حتى لا تستعيد حفيدتي أحوال جدتي!

آمنت أمي بأن تحقيق الاستقلال الاقتصادي، أي عمل النساء وحصولهن على دخل خاص، هو مفتاح تمكّنهن من قيادة حياتهن بكرامة وبلا تبعية دونية مذلّة. وهذا كان جديداً. المعادلة صحيحة... جزئياً! تذكِّر بتلك الصيغة الرياضية: العمل والتعليم شرطان ضروريان، ولكنهما غير كافيين!
2014-03-05

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
تحية إلى الأيدي المتعبة تحنو على البنفسج والياسمين البلدي (تصوير محمد بدارنة - خاص "السفير العربي")

اعتبرتْ أمي حصولها على التعليم العام المجاني مكسباً هائلاً، وهو كان كذلك. وكنّ فخورات، هي ورفيقاتها القلائل، بدخول الجامعات والتخرج في شتى الاختصاصات، وليس فحسب كمعلمات، كما كان من الممكن لجيل أمها أن يفعل، ولو بنُدرة. وهي آمنت بأن تحقيق الاستقلال الاقتصادي، أي عمل النساء وحصولهن على دخل خاص، هو مفتاح تمكّنهن من قيادة حياتهن بكرامة وبلا تبعية دونية مذلّة. وهذا كان جديداً.

المعادلة صحيحة... جزئياً! تذكِّر بتلك الصيغة الرياضية: العمل والتعليم شرطان ضروريان، ولكنهما غير كافيين. استلاب وتتبيع واضطهاد النساء، بوصفهن نساء، لا ينتهي إلا باقتران هذين الشرطين بغيرهما. أقله في القانون، وكذلك، وهو الأصعب، في تفحص ونقد القيم السائدة وتعبيراتها الإعلامية والأدبية المعدّة للاستهلاك، ومقارعتها، والتخطيط لتغييرها. فالقيم السائدة ليست ثابتة دائمة كما يُظن، ولكن تحولها قد يتخذ مسارب متعددة، وهو على أية حال لا يحدث آلياً وبمرور الزمن.

وإلا، غُلبت هذه الفئة من البشر ــــ النساء ــــ وتراجعت أوضاعها، حتى في الحق بالتعليم والعمل. وهو ما نراه اليوم كشبح يحوم فوق أكثر من مجتمع عربي، تارة بسبب الخصخصة المتسارعة للتعليم وأولى ضحاياها الفتيات، وتارة أخرى بسبب استفحال الفساد والنهب وسوء الإدارة العامة، المؤدية إلى الخراب الاقتصادي وتفشي البطالة في الجميع، مما يضيّق فرص العمل على النساء بداية. وتترافق هذه وتلك مع تبريرات للنكوص، تتخذ رداءات شتى أهمها ديني، تعيد النظر بمفاهيم نهضوية وتحررية صيغتْ وعمّت في فترات متلاحقة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى حقب الصعود الوطني والقومي.

وكمثال، فليس العنف المتزايد ضد النساء علة في أخلاق ممارِسيه كما يدّعي مستنكروه، وهم منافقون ما داموا يناهضون اتخاذ إجراءات قانونية ضده، ويساعدون على تهريب المجرمين، مستندين إلى مفاهيم ذكورية (قد تتبناها نساء!)، هي تجسيد لسطوة بائسة وتعبير عن عجز إزاء الواقع الصعب. وأما الإبقاء على تشريعات تخفف عقوبات جرائم يقال إنها تخص "الشرف"، أو تزوِّج المغتصَبة من مغتصِبها كحل لجريمته، أو تشرع زواج الصغيرات...، فلا تقع على ضحاياها المباشرين فحسب، بل ترتدّ على كل النساء. 


وسوم: العدد 83

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...