الاستشفاء في السعودية: قضاء وقدر

منذ أيام قليلة، انتشرت على تويتر السعودية تغريدة تسخر من وزارة الصحّة السعودية وتقول انّها تقدّم عروضاً تحت عنوان "امرض واربح"، التسبُّب بالإصابة بالايدز يمنحك آيباد. شلل نصفي: ميني باد. غيبوبة: آي فون 5. إجهاض: غالكسي. فقد حاسة: بلاك بيري.لم تأتِ النكتة من العدم بل جاءت كردّ فعلٍ بسيط على الفضيحة التّي تشغل السعوديين ووسائل إعلامهم، بعد أن قام وزير الصحة السعودي عبد الله الربيعة بمنح
2013-02-20

مريم ترحيني

كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية


شارك

منذ أيام قليلة، انتشرت على تويتر السعودية تغريدة تسخر من وزارة الصحّة السعودية وتقول انّها تقدّم عروضاً تحت عنوان "امرض واربح"، التسبُّب بالإصابة بالايدز يمنحك آيباد. شلل نصفي: ميني باد. غيبوبة: آي فون 5. إجهاض: غالكسي. فقد حاسة: بلاك بيري.
لم تأتِ النكتة من العدم بل جاءت كردّ فعلٍ بسيط على الفضيحة التّي تشغل السعوديين ووسائل إعلامهم، بعد أن قام وزير الصحة السعودي عبد الله الربيعة بمنح طفلة نُقل لها دم ملوّث بمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) جهاز آيباد لا أكثر.

: لطيف فعلاً.. نعتذر على غلطة الدم الملوّث بڤيروس الايدز.. وهذه هدية منا.. العبي “آنچري بيرد” إلى أن يزورك عزرائيل!

: هل الغباء هو السبب في فشل وزارة الربيعة في التعامل إعلاميا وشعبيا مع قضية رهام؟ أم انهم أصلا لا يهمهم سخط الناس؟

: أخي المريض، العلاج عندنا ثلاث فئات: آيباد للأيدز، آي فون لتليف الكبد ، آي بود للزكام .. ودمتم سالمين..

: الاَولى بالايباد يا سعادة الوزير موظفين وزارتك، هم المحتاجون للتطور والمتابعه وإدخال البيانات. رهام تحتاج الى دم سليم فقط.

: في السعودية 1 انسان = 1 آيباد، أسعار خاصة للجملة.

اسمها رهام، عمرها ثلاثة عشر عاما، فتاة سعودية من منطقة جازان، دخلت المستشفى بمرض نقص في الدم وخرجت منه حاملةً لمرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز). كيف حدث ذلك؟ نقل لها المستشفى الحكومي الذي دخلت إليه دماً ملوّثًا بالمرض من دون أن يخضع لأيّ فحصٍ دقيق. انتشرت الفضيحة الجديدة لوزارة الصحّة السعودية، الطفلة حملت الإيدز من دم شاب لم تكن المرّة الأولى التي يتبرع فيها لهذا المستشفى بالذات. لم تفعل الوزارة شيئاَ. أعفت عن بعض المسؤولين المباشرين، من مدير المستشفى ومدير بنك الدم ومدير برنامج مكافحة الأيدز في منطقة جازان. منحت الطفلة بعض العقاقير المضادة، وأهدتها جهاز آيباد، ووعدت بتطبيق معايير أكثر صرامةً في المحاسبة لمنع تكرار الحادثة.
أهل الطفلة رفضوا المسلك الرسمي، وطالبوا بالاقتصاص. المجتمع السعودي الافتراضي سخر من طريقة معالجة الموضوع، واعتبر أنّ هذه الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وسائل الإعلام من صحفٍ ومواقع إلكترونية استنفرت للكشف عن ضحايا آخرين وقعوا في فخّ إهمال المستشفيات والاستهتار بصحّة المريض.
يخاف السعوديونن أن تنام هذه الفضيحة كما نامت غيرها من الفضائح، فالأمر يمسّ حياتهم بشكل مباشر، ويضعها في دائرة الخطر مع كل دخول من الباب الأمامي للمشافي المنتشرة على طول المملكة. الضحايا يتكاثرون، والعاهات التي تخلفها الأخطاء تبدو في أغلبها مستديمة أو أنها تأخذ معها الأرواح التّي بلغ عددها، وفق إحصاءات رسمية، حوالي 2500 ضحية سنويًا، تقديرٌ يشكّك به كثيرون ويقولون انّ الأرقام أعلى من ذلك بكثير.

الأخطاء الطبية أمرٌ شائع في كلّ دول العالم، وليس في السعودية وحدها. لكن هذه الأخيرة من أكثر الدول التّي تعوم فيها هذه القضايا على السطح من دون أن تتم معالجتها بطريقة ترضي أًصحاب العلاقة. فالخطأ يتم الحديث عنه بعد أن يتقدّم أهل الضحية بالشكوى لوزارة الصحّة، ولا يتم رصده من قِبل المستشفى أو الطبيب مسبقا.
خطأ طبي أحدث تشوّهاً في وجه رضيع والطبيب يقول انّها خدوشٌ بسيطة، خطأ طبي أودى بحياة المريض والطبيب يقول انه قضاء وقدر. نقصٌ في الأكسجين، خلعٌ للورك، صرف عقاقير ذات تأثيرات جانبية خطيرة، كلها أمور صارت تحدث بوتيرةٍ متزايدة، أحصت وزارة الصحّة منها 25900 خطأ طبي في السنوات ما بين 2001 و2006، لترتفع بنسبة 86 في المئة في السنوات الخمس الماضية.
العديد من الشكاوى التي قدمت أدّت إلى الكشف عن أشخاصٍ يزاولون المهنة من دون شهاداتٍ طبيّة، أكثرهم من المقيمين. وهذه الشكاوى، إن تمّ البتّ فيها بعد مدّة غير قصيرة، غالباً ما تترواح عقوبتها بين تعويضٍ مالي وسجنٍ لفترة معينة، أو سحب رخصة المزاولة. وحتّى لو تمّ إصدار عقوبة أخرى، كتلك التي تمّ بموجبها إغلاق غرفة عمليات جراحية تابعة لمشفى، فإنّ غياب الرقابة في تطبيق العقوبة دفع إدارة المستشفى إلى التحايل على القرار وفتح غرفة عمليات داخلية مخفية تغيب عنها أصول السلامة، ولا يهمّها سوى المقابل المادي الذي تناله من المريض.
أمام الحوادث المفجعة التّي بات يطالعها السعوديون في أخبارهم يومياً، تلاشت ثقتهم بوزارة الصحة ومستشفياتها. فبغياب الرقابة الفعلية، والتراخي في تحمل المسؤوليات من قبل الأطباء أو إدارة المستشفيات التي تحولت إلى أماكن لتكديس الأرباح، يجد السعودي نفسه كبش يُقدّم على مذبح القدر. فإن شفي حصد الطبيب الإعجاب، وإن مات فهذا قضاء الله الذي لا يمكن رده.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية تقاتل البعبع

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط...

... فلنمُت إذاً

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن...