الجزائريون يحتجّون: ماذا بعد "التقشف"؟

كانت السلطات الجزائرية تراهن كثيرا على عائدات المحروقات وما تجنيه من تصدير البترول إلى الخارج من مليارات الدولارات تدفع بجلّها إلى إنجاز المنشآت التحتية والمشاريع التنموية، ثم تلبية الانشغال الاجتماعي الذي يتصل بتحسين أجور الموظفين وتطوير إطارهم المعيشي
2016-09-16

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
صفية فرحات - تونس / تفصيل من لوحة جدارية

عكّرت صفو المسؤولين التقارير المحلية والدولية التي تظهر بلغة الأرقام الوضع الصعب الذي يعيشه الاقتصاد الجزائري بعد انخفاض سعر الذهب الأسود، وجعلتهم بعد نهاية عطلتهم هذا الصيف (التي تحددت بعشرة أيام فقط للوزراء وولاة المحافظات) يسارعون إلى الاستنفار تحسباً لتاريخ "الدخول الاجتماعي" مطلع الشهر الجاري وهو الذي تلوح فيه تنظميات جماهيرية ونقابات بإعلان إضرابات واسعة وتنظيم احتجاجات، على خلفية قرارات الحكومة الأخيرة التي تضرر بفعلها قطاع واسع من الشغيلة: إلغاء التقاعد النسبي للموظفين (اختيار التقاعد قبل الوصول إلى السنّ القانونية ومع حسم بعض النسب)، وهو القرار الذي ترفضه نقابات قطاعات الوظيفة العمومية وتهدد بإبطاله.
القرار سيدخل حيز التنفيذ مطلع 2017. وقد بررت الحكومة اتخاذه بالوضع الصعب للاقتصاد الوطني الذي يفرض سياسة تقشف سارعت الحكومة إلى إعلانها بمجرد بلوغ سعر البترول حدود الـ 40 دولاراً للبرميل. وكانت السلطات الجزائرية قد أكدت أنها تتمتع بهامش للمناورة يسمح لها، ولسنوات، بامتصاص صدمة انخفاض سعر المحروقات. إلا أنّ تصريحات رسمية لمسؤولين في الحكومة صدرت مؤخرا توحي بأنّ هذا الهامش بدأ يتقلص بشكل واضح، إلى حد قول احد الوزراء بأنّ ''السلطات قادرة على تسديد رواتب الموظفين، وهو السقف المتاح حاليا''.
أمّا الإعانات المالية المركزية التي سخّرتها الحكومة لسنوات للجماعات المحلية، فتوقفت، وعلى الولايات والبلديات التي تعاني عجزا في تحصيل الجبابة المحلية وفقرا في المداخيل المالية والمشاريع الاستثمارية أن تبحث عن بدائل حقيقية لتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين وكي تفي من جهة أخرى بالتزامات التنمية المحلية.

