في المغرب دلع نفطي لمستثمر شقيق

شركة "سامير" توقف توزيع المحروقات وتجمد أسهمها بالبورصة. نزل الخبر كالصاعقة على الاقتصاد المغربي. ففي البلاد مصفاة وحيدة للنفط تزود الشركات ومحطات توليد الكهرباء والسيارات والشاحنات بالبنزين.. هذا هو الخبر الشرير الذي خصصت له الصحافة المغربية حيزا كبيرا رغم تزامنه مع موسم الانتخابات البلدية والمحلية. ثم جاء الخبر السعيد: سيتدخل رجل الأعمال السعودي محمد حسين العمودي، صاحب مجموعة
2015-08-27

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
مصفاة نفط عائة لشركة سامير

شركة "سامير" توقف توزيع المحروقات وتجمد أسهمها بالبورصة. نزل الخبر كالصاعقة على الاقتصاد المغربي. ففي البلاد مصفاة وحيدة للنفط تزود الشركات ومحطات توليد الكهرباء والسيارات والشاحنات بالبنزين.. هذا هو الخبر الشرير الذي خصصت له الصحافة المغربية حيزا كبيرا رغم تزامنه مع موسم الانتخابات البلدية والمحلية. ثم جاء الخبر السعيد: سيتدخل رجل الأعمال السعودي محمد حسين العمودي، صاحب مجموعة "كورال" المالكة للنسبة الكبرى من "سامير"، لإنقاذها من الإفلاس الذي يتهددها بسبب مديونيتها المرتفعة التي تتجاوز 3.7 مليار دولار. يقضي الخبر السعيد زيادة رأسمال الشركة بما يعني زيادة الأسهم التي يملكها المستثمر الأجنبي. عمت السعادة لأن البنزين أهم من الانتخابات.
بعد أيام اتضح أن الخبر السعيد غير صحيح، فاقتربت الأزمة من وريد الاقتصاد. قال الأمين العام لجمعية موزعي المحروقات، إن "شركة سامير كانت تساهم في تأمين ثُلث حاجات محطة إنتاج الطاقة الكهربائية التابعة للمكتب الوطني للكهرباء بمدينة المحمدية، وقد تبين أنها لا تتوفر على قطرة واحدة من الفيول الموجه لهذا الاستخدام، وهو ما دفعنا إلى التحرك بسرعة". واستطرد: "لقد اتضح أن شركة سامير لا تحوز على الفيول الصناعي الموجه لقطاعات الصناعات التحويلية، ولا على أي احتياطي، أو حتى كميات قليلة من وقود الطائرات ووقود البواخر".
كثرت السيارات في محطات البنزين التي تتزود بالوقود من باب الاحتياط. كثيرون ملأوا خزاناتهم وقللوا من حركتهم في الاتجاهات البعيدة. أعلنت الحكومة عن مخطط مستعجل يؤمّـن حاجات المغرب من المحروقات لمدة شهر. خف التوتر قليلا وانطلق تفكير جماعي: أدين القرار الأحادي للشركة بتوقيف الإنتاج. وفجأة تنبه المغرب إلى أنه وضع كل بيضه في سلة نفط واحدة، وهي مهددة بالتوقف. استغرب المعلقون حدوث الأزمة عندما انهارت أسعار النفط: هذه الأزمة ليست بنت السوق.
قال النفطيون المغاربة: "سَامِير" تروّج معطيات تمكّنها من "الهروب". فهي لم تدفع منذ خمس سنوات الضرائب التي بذمتها. يبدو أن السعوديين لا يدفعون الضرائب في بلدهم ويريدون ممارسة الشيء نفسه في المغرب. غيرت الحكومة المغربية من نبرتها في تعاملها مع ملف الشركة، حيث قال مصدر في وزارة المالية أن المستثمر العمودي ضغط بقوة من أجل عقد لقاء مباشر مع وزراء المالية والطاقة للحصول على إعفاءات وتسهيلات حصل على مثلها من حكومات سابقة. ولكن الصحف تخمِّن في ظل الصمت أن الحكومة تريد من السعودي دفع ما عليه.
