عجايب!

في مصر، البلد الأكبر في المنطقة، العريق والطليعي والأساسي بكل المقاييس ومن كل الزوايا، كبديهية لا تحتاج لشرح وتفصيل، تدور حركة مصحوبة بنقاش عام واسع الانتشار، لا يمكن وضعها في أي خانة سوى الغرابة. تظهر فجأة دعوة للتظاهر في "28 نوفمبر" (ميزة التاريخ الوحيدة انه يقع يوم جمعة)، يقول أصحابها إنها "انتفاضة الشباب المسلم" أو إن غايتها هي "الدفاع عن الهوية الإسلامية"..
2014-11-26

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

في مصر، البلد الأكبر في المنطقة، العريق والطليعي والأساسي بكل المقاييس ومن كل الزوايا، كبديهية لا تحتاج لشرح وتفصيل، تدور حركة مصحوبة بنقاش عام واسع الانتشار، لا يمكن وضعها في أي خانة سوى الغرابة. تظهر فجأة دعوة للتظاهر في "28 نوفمبر" (ميزة التاريخ الوحيدة انه يقع يوم جمعة)، يقول أصحابها إنها "انتفاضة الشباب المسلم" أو إن غايتها هي "الدفاع عن الهوية الإسلامية".. ويحددون شكلها كـ"تظاهرة سلمية ترفع المصاحف" (لماذا، سُئل قيادي من "الجبهة الإسلامية" الداعية، فقال ببساطة: حتى لا نرفع السلاح!)، تتشكل من "موجات بشرية" كما يأمل أصحابها، لا تقف عند إسقاط النظام ("العلماني العسكري" بحسب التوصيف)، بل تهدف إلى "تحكيم شرع الله". فلو كانت قد بقيت ذرة من التحفظ لدى السلطة حيال استخدام العنف المفرط والاعتباط ـ وهي موغلة فيهما، غير مقصّرة ـ لسقطت في المناسبة، محاطة بمبررات "شرعية وقانونية" ليس أقلها أن الدعوة تخالف قانون منع التظاهر الذي بسببه لم يتوقف حبس الشباب والشابات بعد أحكام ثقيلة للغاية. ولكن المتوقع هو أن تتجاوز السلطة ذلك الى استغلال المناسبة للانقضاض على ما تبقى من هوامش، إسلامية وغير إسلامية، بحجج بدأت تظهر في السجال (داعش منها)، ما يجيز لوزير الداخلية القول إن "قواته ستستخدم الرصاص الحي".. الذي يرحب به وكيل وزارة الأوقاف فـ"الدماء التي ستراق ليست حرام لأنها بتكليف من ولي الأمر"، بينما يسمي مفتي الجمهورية الداعين بـ"الخوارج". وهكذا تدور حرب غريبة بين ممثلي الهيئات الاسلامية، الرسمية (الافتاء والازهر والأوقاف) والسياسية (حزب النور السلفي خصوصا) وبين من يدعون لتلك التظاهرات، فيما يرتبك الاخوان متهَمين بالخبثاء الذي يقفون في الظل خلف هذا السعار. هناك شبح مجزرة أو اقتتال أهلي أو انفلات للعنف الدموي في البلاد، لعله مهندَسًا أو لعله يتبع مسارًا ذاتيًّا قد يكون محصلة لكل هذا التركيب المجنون. والصراع ذاك يدور على مستوى بالغ التجريد (قد يسميه البعض ايديولوجيا وهو ربما مظهر لابتذالها وانحطاطها) والشعاراتية، بينما المسائل الفعلية في مصر مهملة، وهي تبدأ من الانهيار المأساوي للوضعين الاجتماعي والاقتصادي، ومن أوضاع سيناء وجرف السكان هناك، ولا تنتهي بالتجاوز على كل الحقوق العامة. كل ذلك وسط "عنطزة" السلطة وتهافت مناوئيها.. وتخريف الجميع!

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...