الإرث في المغرب: المساواة تستفز

هل يمكن إعادة النظر في بعض الأحكام الدينية لملاءمتها مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية؟ مجدداً أثيرت في المغرب مسألة المساواة في الإرث، فتسببت بزوبعة.
2017-05-28

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
وسماء الآغا - العراق

أثار موضوع المساواة بين الجنسين في الإرث سجالاً حاداً في المغرب، بين مؤيدين يرون أن السياق السوسيو ــ اقتصادي والثقافي للبلد قد تغيّر، ويحتاج لمزيد من المراجعات والاجتهادات، وبين ورافضين يمسكون بتلابيب النصوص القرآنية بشكل حرفي، ويرون أن الإرث خط أحمر، لا يجادَل به، ولا يمس، ولا يمكن حتى مناقشة تفاصيله.

 الإرث ليس خطاً أحمر!
 

في حوار تلفزيوني في إحدى القنوات الرسمية، دعا رئيس "مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام"، إلى فتح نقاش مجتمعي حول المساواة بين الجنسين في الإرث، وقال إن "ما كان يُقال بأن موضوع المساواة بين الجنسين في الإرث لا يمكن المسّ به والاقتراب منه هو عقلية متجاوَزة". وأضاف أن الإرث "يستحق أن يأخذ مكاناً في الحوار المجتمعي لعدة أسباب، من ضمنها أن السياقات الاجتماعية التي شُرّعت فيها أحكام الإرث تغيّر الكثير منها، من قبيل البنية الاجتماعية والأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة (...) والتشريعات التي تنظم العلاقات البشرية ليس بإمكانها أن تكون ثابتة بل تتطوّر، والأصل في كلّ قانون أن يكون متغيراً تبعاً لهذه المتغيرات." وهو زاد في حديثه التلفزيوني أنه لا يمكن الحديث عن موضوع المساواة في الإرث بشكل مختزل وجزئي، وأن يسلّط الناس الضوء فقط على آية "للذكر مثل حظ الأنثيين"، مردفاً أن "الأمر أكبر من ذلك، وما يمكن فعله هو أن يجري حوار في الموضوع وأن يفتح نقاش فيه".
وذهب في توضيحه إلى رفض "التعصيب" في الإرث، والذي يُقصد به أن يأخذ الوارث كل التركة إذا لم يوجد وارث غيره، أو ما بقي منها إذا وجد معه وارث بالفرض، قائلاً: "اليوم لا يجب أن نقبل بالتعصيب، ويجب أن نغيّر مثل هذا الأمر لأن نظام الأسرة تغيّر كثيراً، بل حتى الصحابة والخلفاء الراشدين لهم اجتهادات كثيرة في باب الإرث، لكنها توقفت بعد ذلك لأسباب سياسية واجتماعية كانت تصب في مصلحة الرجل".
 

الإرث قسمة من الله
 

استفزت دعوة رئيس "مركز ميزان"، محمد عبد الوهاب رفيقي، العلنية لفتح نقاش مجتمعي حول المساواة في الإرث وبشكل متدرج، شيوخ ودعاة السلفية، واشتاط غضبهم في عوالم النت واستخدموا عبارات تقترب من قاموس التكفير واتهامات بالزندقة والضلال.
الشيخ "النهاري" قال في مقطع مصوّر إن "النصوص ثابثة لا يجوز أبداً أن يتعداها الإنسان"، وأن "الإرث لم يكل قسمته الله لملك مقرّب ولا لنبي منسل ولكن قسمه الله، حتى جئتم أنتم وتستدركون على الله وعلى رسوله وعلى السلف الصالح وتزعمون أن هؤلاء لم يفهموا القرآن وتتحدثون عن التغيّرات كأن الله لم يكن عالماً".
أما الشيخ "عمر الحدوشي" فاعتبر مسألة الإرث "أمراً مفروغاً منه تماماً مثل عدد الركعات، لأن ربنا تعالى هو الذي تولّى قسمة التركة، وتوزيع الأنصبة الشرعية في الميراث، ولم يجعل أمرها في يد عالم من العلماء، مهما بلغ كعبه في أنواع العلوم، بل ولا جعل ذلك في يد الأنبياء والمرسلين"، وخاطب المتحدّثين عن ذلك واصفاً إياهم ب"المتمسحين والمتزلجين على ثلج النفاق، من الإمعات الذين يخطبون ود الملحدين"، واشار الى "رفيقي" بشكل غير مباشر ناعتاً غياه ب"المتلوّن الذي كنا نظن أن نهايته كبدايته مشرقة، وإذا بنا نُفاجأ بنهاية محرقة، هذا الرجل الذي يهوِّن الضلال بأسلوب حلزوني ماكر".
 

 الموضوع مطروح في أكثر من بلد عربي وإسلامي، ليس لأن الارث بذاته مهم، فأغلب الناس في هذه البلدان، رجالاً ونساء، فقراء لا يرثون شيئاً أصلاً، ولكن لدلالته الرمزية من جهة، وكمدخل لنقاش نطاق الاجتهاد وهو الجانب الأهم..
 

الشيخ "زحل"، من جهته قال في مقطع مصور إن "محمد عبد الوهاب رفيقي وقع فريسة للشيطان"، مخاطباً إياه بالقول: "قرت بك أعين جنود الشيطان ممن تعمل معهم الآن، وذهبت مذهباً بعيداً حتى صرت تستعلي على ربك وتتحداه وتصحح كلامه، العجب كل العجب يا عبد الوهاب رفيقي، يريد أن يصحح كلام الله ويعترض على كلام الله؟ وهو لا يأتي في ذلك بعلم وأنا له بالعلم، وإنما يتلقف مقولات العلمانيين ويرددها".
وفي الوقت الذي عبر فيه شيوخ عن رفضهم البات لمبدأ المساواة في الإرث، أعرب "مصطفى بنحمزة" عضو "المجلس العلمي الأعلى" (مؤسسة رسمية مختصة بالافتاء وقضايا الدين) عن قبوله لمسألة طرح نقاش مفتوح حول المساواة في الإرث، مؤكداً أن في كل القضايا هناك لغة الحوار والتشارك، لكن وفي الوقت ذاته رفَض التفسيرات التي تنص على أن المرأة يجب أن يكون لها الإرث نفسه الذي للرجل، بصفتها شخصاً مساهماً في الحياة الاقتصادية، معتبراً أن من يقدمون هذه التأويلات "لا دراية لهم بالإرث"، وفسّر الأمر على أن "الإرث ليس شركة تجارية، بل يستحقه المستحق بمجرد أن يخرج إلى الحياة". من جهتها، قرّرت "رابطة علماء المغرب العربي" إقالة وإبعاد محمد رفيقي (وهو من مؤسسيها) بسبب ما أسمّته "التجاوزات المنهجية المتكررة والخلل الفكري والاضطراب العقدي". وأفادت الرابطة في بيان لها، أنها صادقت على هذا القرار بعد ما سمّته "إصراره" و"استعلائه في الحوار وفي تصريحاته الإعلامية المثيرة"، وبعد "المناصحات المتكررة والنقاشات العلمية الهادئة من الكثير من العلماء والدعاة له من أعضاء هذه الرابطة وغيرها".  ورد "محمد رفيقي" على ما ذكرته الرابطة من محاورات ومناصحة بأنها "لا أساس لها من الصحة"، وأضاف أن "كل ما في الأمر أن بعض أعضائها تواصل معي بصيغة: "تبْ إلى الله.. عدْ إلى رشدك.. أعد للسؤال جواباً".
ومحمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بـ"أبي حفص البيضاوي"، سلفي سابق درس الفقه الاسلامي على يد الشيخ بن باز في السعودية، ثم أعتقل  في المغرب بسبب أفكاره المتشددة إثر اعتداءات عام 2003 بالدارالبيضاء، لكنه قام بمراجعات فكرية جذرية بعد الإفراج عنه. وهو يُوصف حالياً  في الصحافة المغربية بـ "المتنور" و"الإصلاحي" بسبب دعوته العلنية للاجتهاد والتجديد في النصوص الدينية، وملاءَمَتِها مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلد.
يبقى أن الموضوع مطروح في أكثر من بلد عربي وإسلامي، ليس لأن الارث بذاته مهم، فأغلب الناس في هذه البلدان، رجالاً ونساء، فقراء لا يرثون شيئاً أصلاً، ولكن لدلالته الرمزية من جهة، وكمدخل لنقاش نطاق الاجتهاد وهو الجانب الأهم. وقد تناوله فقهاء كثيرون، بآراء متعددة. وإنما تلفت الاستماتة التي تصاحب موضوع الإرث تحديداً من بين سائر المجالات المطروحة للنقاش (كالشهادة في المحاكم وتولية النساء القضاء الخ..)، ما لا يبتعد كثيراً عن الدفاع عن تطابق "المصالح": تكريس التسلط الذكوري والحفاظ في آن على المغْنم المادي!

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه