العلاقات الإسرائيلية الأميركية وتبييض الأموال

من الواضح أن الهيمنة الأميركية لم تعد تعتمد كثيراً على القوة المباشرة، بل ونتيجة العولمة، أصبحت ترتكز أكثر فأكثر على التكنولوجيا (التنصّت) وعلى القوة المالية من خلال فرض العقوبات على الدول والأفراد. وهذا الشق الأخير لم يكن ممكناَ لو لم تقم بالسيطرة على المصارف. فعمدت الإدارة الأميركية إلى سن قوانين لمكافحة الإرهاب تسمح لها بالتدخل في المصارف الأجنبية (Patriot Act) بعد أن كانت سنت قوانين (W8)
2015-03-19

شبل سبع

باحث في الاقتصاد، واستاذ جامعي في فرنسا


شارك
| en
ريما المزين-فلسطين

من الواضح أن الهيمنة الأميركية لم تعد تعتمد كثيراً على القوة المباشرة، بل ونتيجة العولمة، أصبحت ترتكز أكثر فأكثر على التكنولوجيا (التنصّت) وعلى القوة المالية من خلال فرض العقوبات على الدول والأفراد. وهذا الشق الأخير لم يكن ممكناَ لو لم تقم بالسيطرة على المصارف. فعمدت الإدارة الأميركية إلى سن قوانين لمكافحة الإرهاب تسمح لها بالتدخل في المصارف الأجنبية (Patriot Act) بعد أن كانت سنت قوانين (W8) تجبر المصارف نفسها على التصريح عن جنسية زبائنها منعاً لتبييض الأموال وتهريبها من الضرائب. كل ذلك سمح لها لاحقاً بتنفيذ سياسة تعدت إطارها الأولي لتصبح أداة ضغط سياسي على الدول من خلال المصارف الأجنبية لخفض القروض. ورأينا الضغوط التي مورست على روسيا (بنك سوسيتيه جنرال وغيره) وإيران (غرامة 9 مليارات دولار على بنك BNP) وسويسرا (UBS لعدم التصريح عن الزبائن الأميركيين)، وعلى اليونان من قبل أوروبا، وعلى لبنان (بنك المدينة واللبناني الكندي والبنك العربي) الخ ..
الجديد بالأمر، وهو يحدث لأول مرة، أن ثاني أكبر بنك إسرائيلي ("لومي") اعترف للعدالة الأميركية، وبعد تحقيقات طويلة، أنه ساهم بتهريب الأموال الأميركية إلى إسرائيل للتّهرّب من الضرائب، وأن أكثر عملائه يملكون الجنسية الإسرائيلية إضافة إلى الأميركية. وأهمية فضيحة بنك HSBC الأخيرة، حيث كشفت في الصحف أسماء المودعين المتهربين من الضرائب. ووصلت الغرامة على بنك لومي إلى نصف مليار دولار تقريباً، أي حوالي 8 في المئة من رأسمال البنك. إضافة إلى ذلك، وكما ورد في الاتفاق المعلن الشهر الماضي، سيساعد البنك الإسرائيلي السلطات الأميركية على كشف أسماء الزبائن المتهربين من الضرائب، وكذلك المصارف الإسرائيلية الأخرى المتواطئة في ذلك.
قد يبدو للوهلة الأولى أن ما يجري مع بنك لومي غير مهم بحد ذاته، وأنه شبيه بما حصل مع المصارف الأخرى، وخاصة السويسرية منها. إلا أنه بالتدقيق، ندرك أن المسألة أكثر خطورة وأهمية من سابقاتها من ناحية الآلية، والمضمون، والتوقيت.

الآلية والمضمون

المصارف السويسرية الملاحَقة من قبل الولايات المتحدة الأميركية اضطرت إلى الاعتراف بتهريب الأموال الأميركية نتيجة عدم التصريح عن الزبائن الأميركيين لإدارة الضرائب من خلال غض النظر عن جنسياتهم. أما مسألة بنك لومي فهي مختلفة وأكثر تعقيداً كما قال أحد الزبائن الذي وشى بالأمر للسلطات الأميركية تهرباً من السجن. ففي مقابلة مع CNBC بتاريخ 19 شباط/فبراير 2015، يعلمنا صاحب موقع الكتروني أفلس منذ فترة، أنه أبلغ السلطات الأميركية سنة 1989عن آلية تهريب الأموال من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وان أحداً لم يأبه لذلك، حتى أن بنك لومي لم يلاحَق آنذاك. ويفسر ذلك بعدم كفاءة الإدارة الضريبية. يعطينا هذا الشخص تفاصيل كثيرة عن هذه الآلية، إذ كان موظف البنك يعمد الى نقل حقائب محملة بالأموال من الولايات المتحدة إلى مصرف لومي في إسرائيل. ولم يكن القانون الإسرائيلي يمنع ذلك.
أما كيف يتمّ بعد ذلك استعمال تلك الأموال من قبل مودعيها في الولايات المتحدة فمسألة سهلة نسبياً: يعطي فرع بنك لومي في أميركا قروضاً بفوائد مرتفعة جداً، ويدفع للشخص نفسه فوائد على الودائع مرتفعة جداً في إسرائيل. هكذا ترتفع أرباح المتهرّب بسرعة إذ أنه لا يدفع ضريبة على الفوائد التي يقبضها في إسرائيل بينما يخفف من ضرائبه في الولايات المتحدة. ويضيف سام أنتر، وهو المدير المالي لشركة "كريزي إدي" أن العلاقات مع بنك لومي لا تقتصر على ذلك، إذ ساعد هذا الأخير على نفخ مداخيل الشركة اصطناعياً بهدف زيادة رأسمالها قبيل بيع أسهمها بسعر عالٍ. وهذه العملية تمّت عبر شركة وهمية في أميركا اللاتينية.

التوقيت

أما السؤال الأساسي فيدور حول التوقيت. لماذا صدر الحكم الآن، مع الإيحاء بأن البعض الآخر من المصارف الإسرائيلية متورّط في عمليات مشابهة. لماذا لم تعلن كل تلك المسائل في التسعينيات أو مع فضائح البنوك السويسرية؟ الجواب بالطبع موجود في العلاقات السيئة بين الإدارة الأميركية وإسرائيل، والذي عبر عنها رامسفيلد على فوكس نيوز (في 24 شباط 2015) بقوله إنها "لم تكن أبداً بهذا السوء"، مع إلقاء اللوم طبعاً على الإدارة الأميركية. ما يحصل الآن من تحدي نتنياهو لإدارة أوباما ومن ردّ الإدارة مواربة ليس إلا بداية معركة طاحنة هي الأولى من نوعها منذ عهد رئاسة جون كندي واشتباكه مع إسرائيل حول الملف النووي، والذي انتصرت فيه إسرائيل آنذاك.

خلاصة

دخلت علاقات الإدارة الأميركية مع إسرائيل مرحلة جديدة، وهي معركة كسر عظم بدأت ولن تقف الآن على الأرجح. وإذا كان رهان نتنياهو هو تأجيل الاتفاق الإيراني الأميركي حتى الانتخابات الأميركية المقبلة، فرهان إدارة أوباما هو إسقاط نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. انتظروا الكثير من الفضائح!

* أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون - باريس

للكاتب نفسه

سبعة اسئلة ملحة للبنان المنكوب

شبل سبع 2020-02-21

ماذا يعني وضع لبنان تحت قبضة صندوق النقد الدولي الخانقة؟ أين الاحتياطي الرسمي من الذهب، وما هي قيمته الفعلية اليوم؟ من عطّل التنقيب عن الغاز بانتظار استكمال إسرائيل لمد شبكات...

"أميركا أولاً": قوانين لعبة جديدة

شبل سبع 2017-02-15

أعضاء إدارة ترامب مناهضون للمؤسسات القائمة، ولا يمثلون الأفكار المسيطرة في مختلف الدوائر المالية والنفطية والعسكرية وحتى الدينية. وإجمالا يسعى كل رئيس جمهوري لتعديل ميزان القوى العالمي.

من العولمة الليبرالية إلى القومية الحمائية

شبل سبع 2016-12-01

من المرجَّح أن يطبّق ترامب استراتيجية قائمة على "انعزالية/ مافياوية أكبر، وعلى حماية اقتصادية أقوى"، بعدما فشل أوباما بتحسين الميزان التجاري والدين العام الأميركي. مهمّة ترامب هذه ليست أسهل من...