اتساع الاحتجاجات

وقد تطرق تقرير رسمي لجهاز الدرك الوطني الجزائري مرفوع إلى السلطات العليا، لموضوع الاحتجاجات التي عرفتها مؤخرا بعض مدن الجزائر، وحمل الكثير من المعطيات والمؤشرات "غير المريحة"، إذ أشار إلى تسجيل 430 حادث يتعلق بـ "الأمن والنظام العام"، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي، أي بمعدل خمس حوادث في اليوم. والرقم يظهر انخفاضا بنسبة 14 في المئة مقارنة بالسنة الماضية، في الاحتجاجات التي يقوم بها مواطنون جلّهم يعاني من مشاكل اجتماعية، غير أنّ ما يبقى بارزا في هذا التقرير هو إشارته إلى نوعية الاحتجاجات ومسبباتها. فالوضع الاجتماعي الهش لبعض الفئات لم يعد المسبب الوحيد لوقوع حركة احتجاج في الشارع أو على الطرقات، بل أصبح أداء المسؤولين وعجزهم عن تقدير الموقف سببا في تأجيج الأوضاع: ''المواطنون لا يزالون يعبرون عن سخطهم ومطالبهم ذات الطابع الاجتماعي المرتبطة بحياتهم اليومية، إما باللجوء إلى التجمع في الطرقات والشوارع أو بشن الإضرابات (...). اهتزاز الثقة بين المواطنين والمسؤولين على المستوى المحلي، خاصة أثناء حدوث حركات احتجاج بالولايات، إذ يعجز المسؤولون المعنيون عن التحكم في الأوضاع المتوترة وإدارة المواقف بالشكل المطلوب والمنشود، كاتخاذهم إجراءات في التوقيت المناسب أثناء الأزمة تسمح بفتح قنوات للحوار مع المحتجين أو تطوير أشكال الاتصال بالمواطنين". وتسارع السلطات المركزية في هذا الظرف بالتحديد الذي تتزايد فيه موجة الاحتجاجات إلى تدريب الكوادر المدنية والأمنية على إدارة الأزمات والمواقف الصعبة (تلقى ولاة للجمهورية وحوالي 100 عميد شرطة مؤخرا تكوينا خاصا بإدارة الأزمات والاحتجاجات).
يأتي هذا في الوقت الذي تتوقع فيه هيئات دولية مختصة في تحليل الوضع الاقتصادي قدوم السنوات العجاف على الجزائريين الذين تعودوا خلال العشرية الماضية على سياسة ''السوسيال'' والاتكال على دعم الدولة، مما ترك انطباعا مريحا لدى قطاع واسع من الموظفين وخريجي الجامعات بتحسن أوضاعهم الاجتماعية مع بقاء الاقتصاد الوطني متماسكا بفعل مداخيل المحروقات التي تقدر بمليارات الدولارات.
ويرى كثير من الاقتصاديين والسياسيين بالجزائر أنّ خيارات الحكومة الحالية لمواجهة أزمة انخفاض أسعار المحروقات قد لا تكفي لامتصاص ما قيل أنّه صدمة للاقتصاد الجزائري القائم أساساً على عائدات البترول. وانتقدوا قيام الحكومة بتبديد ما يقارب 48 مليار دولار في أقلّ من ستة أشهر بعد بداية الأزمة النفطية.
وترى أحزاب المعارضة أنّ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تباشرها الحكومة من خلال إطلاقها "سياسة التقشف وترشيد النفقات العمومية" تمس الشرائح المتوسطة والهشة داخل المجتمع الجزائري الذي يعاني من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور القدرة الشرائية وتراجع غير مسبوق لقيمة الدينار.
والواضح أن قطاع التربية والصحة والتعليم العالي وهيئات الجماعات المحلية ستكون على موعد مع حركات احتجاج واسعة. فقد نجم عن تطبيق سياسة التقشف انخفاض ميزانية قطاعات حكومية حساسة، وتراجع الحكومة عن الزيادات في أجور العمال.. الإعلام الرسمي يطمئن الجزائريين بأنّ الوضع متحكّم فيه، ولن تعرف الجزائر هزّات..

جبهة اجتماعية؟

كانت السلطات الجزائرية تراهن كثيرا على عائدات المحروقات وما تجنيه من تصدير البترول إلى الخارج من مليارات الدولارات تدفع بجلّها إلى إنجاز المنشآت التحتية والمشاريع التنموية، ثم تلبية الانشغال الاجتماعي الذي يتصل بتحسين أجور الموظفين وتطوير إطارهم المعيشي، من إنجاز للسكن والطرقات وتوفير مناصب الشغل.. وجدت هذه السلطات نفسها فجأة أمام أزمة مالية خانقة.
وهي تسوق هذه الأيام معلومات ومعطيات موجهة للرأي العام توحي باتجاه الحكومة إلى الاستثمار خارج قطاع المحروقات وبعث قطاعات السياحة والصناعة وإنعاشها. أما تقرير صندوق النقد الدولي فدعا السلطات الجزائرية إلى الشروع بأقرب وقت في إصلاحات اقتصادية شاملة قد تجعل من الدعم الاجتماعي الذي توفره الدولة يتقلص بشكل كبير.. الأمر الذي من المتوقع أن تترتب عليه موجة رفض تعبر عنها "الجبهة الاجتماعية" التي تقول إنّ "إجراءات الحكومة تزيد الفقير فقراً والغني غناً".

مقالات من الجزائر

الذهب الأزرق في الجزائر

يميز الجغرافيا الجزائرية التباين البالغ من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، حيث يتركز تدفق الأمطار في الحافة الشمالية الضيقة للبلاد بينما يكون في المناطق الداخلية ضعيفاً إلى شبه...

للكاتب نفسه