هنا بدأت الاسئلة الملغومة: كيف سمح له بالتسهيلات؟ لا جواب عن الماضي، وهناك مطالب للمستقبل: طالبت علنا نقابات المستخدمين في الشركة، وهم أكثر من 1200 شخص، بحماية البلاد من تصادم الفاعلين الاقتصاديين، ونصح المتهامسون بالبحث عمن يملك باقي ثلث شركة سامير التي تبعد عن العاصمة خمسين كيلومتراً.
توالت الأخبار الحازمة على صفحات الجرائد وفي المواقع الإلكترونية: سلطات المملكة "لن ترضخ لأي ابتزاز يتعلق بأمنها الطاقي". وقد رفضت الجمارك السماح للشركة بإفراغ شحنات النفط في ميناء المصفاة قبل تسديد الديون.هذه هي الوقائع.. ولكن لا تفسير لها. فالتفسير يرتبط بسؤال يطوف على الألسنة ولا جواب له في الصحافة المغربية: من يملك ثلث الشركة الأخير؟ حسب ويكيبيديا، فهناك شركتان مغربيتان تملكانه. واحدة تملك أصغر نسبة - خمسة في المئة - يديرها شاب بلغت ثروته 270 مليون دولار في سن الثالثة والعشرين، حسب مجلة فوربيس. لو عرف المغاربة من يملك فعلا باقي رأسمال الشركة وليس من هو مجرد واجهة، لفهموا ما يجري.تشتم رائحة ابتزاز عفنة. فشركة "سامير" المتخصصة في تكرير البترول، تمت خصخصتها في 1997. وهي مُنحت لمستثمر سعودي بأقل من 30 في المئة من قيمتها الحقيقية: اشتراها بقرابة 400 مليون دولار، بينما يقدر ثمنها الحقيقي بمليار دولار، مما فوت على خزينة الدولة أموالا طائلة. بيعت الشركة في أيام الغفلة، وآن أوان الدفع في زمن الأزمة، مع أن رقم معاملات الشركة بلغ ستة مليار دولار سنة 2013.
السؤال: لماذا باعت الدولة شركة تربح؟
في نهاية 2002، اندلع حريق في مقر الشركة وشاع الهلع، ولم تتحرك الحكومة. وبداية 2003 قال ابراهام السرفاتي ـ وهو مهندس طاقة وسجين سياسي ـ إن خصخصة الشركة لم تكن في محلها ووصف قرار الحكومة بالساذج. وهاجم وزير الخصخصة حينها، الذي باع الشركة ثم صار مديرا عاما لها بعد مغادرته للوزارة. مرت السنوات، وصح تحليل أبراهام السرفاتي. وحل اليوم الذي تتعرض الدولة للابتزاز في عصبها. كانت المؤشرات تتوالى ولا يقرأها أحد. ففي 2012 طلب رجل الأعمال السعودي من وزير المالية التدخل لدى البنوك المغربية لتسليفه. كيف تم اكتشاف ذلك فجأة، ومن حماه مذاك ولأربع سنوات؟
حصلت الأزمة، بالرغم من أن سعر البنزين مرتفع في السوق المغربي وبالرغم من أن المغرب لا يشتري كل حاجاته النفطية بثمن السوق، بل يحظى بامتياز دفع سعر خاص منخفض لدول الخليج التي يتحالف معها في السراء والضراء.
المتغير الأساسي في المشهد هو أن الحكومة الحالية قد ألغت دعم المواد النفطية، فظهر المشكل. حررت سعر النفط، ولم تعد خزينة الدولة تتحمل فارق السعر الذي حرم الشركة من مليارات الدولارات.. كان هذا إنجازا لحكومة بنكيران لإنقاذ ميزانية الدولة. لكن لم يُسمع صوت رئيس الوزراء بصدد أزمة "سامير" رغم أنه عادة يعلق على أشياء صغيرة.
في صيف 2015 جاء رجل الأعمال السعودي إلى الرباط، وكان يتوقع أن يستقبله الوزراء كالعادة. لم يستقبله أحد، فذهب إلى طنجة لملاقاة الملك سلمان بن عبد العزيز كما نشر موقع "هسبريس". ويبدو أنه تلقى إشارات قوية مباشرة من المحيط الملكي السعودي بضرورة تسديد كل ديونه المترتبة عليه للدولة المغربية، وتسوية وضعيته المالية مع مصارف المغرب في أقرب الآجال.. بعدما لم يتأتَ له حضور الغداء الأسبوعي الذي ينظمه الملك سلمان في مقر إقامته بطنجة.

للكاتب نفسه