مصادر الروعة

كان الباشا واقفاً في متحف الفن التشكيلي. رآه المشاهدون فقال بعضهم، شكله علماني، وقال الآخرون شكله إسلامي. دار بعض الحضور حوله ليتأملوه من جميع جوانبه. كتب أحد النقاد التشكيليين قائلاً إن العمل رائع لأنه مهذب ويحترم ثقافة الشعب، وكتب آخر إنه رائع لأنه صادم ونحن نحتاج في ثقافتنا لثقافة الصدمة. كان مكتوباً في كتيب المعرض أن الباشا مزود بخاصية الكلام، فاقترح أحد الحضور على الباشا أن يتكلم،
2014-05-07

شارك

كان الباشا واقفاً في متحف الفن التشكيلي. رآه المشاهدون فقال بعضهم، شكله علماني، وقال الآخرون شكله إسلامي. دار بعض الحضور حوله ليتأملوه من جميع جوانبه. كتب أحد النقاد التشكيليين قائلاً إن العمل رائع لأنه مهذب ويحترم ثقافة الشعب، وكتب آخر إنه رائع لأنه صادم ونحن نحتاج في ثقافتنا لثقافة الصدمة. كان مكتوباً في كتيب المعرض أن الباشا مزود بخاصية الكلام، فاقترح أحد الحضور على الباشا أن يتكلم، فتكلم الباشا وضحك البعض، فقرر الحضور أن يمنعوه من الكلام. قالت افتتاحية صحيفة تشكيلية شهيرة إن الصمت أكثر بلاغة من الكلام. وإن الباشا رائع في صمته روعته في كلامه. ودافع عدد من المثقفين عن فضيلة الصمت والاختزال. وعاد النقاد ليتأملوه من جديد. قال واحد "أفضل شيء هو أنه صامت"، وقال آخر "ولكن هذا لا يعني أنه غير قادر على الكلام"، فقال الأول "طبعا طبعا"، أضاف الثاني "ولكن الشيء الرائع فعلاً من وجهة نظري هو أنه سيحارب أميركا"، فأجابه الأول: "نعم، وهناك شيء رائع آخر في نظري وهو أنه لن يفسد العلاقة بيننا وبين أميركا"، فقال الثاني: "طبعاً طبعاً". الأول كان ناقداً تشكيلياً، والثاني كذلك، وطبعا هما لم يكونا أغبياء. كل منهما كان ذكياً كفاية لأن يضمر في قلبه شيئاً ما ضد الآخر حتى وهو يوافقه، كل منهما كان يرى الآخر أحمق لم ينْفذ إلى عمق أعماق روعة الباشا. وعى هذا الناقد التشكيلي الثالث، الكبير، عمدة النقاد التشكيليين في مصر، فكتب مقالا يتساءل فيه ما الضرر بأن يختلف النقاد التشكيليون على مصدر روعة الباشا طالما أنهم جميعاً مؤمنون بروعته. وإنه طالما الباشا قادر على توحيد الجميع تحت مظلة روعته، فهيا بنا ننتخبه جميعاً، رجالاً ونساء، جماعات وفرادى، بسرعة وبلهفة وبعيون محبة للروعة وتقدّر قيمة الجمال. وما أن ننتخبه حتى نفهم سر روعته، بل بالأصل، سنعرف إن كان رائعاً أو غير رائع. وإن اكتشفنا مثلاً، لا قدّر الله، أنه غير رائع، فحتى هذا سوف يكون مصدراً جديداً وغير تقليدي من مصادر روعته.

(كتب نائل الطوخي ورسم مخلوف)