية غالباً.

التجويع والحرمان من الأرض والفقر جريمة تقع على عاتق الدول العظمى والغنية اقتصادياً، هذه ليست خرافة بل حقيقة أكدها خبير البيئة الأميركي ليستر براون في كتابه "العالم على حافة الهاوية"(5)، إذ يقول أن دولاً أوروبية تشجع مستثمرين على الاستحواذ على أراضٍ زراعية بدول افريقية بغرض انتاج الوقود الحيوي المخصص للسوق الأوروبية(6).

وقال ليستر كذلك إن "السعودية استقبلت في كانون الثاني/ يناير عام 2009 أولى الشحنات من الأرز المنتج على الأرض التي استحوذت عليها في إثيوبيا، في الوقت الذي كان فيه برنامج الأغذية العالمي يقوم بإطعام 5 ملايين اثيوبي جائع". وحصل الأمر نفسه مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ استحوذت الصين على 7 ملايين هكتار لإنتاج زيت النخيل، ومع ذلك فثمة الملايين من الناس في جمهورية الكونغو الديمقراطية يعتمدون على المساعدات الدولية للأغذية.

ربع حياة في المغرب

بدأ المغرب في عام 2013 صفحة جديدة في ملف مهاجري الصحراء فشرع في سن قانون جديد يقضي بمنح الإقامة القانونية للمهاجرين وطالبي اللجوء. البلد لم يعد إذاً نقطة عبور مؤقت، بل تحول بعد هذه الخطوة إلى بلد استقرار دائم للمهاجرين. مع نهاية عام 2014 تمت تسوية وضعية أكثر من 18 الف مهاجر، وفي سنة 2016 تمت تسوية وضعية 25 ألف حالة، وتؤكد وعود وتصريحات حكومية أن البقية ستسوّى وضعيتها.

يعيش مهاجرو دول جنوب الصحراء في بطالة مقنّعة وينخرطون بشكل يومي في أنشطة الاقتصاد الموازي، فهم يعملون على الأغلب كبائعين متجولين غير مرخص لهم، على الأرصفة وجنبات الطرقات، أو يشتغلون بشكل غير قانوني في أعمال الترميق كالبناء والأعمال الشاقة، وفي أحيان أخرى يمتهنون التسول كوسيلة للبقاء، أو لجمع ما تيسر من المال من أجل تمويل رحلة العبور نحو أوروبا.

موسى: العيش في المغرب ليس هيناً

يحكي موسى(7)، وهو مولود لأب كاميروني وأم غينية، محاولاته للوصول الى الإلدورادو الاوروبي، وتصدي السلطات الأمنية المغربية والاسبانية له. يقول: "حاولت الهجرة بشكل غير نظامي عبر قارب. ولكني حتى عندما نجحت في بلوغ شبه جزيرة مليلة تمّ ترحيلي إلى المغرب". وبعد مرور خمس سنوات على رفض طلبه اللجوء السياسي في إحدى الدول الاوروبية، تخلى عن الفكرة مثل سواه من المهاجرين غير النظاميين الذين فشلوا في اقتحام الحدود.

أذعن موسى لفكرة البقاء والمقاومة ما أمكن في المغرب على الرغم من المشاكل التي يواجهها. يقول: "نقوم بأعمال بسيطة وصغيرة. الآن أعيش قدر الامكان وفق عاداتي وضمن حلقتي ودائرتي، لكن العيش على الرغم من ذلك في هذا البلد صعب جداً، نحن غير مرحب بنا من قبل المغاربة، لم نستطع بعد أن نندمج بشكل سلس".

كثيراً ما يواجه المهاجرون عقبات في حياتهم اليومية، وفي هذا الصدد يقول موسى: "أشتغل في أعمال صغيرة هنا وهناك. عملت في أحد الأنشطة، في البداية رحّب بي رب العمل الذي استخدمني ثم رفض أن يعطيني أجرتي بداعي أنني مهاجر سري ولا أحمل أي وثيقة رسمية".

فرانك: اهانات وشتائم

يحكي فرانك(8) (35 سنة، مهاجر نيجيري) الهارب الآخر من مذابح جماعة بوكو حرام: "يضعوننا في أماكن من المغرب يقطن فيها المرضى العقليون أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض معدية، وعندما نعترض على هذا الوضع يجيبنا الشرطي: أنت الذي تشتكي من هذا الوضع من تكون أصلاً؟ وقد جئت لبلدي بقرفك وقذارتك". ويضيف: "هناك بعض سائقي سيارات الاجرة الذين يرفضون نقلنا إلى وجهتنا. هنا يعاملوننا بشكل غير لائق، يهينوننا ويصفوننا بأقدح الألفاظ العنصرية مثل كلمة عزّي التي تعني زنجي. المتسولون أيضاً يحتقروننا لأننا في نظرهم أقل شأنا منهم، نحن في نظرهم مجرد حثالة"(9).

دافيد: لا بديل عن المغرب

"الآن أعمل كمساعد لأحد التقنيين المغاربة المتخصصين في اصلاح الهواتف، وبحكم امتلاكي لشهادة جامعية في نظم المعلوماتية، فأنا أفتخر بكوني متقن لعملي. بعض المغاربة يرحبون بوجودي في المحل ويشيدون بمجهوداتي، لكن آخرون لا يستسيغونني بل أحياناً يسخرون مني. أنا الآن بدأت حياة أخرى. هذا العام سأدفع بطلبي للإقامة بالمغرب.. أي نعم، لست مسلماً وأنا مسيحي، وهذا ما يشكل حجر عثرة في الاندماج مع المغاربة، فبعضهم لا يقبل بالتعامل مع المسيحيين، لكن غالباً ما أتحفظ على معتقداتي ولا أظهرها لهم. أنا أحترم الاسلام وتقاليد المغاربة. وكما ترى فأنا أتحدث باللهجة المغربية وهذا بحد ذاته سيساعدني على الاندماج. الصعوبات التي واجهتها تجعلني أفكر أحياناً بمحاولة الهروب نحو أوروبا، لكن ليس الآن، لأن الأمر محفوف بالمخاطر.. وعلى الرغم من كل هذه المشاكل فليس لدي حالياً بديل عن المغرب".

مامّادو: على الرغم من ذلك، فالمغرب أرحم

"بعد تجربتي المؤلمة التي عشتها في بلدي، لا أفكر في العودة إليه ولا حتى المغامرة بحياتي بركوب الأمواج نحو اسبانيا. بالنسبة إلي المغرب أرحم. يوماً ما سأعود لبلدي لكن عندما تستقر الأوضاع بشكل كامل. أنا الآن مندمج بشكل ما مع المغاربة كوني تعلمتُ اللهجة المغربية وأنطق باللغة العربية علاوة على كوني مسلم الديانة.. كل هذا منحني سهولة في العيش بشكل سلس في هذا البلد. يبقى المشكل هو في غلاء المعيشة ومتطلباتها، اضافة إلى أنني وجدتُ مشكلة في إيجاد فرصة عمل لائقة. فأنا حاصل على ماجيستير في الاقتصاد، لكن الشركات ترفض تشغيلي بحكم عدم تسوية وضعيتي القانونية".

نظرة المغاربة للأفارقة وقلق الاندماج

مهاجرو دول جنوب الصحراء يذوبون بين المغاربة، لكن بشكل حذر. في البداية وعند مطلع الألفية، كان مرفوضاً من المغاربة أن يشاركهم شخص أسود تفاصيل حياتهم. الآن تغير نسبياً الأمر ولو أن معظمهم ما زال ينظر إليهم بنظرة احتقار وتمييز عنصري.

لا يقبل المغاربة فكرة أن يتمتع مهاجرو دول جنوب الصحراء بكافة الحقوق التي يتمتع بها المغربي، فهم يرون بأنهم ليسوا أهلاً لاستقبالهم بحكم الأوضاع السوسيو - اقتصادية التي يئن تحت وطأتها كل مغربي محدود الدخل، كما يرون بأنهم يزاحمونهم في لقمة العيش وفي الانشطة الاقتصادية غير النظامية والتي ينخرط فيها أزيد من 2.4 مليون مغربي.

المغاربة يعتبرون أيضاً أن وجود المهاجرين الأفارقة يساهم في "تزايد الشعور باللامان، والسرقة والتسول والمشاحنات"، وفق ما صرح به مستجوَبون مغاربة لصالح دراسة استطلاعية أجرتها "مؤسسة سينرجيا" بالشراكة مع صحيفة "ليكونوميست" المغربية، (منشورة في آذار/ مارس 2018). كما يرى فريق آخر أن موجة تدفق المهاجرين للبلد تتسبب بـ"تنافس في سوق الشغل، وتوفر يداً عاملة مكوّنة وأقل كلفة من اليد العاملة المغربية".

تبقى احصاءات: غير المتعلمين المغاربة هم أكثر الفئات ترحيباً بالمهاجرين من دول جنوب الصحراء (بنسبة 44 في المئة)، تليهم فئة الحاصلين على مستوى ابتدائي (بنسبة 42 في المئة)، بينما عبّر 36 من المئة من الحاصلين على تعليم جامعي عن تأييدهم لادماج المهاجرين الأفارقة.

لكن وتيرة الكراهية والعنصرية تجاه المهاجرين تتزايد وفق بيان أصدرته "الجمعية المغربية لحقوق الانسان"، إثر نشوب مشاحنات وصدامات عنيفة للغاية بينهم وبين مغاربة في مدينة الدار البيضاء في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. كما لامست المنظمة ما اعتبرته "تنامياً لمظاهر الوصم الاجتماعي والتمييز العنصري ضدهم، والحرمان من الحقوق الأساسية مثل الحق في الصحة وفي الماء والتغذية والسكن والتعليم والشغل".

من ناحيتها أكدت دراسة أعدتها مؤسسة "هنريش بول" الألمانية بالشراكة مع "معهد الرباط للدراسات الاجتماعية" وفريق من الباحثين المغاربة (2017)، أن سياسة الانفتاح حيال المهاجرين الأفارقة التي تبناها المغرب في السنوات الأخيرة لا تضمن الحماية لهم، كما أنها لا تعطي أدنى أهمية لتأهيل الرأسمال البشري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين، وضمان إندماجهم وانخراطهم في الحركية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمغرب.. مضيفة أن "أهداف هذه السياسة لا زال يكتنفها الغموض والضبابية، إنْ على المستوى الإداري أو حتى بالنسبة للمهاجرين أنفسهم".

وعلى العموم، تبقى آمال مهاجري دول جنوب الصحراء أكبر من فكرة البقاء في المغرب، صورة الفردوس الاوروبي ما زالت راسخة في الوعي الجمعي لهم، حتى وإن عاش من سبقهم اليه ظروفاً أسوأ حالاً في بلد أوروبي من ظروفهم في المغرب. لن تشفيهم قصص المغامرات الفاشلة والموت في عرض البحر المتوسط من المحاولة مجدداً. ليسوا كلهم من سيخوض غمار هذه المخاطرة، لكن بعضهم سيفعل بالتأكيد.. هؤلاء الذين ساءت بهم الأحوال بالمغرب وبات البلد يضيق بهم أكثر فأكثر، تماماً مثلما يضيق بالمغاربة الذين يشتكون هم كذلك من ضنك العيش.

***

(*) تم تعديل المقال بتاريخ 26 تموز/ يوليو 2018

_________________________

1- الإلدورادو أو أسطورة مدينة الذهب المفقودة في أمريكا اللاتينية، وهي تسمية متداولة بين مهاجري جنوب الصحراء وتحيل الى معنى الفردوس أو الجنة.
2- شهادة حصرية للسفير العربي، جميع الاسماء في هذا النص مستعارة
3- شهادة حصرية للسفير العربي
4- Trends and Impacts of Foreign Investment in Developing Countries, part 1, introduction, page 5
5- World on the Edge: How to Prevent Environmental and Economic Collapse, published by Routledge 2010, 144 pages
6- المصدر ذاته ص 65
7- شهادة في صحيفة لوموند الفرنسية ضمن ربورتاج بعنوانA Tanger, des migrants subsahariens racontent : « Ici, même les mendiants nous insultent » Le Monde Afrique, 10-11-2017
8- المصدر نفسه
9- كما قال في شهادته Sous-hommes

محتوى هذه المطبوعة هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه