سيناريو الانتخابات البلدية المغربية

يقوم وزير الداخلية المغربي حاليا بكتابة سيناريو الانتخابات البلدية القادمة. يختار الديكور (أي حجم الدوائر الانتخابية ومكانها وعدد سكانها من بدو وحضر)، يضع توجيهات ممثلي الشعب ومن ستركز عليهم الكاميرات ومدة اللقطات وآجال التصوير ومكان اللعب وكلفة تمويله (القانون الانتخابي). هذا الفيلم سيخرجه الولاة (المحافظون) ميدانيا في كل إقليم وسيمثل فيه الأعيان، سينجز المقدمون (أعوان السلطة
2014-10-29

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
من الانترنت

يقوم وزير الداخلية المغربي حاليا بكتابة سيناريو الانتخابات البلدية القادمة. يختار الديكور (أي حجم الدوائر الانتخابية ومكانها وعدد سكانها من بدو وحضر)، يضع توجيهات ممثلي الشعب ومن ستركز عليهم الكاميرات ومدة اللقطات وآجال التصوير ومكان اللعب وكلفة تمويله (القانون الانتخابي). هذا الفيلم سيخرجه الولاة (المحافظون) ميدانيا في كل إقليم وسيمثل فيه الأعيان، سينجز المقدمون (أعوان السلطة الصغار المبثوثين في كل درب وزقاق) ال»سكريبت»، وسيرضي المصوتون بفتات الكومبارس.. لدى كل هؤلاء تجربة ثقيلة لأنهم شاركوا في أفلام سابقة من هذا القبيل. الجديد هذه السنة هو وجود إسلاميين معتدلين لم تعد يدهم مغلولة ويزعمون أنهم هم الحل وليس المشكل.
رغم ذلك، يتوقع تصوير الفيلم الانتخابي في أفضل الظروف. سيعرض الفيلم مهما كان جمهور المصوتين قليلا. فنحن أفضل من غيرنا. نجري انتخابات مغربية دون قتلى. من يستطيع أن يفعل هذا بين المحيط والخليج؟لدى وزير الداخلية كل الوقت للكتابة، فقد كان مقررا إجراء هذه الانتخابات في نهاية 2012. وتأجلت لكي لا يفوز بها الإسلاميون. تأجلت حتى 2016 على أمل أن تكون شعبية الإسلاميين قد تدهورت. ومع الوقت يملك الوزير خبرة تراكمت لسنوات طويلة. فقد كُتب السيناريو الأول للانتخابات المغربية على أساس إحصاء سكان 1960، حين كان 80في المئة من السكان في البوادي، لذا كانت أهمية الأعيان ـ الذين يزعمون تمثيل الفلاح ـ مطلقة، وقد تمت خدمتهم بالتقطيع الانتخابي. منذ ذلك الحين وقوانين الانتخابات تكتب لتلائم سيناريو المرحلة.
في 2014 صار سكان البوادي 35 في المئة فقط، ولكن التقطيع الانتخابي بقي قرويا رغم أن الفلاحين صاروا أقلية. كمثال، في جهة العاصمة الرباط 10 بلديات و40 جماعة قروية.
حاليا تركّز الوزن السكاني في المدن ويحتمل أن يفوز الإسلاميون. لذا لا بد من بعض الاحتياطات التي لن يعترض عليها إلا سيئو النية. من تلك الاحتياطات ترييف الانتخابات بتقليص عدد الولايات بنسبة 25 في المئة. وبالتالي ضم مساحات قروية كبيرة للمدن. صحيح أن سكان المدن أكثر لكن مستوى المشاركة في التصوير (التصويت) يصنع الفرق. ففي المدن تبلغ نسبة التصويت 20 في المئة بينما تبلغ النسبة 80 في المئة في البوادي. وبفضل هذا المعطى، ستتم المحافظة على ترييف الانتخابات لأن الديموقراطية البدوية المغربية تتخذ من الأعيان عمادا لها.حاليا، يكتب وزير الداخلية السيناريو في مكتبه قبل القيام بالاستطلاع. وأتوقع أنه حين سيخرج للتصوير سيكسب المعركة لأنه يستفيد من قوى مساعدة قوية وقوى معاكسة ضعيفة.
يوميا يتردد على صفحات الجرائد المغربية خبر «مواجهة بين الأحزاب ووزارة الداخلية حول الانتخابات البلدية». أي أن وزارة الداخلية هي أكبر من الأحزاب مجتمعة. وهذه هي الحقيقة التي يضمرها الخبر. هنا تكمن القوة المساعدة للوزير «التكنوقراطي» الذي عينه جلالة الملك.
لنر الآن العوامل المعاكسة. تقول الجرائد: «المعارضة تتهم الحكومة بالتحكم في الخريطة الانتخابية للبلاد». من هي هذه المعارضة؟في برنامج تلفزيوني أرّخ للدخول السياسي الحالي، وصف زعيم يساري معارض الحكومة الحالية بأنها «حكومة صاحب الجلالة». فرد عليه وزير يساري في الحكومة بأن «المعارضة هي معارضة جلالة الملك والحكومة هي حكومة جلالة الملك». رد اليساري المعارض على اليساري المساند: «غريب عجيب».
لم يدم العجب طويلا لأن المواقع الإلكترونية المغربية أخرجت فيديو للزعيم المعارض يوم كان وزيرا وقال «أنا وزير في حكومة جلالة الملك». يستغرب مما قاله بنفسه. نسيّ. قال المعلقون: وشهد شاهد من أهله. والخلاصة أن سلوك المعارض لا يتلاءم مع المبادئ التي يتبناها، والأخطر أن حزبه (الاتحاد الاشتراكي) تشقق، لهذا لا يخافه وزير الداخلية. وأظن أن المعارضة ترفض التقطيع الجديد للدوائر لأنها تفضل بقاء الوضع القائم في التقطيع الانتخابي الحالي. فالمثل يقول «اللي تعرفو أحسن من اللي ما تعرفوش».

مم سيخاف الوزير إذاً؟

من حزب واحد لا يعتبر نفسه من معارضة جلالة الملك، هو «الحزب الاشتراكي الموحد»، وهو عامل معاكس ومن أندر الأصوات التي تعارض بوضوح. في الثلاثين من شهر ايلول / سبتمبر الفائت، أصدر الحزب بلاغا يندد بـ«الوضع السياسي المتأزم الذي يمر فيه المغرب ويسجل تنامي الفكر الظلامي والممارسة التكفيرية كنتيجة حتمية لسياسة الأنظمة المستبدة». وشجب الحزب مظاهر التردي والتراجع والتأزيم والاحتقان في مختلف المجالات وخاصة المجالات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم والصحة.. بفعل الإغلاق النهائي للحقل السياسي، ووأد كل احتمالات تطويره وإنعاشه. كما حذر من ويلات التحكم المسبق الذي بدأت بوادره في مجال التحضير للاستحقاقات المقبلة وما يرتبط بها من تقطيع للجهات والأقاليم والمقاطعات والدوائر الانتخابية.. وكبديل دعا الحزب إلى تقوية النضال الفكري والثقافي وتطوير آليات الاشتغال في مجال إنتاج الأفكار والاستشراف وتدقيق الرؤى وتقويتها.
من دون صوت هذا الحزب، فإن الرضا على النفس والغرور سيجلبان نتائج مدمرة لسيناريو وزير الداخلية. لكن هذا الحزب يجمع 100 شخص بصعوبة. فأين العامل المعاكس الحقيقي في البرنامج العملي للوزير؟سأجيبكم:أختمُ صياغة هذا المقال في سينماتيك مدينة طنجة، هنا شاهدت فيلم «سواد» للفلسطيني محمد بكري عن أب يبيع ابنته ليطعم باقي أبنائه. وصعد «جنريك» الفيلم في النهاية وفيه إهداء «إلى الأمة العربية» فصفق الجمهور. خرجت لمقهى السينماتيك لشرب شاي، لا جعة. في القاعة ستة وعشرون مصباحاً مضاءً دفعة واحدة. هنا شباب عالم آخر: تحرر وحواسيب آبل وهواتف آيفون وسجائر فاخرة وسلام بالكثير من القبل.. سألت أجمل شابة في السينماتيك هل ستصوت في الانتخابات القادمة، فسألتني: أي انتخابات؟هنا فئة تستهلك، وتحتقر كل ما هو مغربي، من الانتخابات حتى كرة القدم. قال شاب ينفق عشرة دولارات يوميا في المقهى: «لدي قناعة داخلية بأني لن أصوت». قلت له إن وزير الدخلية لديه قناعة خارجية أنه لا يحتاج اليك، وهو يحكم بدون صوتك ورغما عن أنفك والحمد لله. قال الوزير: «ليس لدينا أي عقدة من نسبة المشاركة في الانتخابات». ثم إن نخبة السينماتيك الصغيرة هذه تسكن وتتغذى جيدا ولا تمثل المغرب العميق. ولا أمل ليستقطبها وزير الداخلية لفيلمه. هو يعرف هذا. ولن يحاول مع هذه الفئة التي لديها دوش بماء ساخن في البيت. وسيركز على شباب القرى الذين يمثل الحصول على عشر دولارات يوم التصويت إنجازا بالنسبة لهم.
في خضم الجدل حول سيناريو الانتخابات أعلنت نقابات الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديموقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل عن إضراب وطني يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر الجاري لأن «السيل بلغ الزبى مع هذه الحكومة» كما قال قيادي نقابي (ودعمت الدعوة للاضراب «جماعة العدل والإحسان» الإسلامية). وهذا يمثل عاملا معاكسا حقيقيا للوزير. فحين تصير المؤسسات السياسية في بطن وزير الداخلية، يجد الشارع نفسه مضطرا للتعبير عن نفسه دون وسطاء. واستباقا لذلك الخطر، قالت الحكومة أنها تحمل النقابات مسؤولية المسِّ بالاستقرار الاجتماعي. طبعا الحكومة تحافظ على الاستقرار بخصخصة التعليم وبالزيادة في الأسعار والضرائب وتمديد سن التقاعد حتى 65 سنة وزيادة الاقتطاعات من أجور الموظفين لتمويل إفلاس صناديق التقاعد..هذه عوامل معاكسة قد تجعل الفيلم الانتخابي لوزير الداخلية بلا جمهور، يتعرض لمقاطعة كثيفة مما سيجعل نسبة المشاركة في انتخابات 2016 مخجلة.. حتى لمن قرر سلفاً ألا يخجل.

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه