... فلنمُت إذاً

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن ثمّ تمّ سوقها لإدارة المرور لاستكمال الإجراءات النظامية بحقّها، نظراً لخرقها أنظمة المملكة التي تحظر قيادة المرأة للسيارة على أراضيها. لكن الخبر ليس في قيادة المرأة للسيارة ولا دخل له بأنظمة المرور: لماذا لم تتصل المرأة
2014-10-08

مريم ترحيني

كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية


شارك
| en
من الانترنت

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن ثمّ تمّ سوقها لإدارة المرور لاستكمال الإجراءات النظامية بحقّها، نظراً لخرقها أنظمة المملكة التي تحظر قيادة المرأة للسيارة على أراضيها.
لكن الخبر ليس في قيادة المرأة للسيارة ولا دخل له بأنظمة المرور: لماذا لم تتصل المرأة بالإسعاف لتأتي وتقلها إلى المشفى من دون الحاجة لتعريض نفسها لموقف مشبوه سيُقال أنّها تبتغي الشهرة من ورائه. فهي كما صرّحت لم يتوفر لها من يقلّها، لا سائق ولا زوجُ ولا ابن ولا حتّى سيارة أجرة لن تجدها في بيتها البعيد نسبياً عن خطوط السير الحيوية. تكرار تعرضها للحالة ذاتها دفعها أكثر من مرة لقيادة السيارة وهي بوضع صحيٍّ سيئ، ما يعني خطراً آخر يضاف إلى لائحة الأخطار الممكنة. إذاً، يلح السؤال ثانية: لماذا لم تتصل بفرقة إسعاف وتريح رأسها من تبعات الأمر.
الفكرة أن السعودية من البلاد التّي تموت فيها النساء لتأخرٍ في عمليات الإنقاذ. لا يُسمح للرجال، العناصر الرئيسة في طواقم الإسعاف الصحّي، بنقل النساء من دون محرم، والمحرم هو الذكر المرافق الحلال على الأنثى والذي يجوز له لمسها ورؤيتها من دون غطاء. وتحكي سيدةٌ سعودية عن رفض موظف الطوارئ في أحد المستشفيات إرسال سيارة إسعاف لها بحجّة وجودها وحيدة في المنزل خوفاً من تعرّضه للمسائلة وخرقه لقانون منع الاختلاط بين الجنسين المطبق في أرجاء المملكة.
اختلاطٌ كانت لا تجيزه الكوارث والحوادث حتّى مدّة قريبة، تكللت بفتوى أثارت شهية المغردين السعوديين. فتوى نقلت عن عضو في هيئة كبار العلماء المسلمين يجيز فيها إسعاف الرجل للمرأة بشرط عدم لمسها ووجوب تغطيتها بالكامل. رأى المغردون في الأمر غلوّا ودخولاً في تفاصيل قد يبيحها منطقٌ واحد وهو أنّ الضرورات تبيح المحظورات.

*اخترْعوا زواج الإسعاف عشان تكون بذمته وينتهي بانتهاء الإسعاف عاد انتم أسهل شيء عندكم اختراع زواجات
*رشها بالماء من بعيد فإن تحركت فاقذفها بحجاره صغيره حتى تستفيق فقد تكون مصابةٌ باغماء بسيط
* ايه لازم يكون معه العصا السحريه ذيك، يطقها والا الحرمه فالإسعاف
* على كذا خل يفتحون مستشفى العالم الآخر
حكي السعوديون عن حالات وفاة بين النساء تحدث بسبب المماطلة في إسعافهن، ليس آخرها وفاة حدثت في جامعة الملك سعود لفتاة تعرضت لأزمةٍ قلبية ورفضت إدارة الجامعة إدخال المسعفين بحجّة أنهّم رجال وأنّ المكان المقصود هو كلية البنات، ومن فيه كاشفات للرؤوس لا يرتدين غطاء، وسيحدث خرقٌ فظيع للقانون المقدّس الذي يحمي المجتمع من الفساد. ماتت الفتاة تحت أنظار صديقاتها، وأحدثت وفاتها ضجّة محلية وعالمية دفعت المملكة إلى اتّخاذ قرارٍ بتدريب مئات من الفتيات على أصول الإسعاف، وأنشئت هذه السنة فرق نسائية في مكّة المكرمة تستعين بها في الحجّ والعمرة.
في ذاكرة السعوديين تسكن تلك الحوادث: حريق مدرسة البنات في مكّة العام 2002، وهو حريق أتى على مدرسة داخلية للبنات أدّى إلى تفحّم العديد من الطالبات والمدرسات وقد اتّهمت فيه الهيئة الدينية بالتسبب في ارتفاع الوفيات بسبب عرقلة عمل فرق الإنقاذ بحجّة عدم ارتداء الفتيات للحجاب، فقاموا بطرد أولياء الأمور وبإغلاق الأبواب على البنات ومنع رجال الإطفاء والإسعاف من الدخول إلى حرم المدرسة لأنه «لا يجوز للفتيات الانكشاف أمام الغرباء». تكرّر الأمر في حريق مدرسة أخرى في جدّة، ويتكرّر الأمر يومياً لنساءٍ يجدن أنفسهن من دون يد تنتشلهن من محنة أو حادث. إجراءات تعيق عملية الإنقاذ وتقلّل من أعداد الطاقم حتّى لا تنكشف النساء المريضات المجروحات اللواتي لا يبحثن إلّا عن فرصة للنجاة أمام أعينٍ مفروض وفق رؤية بعض العقول أنّها تتلهف لرؤية الوجه الأنثوي الفتنوي الذي يثير الغرائز ولا يجلب سوى المتاعب.
ما العمل؟ النساء لا يقدن، لا يجوز لهن الخروج من دون محرم، لا تأتي الإسعاف إن كانت المرأة ذات الحالة الطارئة من دون مرافق، لا يجوز لمسهن، لا يجوز كشف وجوههن، على طاقم الإسعاف أن يكون ذا عددٍ محدود، لا يجوز اختلاط المسعفات بالمسعفين بسائقي الإسعاف، لا يجوز إنقاذ من تموت إن كانت دون غطاء، لا يجوز النظر، لا يجوز.. لا يجوز.. ولا أحد يعرف إن كان ما يحدث في الحالات الطارئة تلك هو عملية إنقاذ أم عملية تعارف وزواج.
          
 

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية تقاتل البعبع

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط...

البحث عن الإنسان في السعودية

يُحكى أنّ رجلًا ذا عيونٍ زرقاء كان يتجول في أروقة متجر في أحد أحياء الرياض، وأنّ عيوناً مراقِبة رصدته وهو يلحق بامرأة ترتدي عباءة سوداء. هكذا بكل وقاحة، يلاحقها من...