عاش البوليس!

بدأ شهر تموز/يوليو 2015 دمويا. تابعت جدتي الصور المروعة على التلفزيون، تسألني عن البلدان التي جرى فيها ذلك. أقول لها: تونس وسوريا والعراق والصومال ومصر. تسأل جدتي: مصر مسلمون، والآخرون كلهم أيضا؟ نعم مسلمون. فعلقت جدتي بالمثل "إذا رأيت جارك يَحْلِق فبلل شعرك". أي سيصل دورك قريبا، وحمدتْ الله لأن الأولياء والصلحاء يحفظون المغرب. من جهتها، تسهر الدولة المغربية على تبليل شعرها.
2015-07-08

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
أحمد قاسم - مصر

بدأ شهر تموز/يوليو 2015 دمويا. تابعت جدتي الصور المروعة على التلفزيون، تسألني عن البلدان التي جرى فيها ذلك. أقول لها: تونس وسوريا والعراق والصومال ومصر. تسأل جدتي: مصر مسلمون، والآخرون كلهم أيضا؟ نعم مسلمون. فعلقت جدتي بالمثل "إذا رأيت جارك يَحْلِق فبلل شعرك". أي سيصل دورك قريبا، وحمدتْ الله لأن الأولياء والصلحاء يحفظون المغرب.
من جهتها، تسهر الدولة المغربية على تبليل شعرها. تتوقع أن يحل دورها ويقص الإرهاب عُرْفها. لذلك تبذل جهدا هائلا للوقاية من إرهاب جديد لا يضرب ويهرب بل يسيطر على الأرض. وهذا عرض لوقائع الأسابيع القليلة الماضية:
في 1/7 أوقف البوليس في مدن مغربية مختلفة تسعة أشخاص ينشطون في "خلية الموالين للدولة الإسلامية"، والسبب هو الإشادة بالأعمال الإجرامية التي يتبناها التنظيم في سوريا والعراق وخارجهما. ووفقا للمحققين، فقد عمل المشتبه بهم على ربط قنوات اتصال بالتنظيم الإرهابي، وحثوا المتطوعين الشباب للقتال ضمن صفوفه. وقد حصّلوا خبرات عالية في مجال تصنيع المتفجرات واستعمال الأسلحة. كما عمل المعتقلون على ترويج الفكر المتطرف الذي يتبناه التنظيم الإرهابيّ. وقد بايعوا أبا بكر البغدادي وانخرطوا كليا في أجندة "داعش". في 1/7 تم توقيف ثلاثة أفغان بمطار مراكش في طريقهم إلى الدنمارك مستعملين جوازات سفر باكستانية مزورة، وبحوزتهم رسائل مشبوهة ذات حمولة جهادية. جرى هذا في مراكش عاصمة السياحة التي تدر على البلاد ملايين الدولارات. بعد الاعتقال، سارع وزير السياحة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من الفوضى المحيطة، فصرح لوكالة الأنباء الإسبانية "إفي" أن المغرب يعد من بين الوجهات السياحية الأكثر أمنا". وأكد الوزير بثقة "لا يمكن الخلط بين المغرب ودول أخرى".
من جهة أخرى يتعامل البوليس مع مغاربة مطرودين من أوروبا، آخر مثال من الدنمارك التي سحبت جنسية مواطن مغربي وطردته من البلد دون إمكانية العودة مرة أخرى، وذلك بتهمة ربط علاقات مع تنظيم القاعدة والإشادة بالإرهاب. طبعا لن يفرح بعودته لأرض الإسلام. وهذا حال مغربي طرد من بريطانيا بتهمة الإرهاب فحاول الانتحار بالرباط لأنه يريد أن يعود إلى أرض الكفار. وقد اعتقلته الشرطة ولن نراه قبل سنوات طويلة جدا.
منذ يومين اعتقلت إسبانيا مغربيا بتهمة الدعاية لداعش. صار المهاجرون المطرودون مشكلة مغربية، لذلك يكثف البوليس مراقبة حركتي الأموال والبشر. في الدار البيضاء، تم اعتقال شخص قاتَل في سوريا وهو فرنسي من أصل جزائري. كما تمكن الأمن بمدينة الناظور شمال المغرب في 29/6 من إيقاف مواطن روسي ذي أصول أذربيجانية يتبنى توجهات تكفيرية. هجر بلده باعتباره "دار كفر" وجاء إلى المغرب باعتباره أرض الإسلام، وبعد ثلاث سنوات غير رأيه وشرع يكفر المغاربة..
مع توالي هذه الأخبار، نُشر رجال الأمن بكثافة شديدة في أماكن مختلفة. وهؤلاء بلباس رسمي، أما رجال الأمن بلباس مدني فيصعب إحصاؤهم. ومع ذلك تحصل اختراقات، ففي 2/7 أعلن عن التحاق أفراد من أسرة مغربية بداعش دفعة واحدة. يبدو أنه كلما قُتل لداعش فرد تطوع لها عشرة. وقد حذر الجنرال ديفيد رودريغيز قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) المغرب والجزائر من "دواعش ليبيا". ثم ظهر دواعش مصر، وهذا ما لا يمكن تحمله. فحين يرى المغربي مصر تهتز، فإن العالم الذي كان ينظر لها كفرصة يصير كارثة بسبب العجز عن صد الإرهاب. ومع العجز يزداد الخوف لأن قانون داعش لا يشبه قانون حمورابي.
كتب صحافي مصري على صفحته: "الحمد لله على نجاح الجيش في استرداد الشيخ زويد من يد هذا التنظيم". هل صار "الاسترداد" إنجازا للجيش المصري؟
قبل ذلك أعدم النائب العام المصري هشام بركات في شوارع القاهرة. يبدو أن العمود الفقري للدولة المصرية يتشقق. مصر هي آخر حاجز صد لفوضى الشرق الأوسط من الوصول لشمال أفريقيا. انهارت ليبيا وعدد سكانها أربعة ملايين فسببت القلق لجيرانها. في مصر تسعون مليون شخص. كيف ستصير مصر لو عمّتها الفوضى؟ من سيكون صمّام حماية لشمال أفريقيا من جهة الشرق؟ الفوضى تنتشر. تتعرض الدولة القومية لمحنة. يتزايد منسوب الفوضى داخل الدولة القومية. الفوضى هي مهندسة المرحلة، لذا لا جدوى من التوقع. لم تعد الدولة القومية تتصادم مع مثيلاتها بل تتصادم مع تنظيمات عابرة للقارات. لم تعد مخاطر الأمن القومي المغربي هي تسلح الجارين إسبانيا والجزائر. صار الخطر هو الإرهاب. يزعم وزراء الداخلية العرب حرصهم على اقتلاع الإرهاب من جذوره، لكن الإرهاب ليس نخلة في صحراء، إنه بذور في ملايين الجماجم. تتحدث وسائل إعلام عربية رسمية بفخر عن الضربات القاصمة التي وجهتها للعناصر الإرهابية. في المغرب الإعلام ضعيف. هنا لا يتحدثون ولا يكتبون كثيرا. فقط يعملون.
لكن من يعمل؟ من سيواجه خطر الإرهاب؟
في ندوة نظمها "المركز المغربي للديموقراطية والأمن"، حول "دور الفاعل الحزبي في بلورة السياسات الأمنية"، اعترف سياسيون بعدم امتلاك أحزابهم رؤى للقضايا الأمنية، بل وحتى لديها جهل بهذه الملفات. لا دور للأحزاب في بلورة السياسات الأمنية.
الحل؟ الاستنجاد بالبوليس في كل شيء والأحزاب تبارك: "نثمن عمل جهاز الأمن".
لكن لذلك ثمن. فمدير الشرطة صار وزيرا منتدبا فعليا للداخلية، ومدير المخابرات صار مديرا للأمن: تجميع السلطات الأمنية ومركزة المعلومة في يد واحدة. في مرحلة أخرى كان هذا سيثير اعتراضا. حتى الملك الراحل الحسن الثاني كان يفضل فصل وتضارب الأجهزة الأمنية ليتلقى المعلومة من مصادر مختلفة، فلا تقع في يد جهاز واحد.
لكن الآن الأحزاب "تثمن". هناك اصطفاف شامل خلف جهاز الأمن. الدولة هي الأمن وهي تحتكر ممارسة العنف المشروع. بحثت عن شعار للمرحلة فوجدت أنه "عاش البوليس". شعار يمتزج فيه الخوف والطمأنينة.
البوليس عين الدولة ويدها، وفي المغرب لم يضطر الجيش بعد للقيام بمهام الشرطة. البوليس لا ينام. الأمن في حالة تأهب قصوى. من الصعب تحمل التأهب لفترة طويلة.
لكن ما حدود فعالية الأجهزة الأمنية؟ كم من مرة سيتمكن البوليس من إحباط عمليات إرهابية؟ مهما كان، ستبقى نسبة صغيرة لصدفة قد تأتي ليس من خلية نائمة بل من ذئب منفرد.
لكن لحد الآن، لم يقص الذئب شعر المغرب. وتفسير جدتي هو أن الأولياء الصالحين يحمونه كي لا يُحْلق له. حيث يوجد الأولياء لا مكان لداعش. حتى المسؤول الأول عن الأجهزة الأمنية بالمغرب لن ينكر دور الأولياء في صد الصدف الدموية.

 


وسوم: العدد 151

للكاتب نفسه