المشروع اللقيط: قانون جديد للجامعات في مصر؟

كيف تُخصْخِص التعليم من دون تسمية ذلك "خصخصة"، وكيف تُنهي مجانيته وعمومية التعليم كحق، وتضع الأساتذة بيد السلطة وتنهي استقلالية الجامعة: دليل يقال أن البنك الدولي هو من نصح مصر به!
2017-01-12

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
باحة جامعة القاهرة

كيف تخصخص التعليم من دون تسمية ذلك "خصخصة"، وكيف تنهي مجانيته، وتقضي على شهادة البكالوريا كوسيلة للدخول إلى الجامعة، وتقلص عدد الملتحقين بحيث تنهي عمومية التعليم كحق، وكيف تضع الأساتذة بيد السلطة وتنهي أي استقلالية للجامعة: دليل يقال أن البنك الدولي هو من نصح مصر به. ارتداد عن المنجز الناصري الأكبر، فلو كان التعليم بحاجة للإصلاح، وهو كذلك بالطبع، فالبدء يكون مع أصحاب الشأن وليس بالفرض الحكومي التسلطي.

***

"هذه ليست مواد قانونية، وهذه النسخة دخيلة وغير صحيحة". هكذا علق وزير التعليم العالي على مشروع القانون الجديد للجامعات، متهماً جهات لم يحددها بأنها تزور وتسرِّب مسودات على أنها النسخة الرئيسية التي ستتقدم بها الوزارة الى مجلس الوزراء للحصول على موافقته، وإحالتها للبرلمان لإصدار قانون جديد بدلاً من القانون الحالي الذي تعمل به الجامعات منذ عام 1972.

العفريت واللهو الخفي..

الأزمة الجديدة بدأت في الاشتعال أواخر العام المنصرم، بعد أن وضع عدد من الجامعات الحكومية نص القانون المقترح على مواقعها، بأرقام مواده وديباجته، وطلبت رأي أعضاء هيئات التدريس بهذه المواد. وكذلك حصل عدد من الصحافيين المتخصصين على نسخة منه عقب الاجتماع الشهري للجامعات ووضعوه على مواقع صحفهم. غضب الجميع من النصوص المطروحة، وقال رئيس جامعة القاهرة صراحة "لا يوجد قانون أصلاً، ونحن لم يُعرض علينا شيء لنقاشه، والمشروع المطروح لا نعرف عنه شيئاً"، ووصفه باللهو الخفي الذي ظهر فجأة، بينما اعتبر عدد آخر من رؤساء الجامعات بأن المقصود هو جس نبض الوسط الجامعي حول مقترحات محددة تريد الحكومة تمريرها في القانون الجديد.

أسمه على النسخة التي تم توزيعها "القانون الموحد لكل أنواع التعليم العالي في مصر"، سواء خاص أو حكومي أو أهلي، ويبدو أن الأمر يتعلق بتمرير فتح باب الشراكة مع المؤسسات العالمية وفتح الإستفادة من الاستثمار في الأبحاث والتسويق. وقال البعض أن "هذه إحدى أهم توصيات البنك الدولي".
 

الدولة تدعم الطالب مباشرة ــ وليس ميزانية الجامعات الرسمية ــ وتسدد له المصروفات. أما الطالب الذي يرسب في السنوات التالية فيدفع 50 في المئة من المصروفات إذا بقي للإعادة.

ومن أكثر ما أثار الاعتراض المادة الخاصة بفتح باب إلغاء تعاقد عضو هيئة التدريس بعد حدٍ من السنوات إذا لم يقم بتقديم عدد من الأبحاث العلمية والتقدم للترقية، وتحويل التعاقد إلى وظيفة إدارية وليست بحثية. وكان هذا الشرط موجوداً بالقانون القديم ولكن لوظيفة المعيد فقط وحتى حصوله على درجة الدكتوراه، وإطلاقها لجميع المناصب الجامعية هو ما يرفضه الأساتذة، معتبرين أنها خطة حكومية محكمة لتفريغ الجامعات الحكومية من أساتذتها. ولكن أخطر ما في الجزء الخاص بأعضاء هيئات التدريس هو مد عدد سنوات وشروط الترقية للوظيفة الأكبر، لتصبح ما بين 5 و7سنوات (كحد أدنى)، مما يؤثر على مسار العمل الأكاديمى ويفرغ الجامعات ويزيد التباعد بين الأجيال في وقت تتسارع عالمياً معدلات البحث العلمي وإنتاجه، كما أنه يزيد من حدة التدخل الحكومي في الجامعات، خاصة أن مواد القانون أعطت لوزير التعليم العالي (وهو الجهة الحكومية)، حق ترشيح الأشخاص لمنصب رؤساء الجامعات، وأن على رئيس الجامعة بعد تعيينه تقديم تقرير سنوي للوزير عن أعماله، وأن يشرك الوزير أيضاً بأخذ رأيه فى تعيين عمداء الكليات، بما يعني أن هذه كلها ستصبح مناصب ومجالس حكومية بالتعيين.

يخالف الدستور

لم يقتصر التحفّظ على مشروع القانون المتداول على الجامعات الحكومية، بل رفضته أيضاً الجامعات الخاصة. فقد أعلن رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية بالقاهرة رفضه التام لها فهي "لم تعرض عليهم ولم يسمعوا عنها نهائياً رغم أنها تخصّهم". وقال أنه "يتحفظ أصلاً على التسمية لأنه لا يمكن إلزام الجامعات الخاصة بهيكل إداري محدد"، واعتبر أن بمشروع القانون "خمس مخالفات دستورية، لاسيما فيما يتعلق بإستقلال الجامعات ودعم البحث العلمي"، وأنه "قبل إصدار مسودة القانون ينبغي عقد ورش عمل ولجان استماع، ثم تشكيل لجنة لصياغة المواد، وليس العكس كما يحدث الآن، خاصة وأن المشروع يقترح عقوبات على الجامعات".

ولم يقتصر المشروع المقترح على أوضاع أعضاء هيئات التدريس. ففي جزء مستقل هو الأهم، والمتعلق بالطلاب وكيفية قبولهم بالجامعات، حدد المشروع بوضوح الهدف منه، وهو أن يكون القبول بالجامعات عن طريق إمتحانات للقدرات تعقدها الجامعات بنفسها من خلال مركز يقوم بوضع معايير اختبارات القدرات لكل تخصص، وهو امتحان أخر غير إمتحان شهادة الثانوية العامة (أو البكالوريا المصرية). وسيكون قبول الطلاب مجانياً في العام الأول بالجامعات الحكومية، ولكن ستلتزم الدولة بالسداد سنوياً مقابل المصروفات الدراسية الحقيقية، بمعنى فصل مقدِّم الخدمة عن المستفيد منها: الدولة هي التي تدعم الطالب وتسدد له المصروفات. أما الطالب الذي يرسب في السنوات التالية فيدفع 50 في المئة من المصروفات إذا بقي للإعادة في العام الدراسي، وإذا رسب مرة أخرى يتعرض للفصل. واقترح المشروع أن تقوم ألمؤسسات المالية بالدولة بالتعاون مع الجامعات فى تقديم التسهيلات المادية للطلاب إى تقديم القروض لمن يتعثر فى الدراسة.
 

يقترح المشروع إنشاء مجلس أعلى للتعليم العالي برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية خمس وزراء منهم وزراء المالية والتخطيط، وخمس رؤساء جامعات حكومية وثلاثة من الجامعات الخاصة.

كما تعتبر شهادة الثانوية العامة فى مشروع القانون شهادة منتهية وتؤهل لسوق العمل مع مد صلاحيتها لمدة خمس سنوات للتقديم بالجامعات من خلال اختبارات القبول، وأستحدث مسمى جديد أسمه "طالب الاستماع"، من حقه حضور المقررات كمستمع ودون اشتراط شهادة محددة. ولكن الجامعات ستحدد شروط قبولهم كل عام.

وبما أنه مشروع موحد لكل أنواع التعليم فقد تقرر إعطاء الحرية للقطاع الخاص والمعاهد الخاصة فى تحديد المصروفات الدراسية بها، وكان القانون الحالي وهو خاص بالمعاهد العليا الخاصة، يعطى وزارة التعليم العالي حق الإشراف ومنح الشهادة وإعطاء التراخيص وتحديد المصروفات الدراسية والأعداد المقبولة سنوياً وفق قواعد محددة.

ومن أجل ذلك يقترح المشروع إنشاء مجلس أعلى للتعليم العالي برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية خمس وزراء منهم وزراء المالية والتخطيط وخمس رؤساء جامعات حكومية وثلاثة من التعليم الخاص. وهذا مجلس مستحدث تماماً في القانون الجديد. أما حالياً فيوجد مجلس أعلى للجامعات يضم كل الجامعات الحكومية ويختص بالتنسيق بينها، الجامعات، ويرأسه وزير التعليم العالي والجامعات فيه هيئات مستقلة يحكمها رئيس الجامعة ومجالس الجامعات.

ملامح القانون تلك أثارت أزمة جعلت الوزير نفسه (بعد التسريب) يقول أنه نسخة مشوهة وأنه مجرد عرض أفكار تستلزم الحوار، وإنْ لم ينفِ الأفكار المطروحة به، وإنْ تحفظ على بعضها مثل.. السيطرة على الجامعات الخاصة. وصدرت تصريحات عن مجلس الوزراء تؤكد بأنه ليس هناك مشروع موحد للجامعات. وأدى ذلك في النهاية بمجلس النواب (وتحديداً "لجنة التعليم") أن تبدأ هذا الأسبوع بفتح حلقات نقاش واستماع حول التعليم العالي، يحضرها أشخاص محددين مختارين بالاسم!

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...