السطحية السياسية في الدراما الرمضانية.. "غرابيب سود" مثالاً

مسلسلات تلفزيونية ضخمة الادعاء والإخراج والكلفة... ولكنها سطحية المضمون، وتقع في فخ الانقسام التطييفي القائم!
2017-06-28

شوقي صخري

كاتب من الجزائر


شارك

أثار مسلسل "غرابيب سود" جدلاً واسعاً بخصوص الرسائل التي يتضمنها وأيضاً بخصوص حبكته الدرامية. وهو عُرض كأهم عمل درامي رمضاني على شاشةMBC ، كما على قناة أبوظبي دراما، وقناةLBC  اللبنانية.
والغرابيب في اللغة هي العنب شديد السواد، لكن بعض المفسرين يذهب إلى أنها تعني الجبال كما جاء في "سورة فاطر" (الآية 27). وتأتي كلمة الغرابيب في القرآن بمعنى إيجابي، في سياق وصف الله لإبداعه في الخلق ومدى قدرته. إلا انها في سياق هذا العمل الدرامي تأتي في استخدام سوداوي أريد له أن يعلق بأذهان المشاهدين.
أكثر من عشرة ملايين دولار هي تكلفة هذا العمل الدرامي الضخم الذي يضم ترسانة من الممثلين من سبع دول عربية: سوريا، مصر، السعودية، تونس، الكويت، العراق، ولبنان. وقد شارك من مصر الممثل سيد رجب والذي يلعب دوراً محورياً في العمل، مجسداً شخصية مفتي التنظيم الذي يقص فتاويه على أساس ومقاس مصلحة هذا الأخير. وقد قام بإخراج المسلسل ثلاثة مخرجين.
يجد نقاد العمل أن العنوان يقصد إضفاء صبغة من الشيطنة على تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن مشكلتها أنها كاريكاتورية. فالعنوان مجتزأ من سياقه القرآني ليخدم وظيفياً الحبكة الدرامية القائمة على محاولة كشف خبايا داعش، من خلال تسليط الضوء على التفاصيل البشعة التي تؤطر حياته الاجتماعية ونسقه الداخلي، ومن خلال التركيز على تجنيد العنصر النسوي في التنظيم والوظائف الموكلة إليه والتي يأتي في مقدمتها "جهاد النكاح" كركن أصيل ضمن سردية الجهاد الداعشي. كما يحاول العمل إبراز الانتهازية التي يتميّز بها عناصر التنظيم، وخاصة قيادته ومرجعيته الدينية المتمثلة في ذلك المفتي الذي يستطيع تبرير كل تفصيل من خلال فتوى مخاطة على المقاس. ويحاول العمل إجمالاً تقديم الحالة السوداوية التي يسبغها التنظيم على نفسه وعلى العالم من حوله.
 

"الغرابيب السود" يحاول رسم صورة طهورية للذات بمواجهة داعش.. بينما التأويلات المحتملة كثيرة ولكن الدم المراق يبقى واحداً

هو إذا مقاربة سطحية عجولة، تقوم على مجموع "متخيلات" يسقطها المسلسل على أفراد التنظيم، مع الادعاء بأنها محاكاة للواقع، ما يكشفه بقوة غياب مصادر واضحة ومعيارية اعتمد عليها مؤلفو العمل. كمثال: تصوير أفراد التنظيم كأنهم لا يتكلمون إلا الفصحى بينهم، وهذا ما لم يرد في أي من شهادات الفارين من التنظيم أو من عناصره التائبين أو المقبوض عليهم. كما يبدو العمل متبنياً لوجهة نظر السلطة السورية التي روّجت كثيراً لرواية "جهاد النكاح" التي يدور حولها جلّ المسلسل، كما روّجت بأن كل ضحايا التنظيم هم من الطائفة الشيعية حصراً، في محاولة لتعزيز تطييف الصراع السوري. بل رأى بعض النقاد أن المسلسل ينتقد السنّة كلهم عبر طريقته في تصوير ممارسات داعش، ومن خلال بعض الرموز التي تعكس أنماط التدين السنية، كاللحية والقميص والأحاديث.. وإن كان في ذلك النقد الأخير هو نفسه تبسيط وانزلاق إلى نظرة تطييفية للواقع.
ساهمت قناة الجزيرة في الجدل المثار من خلال تقرير أعدته يوم بث الحلقة السادسة من المسلسل، انحازت فيه لنقد العمل وحبكته الدرامية. وحاول هذا التقرير قراءة المسلسل وفق الحمولة الأيديولوجية التي ينهل منها والرؤية السياسية المتضمَنة فيه، واعتبر أن "المشاهد الحصيف" لا ينخدع بالبراءة الفنية التي يحاول العمل أن يصدِّر ذاته من خلالها.
وفي الخلاصة، فـ"الغرابيب السود" يحاول رسم صورة طهورية للذات بمواجهة داعش.. بينما التأويلات المحتملة كثيرة ولكن الدم المراق يبقى واحداً.

للكاتب نفسه