السعودية تقصّ عمالتها السائبة

ارتاح العمّال اليوم. لن يتكبدوا عناء البحث عن مخبأ كلّما لمح أحدهم أعضاء هيئة حملة تفتيش الجوازات. صدر أمر ملكي بإيقاف الحملة التي قضّت مضاجع مئات الآلاف، عربا وأجانب، دخلوا في مقص حملات التفتيش، والترحيل الفوري من دون السماح بالتقاط النفس، ركوب بالطائرة أو الشحن، والرحيل فورا عن البلاد إلى الوطن. ثلاثة أشهرٍ منحت للجميع، فقط من الناحية الإنسانية، لتسوية أوضاعهم وإلّا فلن يسامحهم المقصّ
2013-04-17

مريم ترحيني

كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية


شارك
"رحّلت السعودية في الأسابيع الماضية حوالي 200 ألف عامل مقيم على أرضها بطريقة غير قانونية"

ارتاح العمّال اليوم. لن يتكبدوا عناء البحث عن مخبأ كلّما لمح أحدهم أعضاء هيئة حملة تفتيش الجوازات. صدر أمر ملكي بإيقاف الحملة التي قضّت مضاجع مئات الآلاف، عربا وأجانب، دخلوا في مقص حملات التفتيش، والترحيل الفوري من دون السماح بالتقاط النفس، ركوب بالطائرة أو الشحن، والرحيل فورا عن البلاد إلى الوطن. ثلاثة أشهرٍ منحت للجميع، فقط من الناحية الإنسانية، لتسوية أوضاعهم وإلّا فلن يسامحهم المقصّ ثانيةً. ثلاثة أشهر لتعود الحملة التي كانت أشبه بتطهير المملكة من كلّ ما هو مخالف، عمالةٌ فارّة من كفيلها، عمالةٌ تأتي السعودية عن طريق الحج إلى مكّة لتبقى على ظهر الأرض من دون العودة إلى ديارها، عمالةٌ تعمل خارج إطار وظيفتها المعلنة على بطاقة الإقامة، عمالةٌ يأتي بها مواطنون سعوديون إلى أرض جزيرتهم ويرمونها في الأسواق لقاء بدلٍ مالي تمنحهم ايّاه نهاية كلّ شهر.
رحّلت السعودية في الأسابيع الماضية حوالي 200 ألف عامل مقيم على أرضها بطريقة غير قانونية. الدولة التي تعدّ الأكثر تساهلًا وغضاً للطرف بين دول الخليج، بدأت العمل على تنظيم سوقها الذي لم يعد يتسع ليدها العاملة. المملكة المزدهرة اقتصاديا تحتل المرتبة الثانية على صعيد الشرق الأوسط في نسبة العاطلين عن العمل. مليونا سعودي يعانون تبعات البطالة يقابلهم مليونا يد عاملة وافدة مخالفة لقوانين الإقامة في البلاد.
شكّلت العمالة الوافدة منافسا قوياً لليد العاملة السعودية. في البداية، كانت الحاجة ملحة لتلك اليد العاملة الأجنبية بوصفها الأرخص والأكثر قابلية للتعلّم، بخلاف اليد العاملة السعودية الأغلى والمتطلبة أكثر. الأجنبي يعمل لساعات طويلة لقاء بدلٍ مالي يتناسب مع عروض أصحاب العمل، في حين أن السعودي يرغب بساعات عمل أقل وببدل مالي لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال سعودي، ما يعادل ثمانمئة دولار شهريا. العامل الأجنبي يملك المهارة المطلوبة وكذلك النفس الطويل، بخلاف العامل السعودي.
اختفى صانعو المعجنات، وعاملو التنظيفات، أُغلقت بعض المحال، وعُطّلت بعض الصفوف في المدارس نظرا لمخالفة المعلمات قانون الإقامة. ذلك الازدحام البشري في بعض الشوارع لم يعد موجوداً. الشائعات والقصص التي يتناقلها الناس حول أساليب الطرد والترحيل دفعت العديد لالتزام مساكنهم، التي لم تسلم من مداهمات هيئة الجوازات.
تضاربت الآراء حول الحملة، بعضهم رأى أنها لا تراعي الناحية الإنسانية، لجهة عدم منح مهلة زمنية أو إنذار للضحايا، أو لجهة طريقة تعامل أعضاء هيئة التفتيش. ورأى البعض فيها ضرورة ملحة للمملكة التي تعاني منذ فترة طويلة من أعداد العمال الهائلة وارتفاع في نسبة الجرائم وحوادث أمنية يُرجعها أهل السعودية إلى العمالة السائبة.
يرى السعوديون أن بلادهم التي أدمنت العمالة الأجنبية تحتاج لعملية إعادة تأهيل. فهؤلاء ينافسونهم على كل شيء، ويشكلون ضغطًا هائلاً على مسار حياتهم. يساهمون في زيادة الطلب وبالتالي في رفع الأسعار. فالتقليل من عدد الوافدين سيؤدي حتما إلى تخفيض نسبة الطلب وبالتالي يطمح السعوديون إلى أن تؤدي تلك الحملة إلى خفض أسعار الإيجارات، وتناقص الضغط على الخدمات كالماء والكهرباء، وتخفيف الازدحام في الأسواق.
تقول الإحصائيات ان حوالي 65 في المئة من الجرائم، ترتكبها العمالة الوافدة التي توصف بالرديئة لفقدانها أية مؤهلاتٍ تعليمية. تتركز جرائمهم في أربع مناطق هي مكة والرياض وجازان والمدينة المنورة، وتتراوح ما بين السرقة التي تحتل المرتبة الأولى، إلى تجارة المخدرات، ومحاولة صناعة الخمور والتسلل والاغتصاب والقتل. وصدرت العديد من الدراسات التي تبحث في جرائم العمالة الوافدة وعنصر «الانتقام» من السعودي الذي يحوم حول أسبابها...
يحتل اليمنيون نسبة 21 في المئة من الجنسيات الأكثر ارتكابا للجنايات. اليمن الدولة التي تحد السعودية من الجنوب، وتشكّل لها المملكة متنفساً من الفقر المتفشي في محافظاتها. يسعى اليمنيون إلى السعودية لإيجاد فرصة عمل، يتسللون ويقيمون بطريقة غير شرعية، يعانون من نظرة دونية. نال اليمنيون نصيبهم الوافي من الترحيل، نشرت الصور على صفحات الإنترنت وفي الإعلام عن اليمنيين المجمعين في الشاحنات بانتظار طردهم إلى بلادهم. وتشكّل تحويلاتهم إلى بلادهم موردا رئيسيا للكثير من الأسر اليمنية. هناك حوالي مليوني عامل يمني في السعودية، طردت المملكة في الحملة الأخيرة حوالي 18 ألفاً منهم، وهو عددٌ مرشح للارتفاع في الأشهر القادمة.
ملف العمالة في السعودية شائك، يتدّخل فيه الجميع، يعود بالنفع وبالضرر على شرائح المجتمع السعودي كافة. العاطل عن العمل يجاهر برغبته في طرد الأجنبي من على أرضه، الذي يأكل فرصته في العمل والسكن. أمّا السعودي صاحب المراكز والمموّل والغني، فيغرّد في سربٍ آخر، يرى في هذه العمالة الطاقة التشغيلية الوحيدة في البلاد، ويرى في كونها سائبة فرصة تعود بالربح عليه.
تغيّر السعوديون. ذهبت صورة المدللين الذين يحتاجون لمن يعمل لديهم. الطاقات الشبابية في المملكة صارت تبحث عن أي نوع من الوظائف، تخلّت عن فكرة رفض العمل الذي لا يناسب إلّا الهندي والفليبيني. للبحث تتمة...

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية تقاتل البعبع

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط...

... فلنمُت إذاً

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن...