من المهرجان در إلى الانتخابات سر

العنوان من وحي عسكري، لأن الضباط يسترجعون نفوذهم الذي تعرض للتهديد منذ سقط زين العابدين بن علي في تونس. والمهرجان المقصود هو مهرجان «موازين إيقاعات العالم» بالرباط. فقبيل انطلاقه، أطلق محمد الهلالي القيادي في «حركة التوحيد والإصلاح» ـ وهي الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية - حملة ضد مهرجان «الفجور والرذيلة والعري والعهر...». وكانت هذه هي الحلقة الأولى من
2014-06-11

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
فرقة اولاد بنعكيدة (سيف الأمين)

العنوان من وحي عسكري، لأن الضباط يسترجعون نفوذهم الذي تعرض للتهديد منذ سقط زين العابدين بن علي في تونس. والمهرجان المقصود هو مهرجان «موازين إيقاعات العالم» بالرباط. فقبيل انطلاقه، أطلق محمد الهلالي القيادي في «حركة التوحيد والإصلاح» ـ وهي الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية - حملة ضد مهرجان «الفجور والرذيلة والعري والعهر...». وكانت هذه هي الحلقة الأولى من مسلسل تسلية الشعب خلال صيف 2014. وعنوان المسلسل هو «المهرجانات تهاجم والجمهور يتفرج»: الموسم العاشر. وفجأة، اتفقت وزارة الداخلية والأحزاب في بداية حزيران/ يونيو الجاري على توقيت الانتخابات البلدية التي ستجري في حزيران/ يونيو 2015، على أن تجري انتخابات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) في أيلول/ سبتمبر 2015.
بفضل تحديد موعد الانتخابات الجماعية بعد عام، تحولت الأنظار الساخطة على الموسيقى إلى الانتخابات. ففيها سيُستدعى الشعب ليقول كلمته، ولا يمكن تركه غافلا سنة كاملة. لا بد من بدء الحملة مبكرا لتمييز الأخيار من الأشرار... والحلقة الأولى في المسلسل تسترجع أجواء انتخابات 2009 بين حزب «العدالة والتنمية» و«الأصالة والمعاصرة».
في مفتتح الحلقة، هاجم رئيس الوزراء (من حزب العدالة والتنمية) عبد الإله بنكيران، حزب الأصالة والمعاصرة وحمّله مسؤولية فشل تسيير مدينة الدار البيضاء بسبب التدخل في التحالفات بشكل مستبد، مما دمر تحالفات حزبية طبيعية وصنع بدلا منها تحالفات بين أحزاب متباعدة أيديولوجياً، بغرض إبعاد حزب العدالة والتنمية عن التسيير...
فاصل قصير: في هذا الكلام جواب غير مباشر على مهاجمة الملك محمد السادس لمسيري مدينة الدار البيضاء بسبب العشوائيات والزبالة والطرق المحفّرة والصرف الصحي الذي يصب في شاطئ عين السبع. زرتُ المكان منذ شهر فقط وما زال الماء القذر يصب في البحر. من يصدق؟
نواصل بعد الفاصل: طالب رئيس الوزراء نساء حزبه بأن يكنّ لبوءات يدافعن عن أولادهن بشراسة ضد الفساد، والمقصود بالفساد ليس شخصاً بل الحزب الخصم، وقد وصفه بأنه «حزب معطوب لن يذهب بعيدا مهما تم دفعه وحقنه بالمنشطات». وقد انتهت هذه الحلقة من المسلسل بحل سحري، إذ نصح بنكيران الحزب الخصم بحل نفسه، واعتبر ذلك من باب النصيحة. لماذا الحل؟ جواب بنكيران: «لأن حزب الأصالة والمعاصرة ازدان بعيوب خلقية لا يمكن إصلاحها مهما كانت المحاولات». وفي حال لم تنجح النصيحة في ردع الفلول، ومن باب التحضير للحلقات المقبلة، وعد بنكيران بشرح أسباب العطب، بل وهدد بكشف مظاهر الهجنة في تشكل الحزب الخصم.
إليكم تفسير الحلقة: يخشى سعد الدين العثماني، الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، وهو الذي فقد منصب وزير الخارجية في حكومة بنكيران الثانية، من أن يتكرر في انتخابات حزيران/ يونيو 2015 سيناريو الانتخابات البلدية 2009 نفسه، حينها اكتسح الحزب الرضيع (كانت سنّه ثلاثة أشهر) الانتخابات، حصل على 6015 مقعداً بينما حصل حزب العدالة والتنمية على ربع ذلك: 1513مقعداً. وفسر الإسلاميون الواقعة باستخدام المال الحرام لشراء الناخبين.
من جهته، يهاجم وزير الإعلام العفيف الإعلام العمومي المنحلّ لأنه حول المغرب إلى ماخور للمسلسلات المكسيكية. عادة يركز الإسلاميون على القناة الثانية، وهذه خطيئتها: بعد إعلان نتائج انتخابات أيلول/ سبتمبر 2007، استضافت «صديق الملك» فؤاد عالي الهمة الذي حصل على ثلاثة مقاعد قبيل تأسيسه لحزب الأصالة والمعاصرة.
هكذا يتقاسم قادة الإسلاميين أدواراً تتكامل على جبهات عدة. فبالنسبة لهم، فإن حزب «الأصالة والمعاصرة» هو وكر الفلول. ولو كان بإمكانهم حل الحزب لفعلوا. رداً على هذه الحملة، كتب الرجل الثاني في حزب الأصالة والمعاصرة «الحزب قائم وباق وقادم»، وأضاف أن جاذبية حزب الأصالة والمعاصرة كبيرة، وتتوسع يوماً بعد يوم، مسجلا أن «مساحة أمل المغاربة في الحزب تزداد». يجري هذا الجدل في سياق مختلف عن الأجواء السياسية في 2009. حينها كان الإسلاميون أمل كثير من المغاربة لمحاربة الفساد. أما الآن فتساهم عوامل مختلفة في قراءة مغايرة.
العامل الأول: جرب المغاربة الإسلاميين، وقد لقبوا بنكيران بـ«بنزيدان» بسبب الزيادة المتكررة في أسعار الكثير من السلع، كالوقود والكهرباء والضرائب... لقد تعرض الإسلاميون لاختبار حقيقي كشف أن لا برنامج حقيقياً لهم. فهم مع الرأسمالية المتوحشة، وهدفهم تحرير الأسعار وتأميم الأخلاق. العامل الثاني هو إزاحة الإسلاميين من حكم مصر. لهذا طعم خاص في المغرب. في المقهى حيث أكتب، يتردد كثيراً نشيد «تسلم الأيادي». العامل الثالث، وهو نتيجة لما سبق. فمنذ سقط زين العابدين بن علي تحمس الناس للسياسة، وبعد ما جرى في مصر ونسبة المشاركة المنخفضة، تراجع توقع الناس من الساسة. سيكون الوصول لأربعين في المئة كمشاركة انتخابية معجزة. العامل الرابع تزايد ثقة الناس في الضباط، في «المخزن»، وصارت صورة الملك في المغرب في أبهى حلة. ومع الضباط تعود الدولة العميقة بكامل عتادها.
هذه عوامل مشتركة، لكن هناك خصوصية مغربية. فلأول مرة في العالم العربي ستستكمل حكومة منتخبة يقودها الإسلاميون ولايتها، وستجري انتخابات حاسمة هي اختبارٌ لها. أثناء هذا الجدل الانتخابي، يتجول الملك محمد السادس في عاصمة تونس، وبالضبط في شارع الحبيب بورقيبة معقل الثورة التونسية... بينما ذهب الناس للفرجة في مهرجان موازين. على المنصة نانسي عجرم وسترو ماي وكاظم الساهر الذي اختار الإقامة في المغرب حيث لا طوائف ولا إرهاب. أمام منصات الرباط البهية حضر أكثر من 400 ألف شخص حفلات مساء 2-6-2014. هذه أول مرة أحضر المهرجان. إنها كثافة بشرية غير مسبوقة. لن تحصل صناديق الاقتراع على مثل هذا الإقبال وهذا الشرف. في الانتخابات المصرية، تم تمديد التصويت على عبد الفتاح السيسي ونشرت مواقع التواصل صورة ساخرة لوزير الداخلية المصري يتساءل: أين الشعب؟
من يشاهد ذاك الكم من المتفرجين سيجد صعوبة في استخراج حجج لمهاجمة منظم المهرجان منير الماجدي وهو صديق آخر للملك.
يمكن دراسة السلوك الانتخابي والسلوك «الفرجوي» للبشر. لكن تبقى الانتخابات مختبراً سوسيولوجياً حياً. يعتبر مراقبة السلوك الانتخابي الدليل القاطع على كون الإنسان حيواناً سياسياً. ففي الانتخابات يمكن أن يصدر عن أشخاص تعرفهم ما لم ولن يخطر ببالك قط... بسبب أهمية الانتخابات دخل شهر شعبان ولم ينتبه له أحد، فقد كان كل مرشح ثقلت موازينه ـ إسلامي أو لا ـ يبني استراتيجيات وتكتيكات ويدبر تمويلات، ومع ذلك ليس واثقا من النتيجة، وسيرفع أكف الضراعة ويردد «اللهم بلِّغنا حزيران» واجعل انتخابنا فيه انتخاب الفائزين وافصلنا اللهم عن الخاسرين المنبوذين من الناخبين، آمين يا رب العالمين.

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه