اليسار في المنطقة العربية وسؤال مكامن العطب

دراسة حالات
تم دعم هذا الدفتر من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المطبوعة أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

هل هو يساري من "يقول" أنه كذلك، أو يتبنى مفاهيم ايديولوجية معينة؟ هذا التساؤل يصح بالطبع على العالم كله حيث نشهد نمو "الإشتراكية الليبرالية" في بلدان أوروبا، وتجارب هجينة كحالة اليونان مع حركة "سيريزا" وظاهرة قائدها تسيبراس.. ولكنه وبشكل خاص يبدو ملحاً في مكان كالمنطقة العربية يشهد صراعات عنيفة غير مقننة، وحروب واحتلالات وكذلك انتفاضات متلاحقة كان آخرها وليس أخيرها هو 2011.

ولأنه لا يمكن مراجعة كل تاريخ ومسار تنظيمات اليسار في بلداننا وخريطة تشكيلاتها، فسنركز على علاقتها بحدث 2011 وما تلاه، باعتباره لحظة كاشفة. وهي فرصة لفحص ما اذا كان اليسار – اليسارات – قد عَقَل ما حدث في 2011، وللتدقيق في كيفية فهمه له وتعاطيه معه، كمثال هام على طبيعة صلته بالواقع وكذلك على فعاليته.

لقد انحاز قسم من اليسار، القديم والجديد - تنظيمات وافراداً- الى أطروحات "الاشتراكية الديمقراطية"، وهي إصلاحية في أحسن الأحوال، وبات يغلب عليها التوجه النيوليبرالي.. وانحاز قسم آخر الى الانظمة القائمة خوفاً من سطوة حركات اسلامية سياسية قوية وشعبية، وهو ما رأيناه في مصر وتونس على وجه الخصوص.

فما معنى ان يكون المرء يسارياً اليوم في منطقتنا؟ من وماذا يمثل اليسار، وأيضاً ما المستقبل الذي يتطلع اليه أو يأمل به، وهل سؤال المستقبل يهجسه أصلاً؟ وبالطبع، فالركون البليد الى مقولة أن "أزمة اليسار" عالمية، لا يقدم شيئاً. وأما اللجوء الى النظريات الماركسية الجاهزة وتردادها فليس مقنعاً ولا هو يساري! وهذا مدرَك بقوة منذ أواخر ستينات القرن الفائت، مع بروز ما سمي ب"اليسار الجديد"، شديد التنوع، وقد تكون هزيمة 1967 هي القابلة التي ولّدته. هناك عشرات التنظيمات على إمتداد المنطقة سعت الى استلهام المنطق الماركسي كأداة تحليل فحسب وليس كدوغما، وبعضها كان مهجوساً بالتأصيل وباستنباط نظريات من الواقع المعيش.

فما هو المعيار أو المعايير التي يمكن الاستناد اليها لتحديد اليسار؟ تبرز ضرورة ملحة لاستعادة الأسس، والانطلاق في ذلك من "الحاجة" الموضوعية لوجود رؤية تعتقد بقوة أنه يمكن تغيير الواقع البائس على كل الصعد، وتنادي به، تحمل هذا الحلم وتقترح طريقه وادواته، وتلتزم بشروط هذا الطريق ومتطلباتها. وقد قيل أن "اليسار توقف عن التفكير منذ زمن"، وأن الازمة التي يعاني منها هي قبل كل شيء هزيمته على مستوى الافكار والرؤية وكذلك القيم.

فما هو برنامج التحرر، على المستويين الفردي والاجتماعي اليوم؟ وما هو برنامج التحرر الوطني غير المنجَز، بالنظر الى مسائل كفلسطين مثلاً، ولكن وأيضا كموقع بلداننا شديد التبعية ضمن منظومة الاستغلال العالمية.

تتناول نصوص هذا الدفتر تجارب اليسار في مصر وتونس والجزائر والمغرب. وهي تسعى الى:

1- عرض مواقف التنظيمات اليسارية المختلفة من انتفاضات بلدانها متفاوتة المدى، متناولاً التصورات المُنتَجة (تحليلات، برامج، نصوص الخ..) وكذاك الحركة في الميدان،

2- علاقات هذه التشكيلات اليسارية مع سائر التيارات، وبالاخص منها التيارات الاسلامية، حيث طغى في عدة حالات صراع "هوياتي" حكم المواقف المتخذة وجرت الاستقطابات بناء عليه،

3- علاقات هذه التشكيلات مع السلطة القائمة في كل بلد،

4- رؤيتها للفترة اللاحقة على 2011، حيث برزت تحديات متفاوتة تتراوح بين الثورة المضادة (مصر)، وأسس المشاركة في السلطة (تونس)،

5- حقول الاهتمام التي تستاثر بجهدها، ومدى انغراسها في نضالات مطلبية قائمة، ومدى رياديتها في هذا المجال،

6- "أوساطها" الاجتماعية: ما وضعها في الجامعات مثلاً، وما مدى حضورها في الاحياء الشعبية وفي "العشوائيات" القائمة حول المدن الكبرى، وفي مناطق "الاطراف"، وما علاقتها بالاطر النقابية والمهنية، وبالجمعيات غير الحكومية أو الأهلية،

7- علاقة اليسار بمسألة "حقوق الانسان"، وتفحص مدى تحول هذه المسألة الى ستار للتعويض عن نقص التصورات البرنامجية، الاجتماعية والسياسية على السواء، وذلك على ضوء التجربة العملية لما بعد 2011. بمعنى أن الانخراط في النضال من أجل الحقوق والحريات العامة بمواجهة القمع والاستباحة هو أمر ضروري، ولكنه لا يعفي اليسار من التصدي لمهمته الاصلية وهي التغيير الشامل.

لوحات الدفتر: غرافيتي من شوارع مصر وتونس والمغرب
___________________
نسخة للطباعة
___________________
ترجمة النص الفرنسي إلى العربية: محمد رامي عبد المولى
___________________
Article en francais:


_______
محتوى هذا الدفتر هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.
ينحصر ميدان الدفتر في أربعة بلدان: مصر، الجزائر، تونس والمغرب.