طلاب موريتانيا في الخارج: معركة الحفاظ على المكتسبات

صراع للحفاظ على مكتسبات متحققة للطلاب تمّ حذفها بلا إنذار ولا إعلان، وعلى رأسها منح التخصص العالي في مجالات علمية غير متوفرة في البلاد، ما يضع الطلاب، وخصوصاً من هم في الخارج، في مأزق.
2017-05-27

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
وقفة احتجاجية لطلاب موريتانيين (من الانترنت)

بدأ طلاب موريتانيا في الفترة الماضية موجة من الاحتجاجات للمطالبة بتحسين أوضاعهم، خاصة منهم من يدرسون خارج البلد. كان أبرز وجه لتلك الاحتجاجات، دخول بعض طلاب موريتانيا في الجزائر في إضراب عن الطعام دام أكثر من أسبوعين، بعد استنفاذهم لكل الطرق الإدارية للحصول على المنح الدراسية من الوزارة المعنية وتنظيم عدة وقفات احتجاج للمطالبة بتحسين أوضاعهم. واحتج كذلك الطلاب الموريتانيون في تونس واقتحموا السفارة ودخلوا في اعتصام، وكان ذلك في شهر آذار / مارس الفائت. وفي المغرب والسنغال، احتج الطلاب أيضاً، وأصدروا في مصر بياناً تضامنياً مع زملائهم ويطالب أيضاً بتحسين ظروفهم.
 

ماذا يريد الطلاب؟
 

محمدو ولد بديدي ولد باباه، شاب موريتاني حصل على البكالوريا سنة 2013، وسافر على حساب  أسرته للدراسة في الجزائر، حيث حصل على شهادة ليسانس في الهندسة المدنية من دون رسوب، وهو الآن في مرحلة الماستر، حيث يدرس المياه ويقطن بمدينة غرداية. وهو أحد الطلاب الذين شاركوا في الإضرابات: "ما دفعنا للاحتجاجات والإضراب عن الطعام، هو أن اللجنة المعنية بالمنح في وزارة التعليم العالي، والتي تعقد اجتماعها بشكل اعتيادي في الشهر الثاني من السنة، تأخرت وخفنا ألا يحدث الاجتماع وأن يقطعوا المنح كما فعلوا العام الماضي". ويضيف متحدثاً عن تجربته الشخصية: "أنا كغيري، كان لدي أمل أن أحصل على منحة حين أتجاوز مرحلة الليسانس وأبدأ في الماستر. وكان أهلي يتحملون مصاريفي طوال سنوات الليسانس الثلاثة وهو ما يثقل كاهلهم، وأنا ككثيرين هنا أدرس تخصصات علمية لا تتوفر في موريتانيا، وإن وجدت تكون نادرة. إن لم نحصل على المنحة في السنة الرابعة يكون ذلك صعباً علينا".
الطلاب إذن يطالبون بتطبيق ما كان سارياً، والحفاظ على بعض المكتسبات، فالحكومات الموريتانية المتتالية كانت تتيح منح الطلاب الموريتانيين الذين يدرسون في الخارج، عبر تنقيط كانت تتبعه وزارة التعليم العالي، فيتم منح كل طالب تتوفر فيه بعض الشروط، مثل حصول على البكالوريا والتسجيل في الخارج وإكمال الليسانس من دون رسوب والحصول على تسجيل في الماستر أو التسجيل للدكتوراه بعد الحصول على الماستر من دون رسوب كذلك.
 

 "قرار وزارة التعليم العالي غامضَ الشكل والمضمون، لم يتطرّق لآلية التنقيط ولا النقاط اللازمة للمنحة، وهو أمر يجعل تطبيقه عرضة للأهواء والاجتهادات الشخصية، مع غياب ممثلي الطلاب، الذين منعتهم الوزارة ومنذ أعوام من حضور اجتماع لجنة المنح، كأنها تأبى إلا أن تضيف كل عام عبئاً وهمّاً جديداً على طلاب الوطن".

وهو ما بدأت الحكومة الموريتانية بالتراجع عنه مؤخراً، وكانت البداية مع قيام وزير التعليم العالي سيدي ولد سالم في سنة 2015 بإلغاء قرار لجنة المنح القاضي بمنح ثلاثة آلاف طالب موريتاني من بينهم 700 يدرسون في الخارج، وفي 2016 تأجل اجتماع لجنة المنح حتى الشهر السادس ولم تصرف المنح حتى الشهر الثامن، وهذه السنة لم تنظر اللجنة في طلبات المنح الجديدة.

تفاعل مع القضية
 

وقد تفاعل مع قضية الطلاب الموريتانيين في الخارج، زملاؤهم في الداخل وشرعوا في سلسلة احتجاجات للمطالبة بإنصافهم، وتمت مواجهة احتجاجاتهم بالقمع. فالطلاب في الداخل لم يسلموا من السياسات الحكومية الجديدة، حيث قطعت المساعدة الاجتماعية عن أكثر من ثلاثة آلاف طالب في الداخل، وهذه هي مساعدة مالية بسيطة يحصل عليها طلاب جامعة نواكشوط حسب شروط معينة.
قضية الطلاب أخذت بدورها بعداً مغاربياً، حيث تضامن معهم بعض زملائهم من بلدان المغرب العربي، وأصدرت اتحادات مغاربية بيانات أدانت ما وصفته بالاستهتار والإهانة والقمع الذي جوبه به الطلاب الموريتانيون في الداخل والخارج وهم يحملون مطالب مشروعة.
وزارة التعليم العالي خرجت عن صمتها الطويل وقالت في بيان مُوقّع باسم المستشار المكلف بالاتصال بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إن الدولة ليست ملزمة بمنح من لم توفده للدراسة منذ البداية، وأن الأشخاص الذين يطلبون المنح في مراحل دراسية عليا، لو كانوا مستحقين لها لكانوا حصلوا عليها عند حصولهم على البكالوريا عبر الطرق المعهودة. الرد تسبب بخيبة لدى الطلاب وجعلهم يردون ببيان على كلام الوزارة، قالوا فيه: "تعلن النقابات والاتحادات الطلابية الموقعة على هذا البيان رفضها لمحتويات القرار الجائر الذي يُشكل نكسة في حقوق الطلاب ونظام التنقيط والقانون المتعارف عليه، وتكريساً لنهج الوزارة الأحادي والذي يستهدف اغتيال كل المكاسب التي حققها الطلاب عبر السنوات الماضية. أقصى قرار الوزارة الجائر شريحة كبيرة من الطلبة الموريتانيين المسجلين بالخارج ليسلمهم لقدر مجهول، فقد أقصى القانون أصحاب مرحلة ماستر1 الذين تغربوا من أجل طلب العلم في تخصصات ما زال "مشروع جامعة نواكشوط" عاجزاً عن توفيرها لهم داخل أرض الوطن، وتلك حقيقة يُعمي أصحاب القرار في نواكشوط أنفسهم عنها، للأسف الشديد، مُعتبرين أنهم وفروا ما يجعلهم في غنى عن مَنْحِ الطلاب، والحقيقة عكس ذلك بينة ونيرة لا تحتاج إلى برهان، يشهد عليها واقع الجامعة وترقب الطلاب المستمر لماسترات إن وجدت، فهي لا تزال محدودة المقاعد والتخصصات". وقالوا في بيانهم أيضاً: "كان القرار أيضاً غامضَ الشكل والمضمون، فلم يتطرّق على سبيل المثال لا الحصر لآلية التنقيط ولا النقاط اللازمة للمنحة، وهو أمر يجعل تطبيقه عرضة للأهواء والاجتهادات الشخصية مع غياب ممثلي الطلاب، الذين منعتهم الوزارة ومنذ أعوام من حضور اجتماع لجنة المنح، كأنها تأبى إلا أن تضيف كل عام عبئاً وهمّاً جديداً على طلاب الوطن".

الحكومة تقوم بالشروع في صرف أموال على أمور لا تمس حياة المواطنين بل تخلق بينهم الانقسامات، كالاستفتاء على تغيير لون العلم وبعض المواد الدستورية المثيرة للجدل، وهو سيكلف  الدولة الموريتانية 6 مليارات أوقية.. ما يجعل التساؤل مشروعاً حول أيهما أكثر أولوية: دراسة شباب موريتانيا أم صرف أموال الشعب على أمور شكلية وتحدث انقسامات حادة بين المواطنين؟
 

يبدو أن من أسباب أزمة الطلاب الموريتانيين سياسة تقشف تقوم بها الحكومة الموريتانية في هذه الفترة – على الرغم من أن رأس النظام يصرّ في كل تصريحاته أن الحالة الاقتصادية للدولة جيدة. لكن، وفي الوقت نفسه، يلاحظ أن الحكومة تقوم بالشروع في صرف أموال على أمور لا تمس حياة المواطنين بل تخلق بينهم الانقسامات، كالاستفتاء على تغيير لون العلم وبعض المواد الدستورية المثيرة للجدل، وهو استفتاء سيكلف  الدولة الموريتانية 6 مليارات أوقية.. ما يجعل التساؤل مشروعاً حول أيهما أكثر أولوية: دراسة شباب موريتانيا أم صرف أموال الشعب على أمور شكلية وتحدث انقسامات حادة بين المواطنين؟

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه