حزبان مغربيان في الواجهة

السلطة تستخدم الإسلاميين لتبريد الشارع وتستخدم اليساريين لكبح الإسلاميين! عاد الملك من الصين بعد عطلة طويلة، ووجد نخب البلاد تكاد تفترس بعضها. اشتد الجفاف ووقعت عدة هزات أرضية فسرها الشامتون بأنها عقاب رباني للفاسقين المغاربة. قتل طالب في صراع الفصائل الطلابية في جامعة أغادير. تعطلت لغة التواصل بين الفرقاء السياسيين وصار الشارع هو ساعي البريد بينهم. كل طرف ينزل الشارع
2016-02-04

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
ماحي بنبين

السلطة تستخدم الإسلاميين لتبريد الشارع وتستخدم اليساريين لكبح الإسلاميين!

عاد الملك من الصين بعد عطلة طويلة، ووجد نخب البلاد تكاد تفترس بعضها. اشتد الجفاف ووقعت عدة هزات أرضية فسرها الشامتون بأنها عقاب رباني للفاسقين المغاربة. قتل طالب في صراع الفصائل الطلابية في جامعة أغادير. تعطلت لغة التواصل بين الفرقاء السياسيين وصار الشارع هو ساعي البريد بينهم. كل طرف ينزل الشارع بمسيرة مليونية شفوية لزيادة خمسين دولارا في منحة طالب أو إعفاء الأطباء من العمل بالبوادي (الأرياف) أو السماح بوقوف السيارات مجاناً في شوارع العاصمة أو تخفيض فاتورة الكهرباء.. مسيرات يدعمها اليسار واليمين و "جماعة العدل والإحسان" الإسلامية وبقايا "حركة عشرين فبراير".. كل الأطياف مع وضد. في هذه الأجواء المتوترة برز حدثان:

 الأول هو عقد المؤتمر الثالث لـ "حزب الأصالة والمعاصرة" وانتخاب إلياس العماري زعيماً بالإجماع. وصف المؤتمر بأنه "ستاليني"، ولم يكن ذلك قدحاً بل مدحاً لقدرة الزعيم على فرض الانضباط. زعيم لديه استراتيجية وقد وجه دعوة لليسار للالتحاق به. ويبدو أن تشاوراً سابقاً جرى قبل الدعوة، والدليل أن محمد اليازغي، وهو شخص جاد ووزير سابق وزعيم سابق لحزب الاتحاد الاشتراكي، صرح لجريدة حزب الأصالة والمعاصرة (وهي لم تتم الشهر الثاني من عمرها) أن "حزب العدالة والتنمية" (الحاكم) أوقف الانتقال الديمقراطي. وقد رفض حزب العدالة والتنمية تهنئة العماري بالمنصب بينما هنأه جلالة الملك واستقبله وقدم له نصائح "نيرة".

 والحدث الثاني هو تحديد موعد الانتخابات التشريعية المغربية في تشرين الاول/أكتوبر 2016. هذه أول انتخابات بعد دستور الربيع المغربي/الأمازيغي وبعد وصول الإسلاميين المعتدلين للسلطة فجأة بفضل إحراق البوعزيزي لجسده. الرهان كبير على هذه الانتخابات لكل الأطراف. حاليا الطناجر الحزبية توضع على النار.

 بهذه اللقطة يكون مشهد الاستقطاب الحزبي قد اتضح. ستجري المعركة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه صديق الملك "فؤاد عالي الهمة" في 2008. لكن الحزب ثبّت أقدامه على الأرض كضرورة سياسية. ويبدو أنه يسعى لتشكيل تحالف واسع أشبه "بنداء تونس" له وظيفة محددة هي هزيمة الإسلاميين في الانتخابات.

 بعض قادة حزب الأصالة والمعاصرة لم يتفهموا هذه التوجه الذي فرض خطوات هجينة. منهم رئيس فريق الحزب بمجلس النواب الذي كتب يشتكي اختناق حزبه. وسبب الاختناق أن "الحزب عصي الفهم، معقد الضبط، يستوعب المنخرطين دون أن يستوعب هؤلاء طبيعته وخباياه، يعيش بين السرية في أذهان قيادييه "ربما لأنها من ثقافة اليسار"، وبين العلانية في الوجود السياسي "ربما من ثقافة القرب من النظام".

 فعلاً يصعب على المتحدث، وهو محامي بلمسة قبلية، أن يفهم حزبه وهو حزب علني مقرب من النظام ويشتغل بالسرية من تأثير اليساريين فيه. لو بحث في وظيفة الحب بدل ماهيته لفهم! لفهم لماذا ندد حزب الاتحاد الاشتراكي سابقاً بحزب الأصالة والمعاصرة بدعوى أنه ولد في رحم وزارة الداخلية ولأنه ولأنه... والآن يرى فيه أملا جليلا لإنقاذ الانتقال الديمقراطي.

 وهذه محاولة عدمية لتتبع خيوط السياسة الحزبية المغربية.

 في القرآن ستون حزباً وفي المغرب ستة وثلاثون حزبا. عندما يشم الحزب رائحة الانتخابات تتصلب الأجزاء الرخوة فيه وتنبت له قرون استشعار ويظهر له زبائن، وعلى قدر زبائنه تكون أسنانه.. وإذا استشعر الخطر يخرج لسانه ليلدغ.. وهذا يجعل الحزب المغربي ظاهرة ظرفية أكثر منه حركة ممتدة في الزمن. يقع المثل الأعلى للتنظيم الحزبي لدى النمل، لكن الحزب المغربي أقرب لسلوك الصرصار.

 لا يسعف قاموس العلوم السياسية في وصف المشهد الحزبي المغربي الذي لا يدخله إلا من رخصت له وزارة الداخلية بعد قبول قوانين الصيغة المغربية للعبة الديمقراطية. ومن هذا المنظور سيقرر بعض المحللين إن الأحزاب المغربية شكلية وتابعة.. فيستنتج ملاحظ سطحي أنها غير مؤثرة. ولذلك قد يكون التصوير أبلغ من المفاهيم:
تلعب الأحزاب المغربية كرة القدم في ملعب كرة السلة. يصعب التسجيل في سلة صغيرة معلقة في سور القصر الملكي. مع ذلك ممنوع التوقف عن اللعب لأن التوقف سيتسبب في فراغ الملعب فيملؤه لاعبون يركلون مَن حولهم بدل ركل الديمقراطية.

 اللعب ليس هدفه الوصول للشباك دائماً، وظيفة بعض الأحزاب على خانة الاحتياط أفضل. بعض المتحزبين لا يستطيعون هضم هذه القواعد فيشعرون بالاختناق فيصرخون قليلا، لكن لا يستقيلون.
للتذكير، والذاكرة لعنة للسياسيين. فالحزب المختنق هو حل لاختناق سابق. ما هو الاختناق السابق وما هو سبب الاختناق الحالي وما حله؟

 انتبهوا، هناك أربع محطات موزعة على العشر سنوات الخيرة:

 - أولاً، الأزمة: بعد انتخابات 2007، ظهر اختناق سياسي مغربي بسبب ضعف الأحزاب وضعف المشاركة في الانتخابات، وكاد الإسلاميون يكتسحون المشهد لولا حكمة وزارة الداخلية أعزها الله.
- ثانيا، حلها: تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في 2008 وشُتم بكل النعوت. سماه الاشتراكيون "الوافد الجديد" والطارئ واللقيط. وسماه رئيس الوزراء بنكيران وكر التماسيح والعفاريت.

 - ثالثا، استفحال الأزمة: صعد الإسلاميون في الانتخابات التشريعية في 2011 ووصلوا للحكومة وأكدوا قوتهم وفازوا في الانتخابات الجماعية في أيلول/سبتمبر 2015.

 - رابعاً، الحل في 2016: الإسلاميون حراس أخلاق وليبراليون متوحشون. جماعة العدل والإحسان تعترض على استمرار عبد الإله بنكيران وتساهم في المسيرات ضده. وقد كتب صحافي مغربي تربى في حضن جماعة العدل والإحسان ما يلي على صفحته في الفايسبوك "السياسة فضحت بعض الإسلاميين المغاربة، أو قل معظمهم، وأظهرت أنهم يفتقدون إلى أبسط مبادئ الأخلاق، فالأفواه المتمضمضة تخرج منها رائحة الكراهية، والسواعد المتوضئة لو سلمناها السلاح لتحولت إلى ميليشيات تقتل على الهوية النسبية، فماذا لو خسرنا الكراسي والمناصب وكسبنا أفئدة الناس الذين نختلف معهم. لا أريد أن أعطي بعض الأمثلة ولكن أقول: أيها الإسلاميون عودوا إلى الإسلام!!". وشهد شاهد من عندهم. الحل بالنسبة لنخب كثيرة: يجب ألا يفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/ أكتوبر 2016. من سيتولى تنفيذ المهمة الجليلة؟ حزب الأصالة والمعاصرة الذي اكتسب شرعية انتخابية.

 اللعنة على الذاكرة، يعتبر السياسي الحزبي نفسه "ابن اليوم"، لذا يرفض تذكيره بوقائع الماضي. لقد تغيرت النظرة للحزب وصار محبوباً وضرورة، كرهاً في معاوية.

 ختاماً، إليكم شرح للمشهد الحزبي بالجملة لا بالتقسيط: رغم كثرة اللاعبين والأحزاب، فهذه الكثرة لا تشوش المحلل السياسي محمد الناجي الذي يرى كتلتين، يقول: تستخدم السلطة الإسلاميين لمواجهة الشارع، وتستخدم اليساريين في مواجهة الإسلاميين.

 استنتاج من السوسيولوجي البصاص: هذه الوصفة، أي ضرب هذا بذاك ناجحة. ويجري حالياً إعداد وصفة للانتخابات المقبلة.

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه