توابع صفقة غاز إسرائيل: مفاوضات لاستحواذ الجانب الإسرائيلي على «شرق المتوسط» وأنابيبها

اتفاقات قريبة بين نفس الأطراف لتوريد ضعفي كمية الغاز المتفق عليها.. و«دلوفينوس» المصرية مسجلة في سويسرا..
2018-03-01

شارك

علم «مدى مصر» من مصدر قريب من صفقة استيراد شركة دولفينوس القابضة للغاز الإسرائيلي أن شركتي ديليك الإسرائيلية ونوبل إنيرجي الأمريكية قد بدأتا التفاوض مع المساهمين في شركة «غاز شرق المتوسط» تمهيدًا لشراء حصص المساهمين في الشركة، وذلك حتى تمتلكان الحصة الحاكمة في الشركة لاستخدام خط أنابيب الغاز الواصل بين مصر وإسرائيل في توريد الغاز الإسرائيلي لمصر وفق الصفقة الجديدة.
وبحسب المصدر، الذي تحدث شريطة عدم كشف هويته، فإن من المقرر البدء في التنفيذ الفني لتعديل خط أنابيب الغاز الذي كانت مصر تستخدمه قبل ثورة يناير لتصدير غازها لإسرائيل، ليستخدم للتوريد بدلًا من التصدير؛ إلا أن ذلك التعديل الذي يفترض أن يتم قريبًا ينتظر قيام هيئة قضايا الدولة المصرية بالتوقيع على اتفاقية لعدم الإفصاح non-disclosure agreement تتعهد مصر رسميًا بمقتضاها بألا تلجأ لاستخدام الاتفاقية الجديدة أو المعلومات المتبادلة بشأنها في أية معاملات قانونية تتعلق بقضايا تحكيم قائمة أو محتملة مع إسرائيل أو شركاتها.
وبحسب المصدر، فإن الطلب تم تقديمه لهيئة قضايا الدولة منذ أكثر من شهر ولا يوجد تاريخ محدد للحصول على توقيع القاهرة على الوثيقة.
كما كشف المصدر أن الكميات المتفق على استيرادها من خلال الصفقة المبرمة مؤخرًا تمثل فقط ثلث حجم الغاز المتوقع توريده من إسرائيل إلى مصر، بينما «سيتم التفاوض على باقي الكمية  بنفس الطريقة ومن قبل نفس الأطراف لاحقًا ولكن لم يتم بعد تحديد موعد لذلك» على حد قوله.
وفيما أكدت تصريحات مسؤولين مصريين ووسائل إعلام حكومية مصرية على مدى الأيام القليلة الماضية أن دولفينوس القابضة شركة قطاع خاص مصرية، فإن المصدر المطلع كشف أيضا لـ«مدى مصر» أن الشركة في الواقع مسجلة في سويسرا وليس في مصر؛ فيما ذكر مصدر آخر قريب من دوائر الحكومة المصرية المعنية بالصفقة أن رجل الأعمال المصري علاء عرفة ليس الشريك الوحيد بدولفينوس وأن لديه شركاء آخرين من قطاع الطاقة في مصر سيتم الإعلان عن أسمائهم قريبًا.

وكانت شركتا نوبل انيرجي وديليك قد أعلنتا قبل أيام توقيع اتفاق لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى شركة دلفينوس القابضة بقيمة 15 مليار دولار، وذلك من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين.

‫وبحسب بيان الشركتين، فإن اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر مدته عشر سنوات، ويشمل بيع كمية إجمالية قدرها 64 مليار متر مكعب. ووفقًا للشركة فإنه قد يتم نقل صادرات الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط القائم بالفعل.

وأضاف المصدر القريب من الصفقة أن السعر الذي ستسدده شركة دولفينوس لإسرائيل مقابل شراء الغاز «يعد أقل بكثير جدًا من السعر الذي دفعته مصر خلال العامين الماضيين لتلبية متطلباتها من الغاز المسال»، مشيرًا إلى أن ما أنفقته الحكومة المصرية خلال العامين الماضيين تخطى حاجز الثلاثة مليارات دولار، «في حين أن هذه الكميات نفسها لن يزيد ثمنها عن 1.5 مليار دولار بالسعر الذي سيتم الشراء به من إسرائيل»، بحسب المصدر.

ولم تكشف أطراف الصفقة حتى الآن عن سعر بيع الغاز الإسرائيلي المورد لمصر. لكن المصدر قال إن السعر الذي حصلت عليه مصر في هذه الصفقة «سيحسن حتمًا فرص تفاوض مصر مع أي شركة تنقيب في المستقبل، ما يعني أن صفقة مصر القادمة مع أي شركة غاز ستكون بشروط أفضل لمصر من تلك الموقعة مثلًا مع شركة إيني بشأن حقل ظهر، في ضوء السابقة المتعلقة بالتوقيع مع اسرائيل».

ومن المتوقع أن يصل الغاز الإسرائيلي إلى السوق المصرية خلال العام القادم، وفقًا لما قاله المصدر، الذي أوضح أن النية تسير إلى توجيه جزء من ذلك الغاز إلى السوق المصرية لتلبية الاستهلاك المحلي، على أن يتم توجيه باقي الكميات إلى محطات الإسالة المصرية لتصديره إلى الخارج.

المصدر ذاته قال إن من المتوقع أن تبدأ دولفينوس في تسلم ما أسماه «كميات متقطعة من الغاز» بشكل تجريبي في خريف العام الجاري أو مطلع العام القادم، على أن تصل الكميات مع انتظام عمليات الضخ في ربيع 2019 إلى نحو 700 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا.

ويوجد بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول مصنع إدكو، المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضم وحدتين للإسالة؛ والآخر في دمياط ويتبع شركة يونيون فينوسا الأسبانية الإيطالية ويضم وحدة واحدة فقط.

وتساهم وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في مجمع مصنع إدكو من خلال الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» بنسبة 12%، والهيئة المصرية العامة للبترول بنحو 12%، فيما تتوزع باقي الحصص بين شركة بريتش جاز (شل حاليًا) بـ35.5%، وبتروناس الماليزية بـ35.5%، وجاز دي فرانس الفرنسية (إنجي حاليا) بنحو 5%.

كما تدير شركة يونيون فينوسا مصنع دمياط لإسالة الغاز الطبيعي، والذي يخضع لملكية مشتركة بين يونيون فينوسا وشركة إيني الإيطالية بنسبة 80% من المشروع. أما باقي الأسهم فتملكها الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي «إيجاس» بنسبة 10%، والهيئة المصرية العامة للبترول (10%).

حلول قضايا التحكيم

المصدر أكد ما نشره «مدى مصر» العام الماضي من أن التفاوض على استيراد الغاز من إسرائيل كان يهدف بالأساس إلى تخليص مصر من عبء دفع غرامات قضايا التحكيم الدولي، والتي تشمل نحو 1.7 مليار دولار لصالح شركة كهرباء إسرائيل و200 مليون دولار لصالح شركة شرق غاز المتوسط، بالإضافة لإنهاء التحكيم الاستثماري الخاص بالشركاء المعنيين في شركة غاز المتوسط، فضلًا عن غرامة تحكيم محتملة قُدّرت قيمتها بنحو 8 مليار دولار لصالح شركة يونيون فينوسا.

كانت مصادر قد أكدت لـ «مدى مصر» في أغسطس 2017 أن الحكومة الإسرائيلية وافقت «بشكل مبدئي» على تخفيض قيمة الغرامات المحكوم بها، مقابل أن تسمح مصر للقطاع الخاص باستيراد الغاز من إسرائيل، بالإضافة إلى فتح باب التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وأضاف المصدر المطلع على الصفقة أن مصر أدركت أنها تتجه إلى «خسارة محتومة» في ملفات التحكيم القائمة، ولذلك قررت «أننا سنحصل على الغاز [الإسرائيلي] لإسالته بسعر جيد جدًا وسيتم تصديره مسالًا بسعر أعلى أو استخدامه [محليًا] على نطاق واسع في صناعة البتروكيماويات المربحة جدًا»، وفقًا للمصدر.

وأصدرت غرفة التجارة الدولية «ICC» بجنيف في نهاية 2015 حكمًا بإلزام الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» والهيئة العامة للبترول المصريتين، بدفع قيمة التعويض المذكور لكل من شركة غاز شرق المتوسط وشركة كهرباء إسرائيل، بعد قرار القاهرة وقف تصدير الغاز لتل أبيب فى إبريل 2012 في ضوء تعرض أنبوب تصدير الغاز المصري لهجمات متكررة وتحول مصر إلى مستوردٍ للغاز الطبيعي مع تزايد احتياجات السوق المحلية.

وبدأت وزارة البترول والثروة المعدنية في استيراد الغاز المسال منذ عام 2016، وتستهدف الوزارة استيراد نحو 80 شحنة من الغاز المسال خلال العام المالي الحالي لسد احتياجات السوق المحلية من الغاز الطبيعي، بقيمة تصل إلى 1.8 مليار دوﻻر، مقابل 118 شحنة تم استيرادها خلال العام المالي الماضي.

قبرص ومشروع مصر كمركز إقليمي للطاقة

بالتوازي مع سعي شركة دولفينوس القابضة لاستيراد الغاز الإسرائيلي عبر أنابيب شركة غاز شرق المتوسط، فإن التحركات جارية حاليًا للتوصل أيضًا لاتفاق لاستيراد الغاز من قبرص، عبر إيصال حقل أفروديت الواقع في المياه الإقليمية القبرصية بحقل ليفياثان الإسرائيلي، وفقًا للمصدر.

لكن احتمالًا آخر طرحه وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، الذي قال في تصريحات صحفية من لندن أمس إنه «قد تم توقيع اتفاق مبدئي مع الحكومة القبرصية لإقامة خط أنابيب يمتد من قبرص إلى مصر، وهناك مناقشات بدأت مؤخرًا بين الحكومتين في هذا الصدد».

كان الملا قد وقع خلال العام قبل الماضي اتفاقية مبادئ مع يورجوس لاكوتريبيس، وزير الطاقة والصناعة والسياحة والتجارة القبرصي، لنقل الغاز من قبرص إلى مصر عبر خط أنابيب بحري.

مسؤول حكومي قبرصي متابع لملف التعاون الاقتصادي بين مصر وقبرص قال مطلع الأسبوع الجاري في مقابلة مع «مدى مصر» إن «هناك أخبارًا جيدة ستظهر قريبًا، ربما مع نهاية ربيع العام الجاري، فيما يخص قيام مصر باستيراد الغاز من قبرص لإسالته ثم تصديره»، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن تبدأ عمليات توريد الغاز القبرصي خلال عامين من الآن.

المصدر المصري المطلع على صفقة دولفينوس اتفق على أن أي اتفاق مشابه مع قبرص سيستغرق تنفيذه عامين على الأقل، «ليس فقط من أجل بناء خط أنابيب التوريد وإنما أيضًا نظرًا لأن الحقل القبرصي لم تتم تنميته بعد»، مضيفًا أن «الطاقة الاستيعابية لتلك الأنابيب ستصل إلى 700 مليون قدم مكعب سنويًا».

وقال المصدر إن جزءًا من الغاز القبرصي المستورد سيتم توجيهه للاستهلاك في السوق المحلية، على أن يذهب الجزء المتبقي للتصدير من خلال محطات الإسالة -على نفس نمط الغاز المستورد من إسرائيل- ضمن خطة مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

وبحسب المسؤول القبرصي -الذي اشترط عدم ذكر اسمه- فإن تصدير الغاز من قبرص لمصر هو «جزء من مشروع كبير سيشمل أيضا اليونان وإسرائيل وربما دولًا أخرى في شرق المتوسط لما فيه صالح كل هذه الدول»، مشيرًا إلى أن دول حوض شرق البحر المتوسط «لا تكترث إطلاقا بالتهديدات التركية بحق مصر أو قبرص لأن تركيا ليس بيدها شيء لتقوم به لمنع هذا التعاون»، وفقًا للمسؤول.

وبحسب المصدر المصري، فإن توقيع اتفاق استيراد مصر للغاز الإسرائيلي قد «أحبط خطط تركيا لتقديم نفسها إلى دول الاتحاد الأوروبى باعتبارها مركزًا عالميًا لنقل الغاز الطبيعى من الشرق إلى الغرب عبر الخط الناقل للغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية».

وفيما سلّم المصدر بأنه من غير المرجح أن تحل مصر ودول شرق البحر المتوسط محل روسيا كأكبر مزود للغاز الطبيعي لأوروبا، فإنه أضاف أن بإمكان مصر أن تساعد بشكل كبير فى خفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، «كما يمكنها أن تقلل من الأهمية التركية لدى أوروبا، مع حصول القاهرة فى الوقت نفسه على نفوذ أكبر في الأوساط الدبلوماسية الأوروبية».

اليونان وترسيم الحدود

وكشف مصدران على اطلاع مباشر، أحدهما مسؤول حكومي يوناني والآخر دبلوماسي مصري، أن الحكومة المصرية وافقت مؤخرًا على بدء المفاوضات لترسيم الحدود البحرية المصرية اليونانية.

وقامت مصر بترسيم حدودها البحرية مع قبرص عام 2003، في اتفاقية دخلت حيز النفاذ في 2013 بتصديق الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور؛ فيما لا تزال المباحثات الفنية مستمرة بين القاهرة وأثينا بشأن ترسيم الحدود بين البلدين دون أن تنطلق في صورة مفاوضات رسمية. ولم توقع مصر اتفاقًا لتعيين حدودها البحرية مع إسرائيل أو السلطة الفلسطينية حتى الآن.

وقال المسؤول اليوناني إن «مصر قد وافقت مؤخرًا على بدء المفاوضات على الرغم من عدم بدء اليونان ترسيم حدودها البحرية مع تركيا»، مشيرًا إلى أنه من المتوقع البدء في المفاوضات رسميًا عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية في مصر في أبريل القادم بغرض الوصول إلى اتفاقية نهائية لترسيم الحدود قبل الانتخابات التشريعية المتوقعة في اليونان خلال العام القادم.