المسرح الموريتاني: هل تنجح محاولات البعث الجديدة؟

رغم أن المسرح يعتبر أباً للفنون، لكنه في موريتانيا لا يزال حتى يومنا هذا مجرد طفل ضائع في رحلة سيزيفية من أجل البحث عمن يتبنّاه.
2016-08-16

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
خالد خضير الصالحي - العراق

بدأت قصة المسرح الموريتاني عام 1958 أي سنتين قبل استقلال موريتانيا عن فرنسا، فقد قام الأب الروحي للمسرح والسينما في البلاد، همام فال، بتأسيس فرقة "الكيوكوطة" التي قدمت بعض العروض فرضت بها لنفسها موضع قدم في اهتمام الإنسان الموريتاني، حيث كان الرئيس المختار ولد داده ووزراء الحكومة يحضرون تلك العروض، وكان لها زخم شعبي ملحوظ. كانت عروض الفرقة تعتمد على الاسكتشات الكوميدية فيتم تمثيل النص من دون ترجمته حركيا، فتقرأ نصوص درامية من دون تحويلها لعروض  حركية وسينوغرافية.

وتلت تلك تجارب أخرى في بداية ثمانينات القرن الماضي أكثر قربا لتقاليد المسرح المتعارف عليها. ونذكر عناوين أبرز المبادرات المسرحية التي ظهرت آنذاك (غرناطة، شنقيط، الرسالة، المرابطون، الخلاص، المسرح الطلائعي، الأصابع والمرآة). وأطلق مصطلح  "الجيل الثاني" على رواد تلك المرحلة، وكان من أبرزهم محمد الأمين ولد عداهي، وقدم ذلك الجيل نصوص مسرحية موريتانية تراعي قواعد المسرح. أسّست تلك التجارب لاحقاً "الاتحاد الوطني لمسرح الهواة" الذي قدّم ذلك أعمالاً عديدة وشارك في مهرجانات دولية وإقليمية. لكنه تفكك بعد بضع سنوات، لتظهر بعده "فرقة المسرح الشعبي" التي تأسست العام 1990 وحققت بعض النجاح الجماهيري، وكانت تعتمد على التنكيت. وتوالت المحاولات بعد ذلك بين "الجاد" و"المبتذل".

الطفل لم يكبر بعد!

رغم أن المسرح يعتبر أباً للفنون، لكنه هنا لا يزال حتى يومنا هذا  مجرد طفل ضائع في رحلة سيزيفية من أجل البحث عمن يتبنّاه. وفي حديث مع الممثل المسرحي ورئيس اتحاد المسرحيين الموريتانيين بون ولد أميده، قال "المسرح الموريتاني تجربة لا تزال تراوح مكانها في حيّز البدايات، يوجد متخصصون كثر، وفي المقابل توجد فرق مسرحية بعضها يسعى للاحتراف. وقود المسرح العشرات من الهواة الذين تكتظ بهم دور الشباب على قلتها، ورداءة المتاح منها"، وأردف: "واقع المسرح اليوم في موريتانيا كواقع كل المجالات الثقافية، يعيش فوضى عارمة سببها الأول غياب الدولة التي لم تقدم للمسرحيين أكثر من تمييع قطاعهم بإطلاق فوضى عارمة فيه، وبتركها الحبل على الغارب لمن شاء أن يكون مسرحياً وينافس أهل الاختصاص والتجربة".

يعاني المسرح من مشاكل متنوعة. وحسب المخرج المسرحي إبراهيم ولد سمير "هناك عوائق بنيوية وتنظيمية تمنع قيام مسرح وطني محترف: غياب البنية التحتية الملائمة للعروض المسرحية وعدم وجود معاهد متخصصة تخرِّج محترفين ونظرة المجتمع الازدرائية للمسرح. كذلك فعدم الاهتمام الرسمي الجاد بخلق مسرح قومي أو فرقة وطنية للمسرح هو عائق كبير يجعل التعاطي مع المسرح مرهوناً بتضحيات عشاقه". وهو ما أكده ولد أميده: "وزارة الثقافة، وهي القطاع الوصي على المسرح، تعاني مشاكل تتمثل في غياب الكادر المتخصص والمحترف، لأنها تعتمد في الأساس على أشخاص لا يمكنهم تطوير فن ليسوا على دراية به، أضف إلى ذلك، غياب بنى تحتية حيث لا توجد دار واحدة للعرض يمكن الحديث عن توفرها على ضروريات العرض من إنارة مثلاً. ورغم كل ما سبق ومعه، هناك صابرون يطمحون للأفضل، وما طلعت الشمس من مشرقها سيبقى لديهم حلم تأسيس مسرح محترم".

الكثير من المنخرطين في المسرح الموريتاني تحوّلوا للعمل في التلفزيون وقدموا برامج كوميدية. وفي السنوات الأخيرة بدأت تظهر بعض التجارب الدرامية التلفزيونية، كان للمسرحيين دور مهم فيها، كممثلين وصنّاع، لكنها لم تأتِ بجديد، فهي تجارب دون مرحلة الهواة، فقيرة النصوص ومرتبكة الصورة وساذجة التمثيل. وقد تسرب بعض المهتمين بالمسرح لقطاعات أخرى أكثر مردودية اقتصادية، بعد أن يأسوا من واقعه وتحوّله لمكان للتهريج والابتذال، ورضوخاً لنظرة المجتمع الدونية له وللمشغلين فيه.

محاولات لبث روح جديدة

رغم هذا الواقع الباهت للمسرح، فلا يزال هناك من يحاول إيجاد تجارب تعطيه نفساً من أجل البقاء، حيث تأسّست فرق جديدة. قال إبراهيم ولد سمير: "شهد المسرح الموريتاني في السنوات الأخيرة تحريكاً للوضع الراكد، نتيجة ﻻحتكاكه المباشر بتجارب مسرحية عربية، وبانطلاق المهرجان الوطني للمسرح المدرسي الذي كان له بالغ الأثر في مدّ المسرح الموريتاني بمواهب جديدة، حيث توسعت دائرة الجمهور المحب والمتتبع للمسرح، ونتيجة لتأسيس فرق مسرحية جديدة تحاول النهوض بالإبداع المسرحي على الرغم من المعوقات والعراقيل. وأهمّ الفرق المسرحية في موريتانيا حاليا فرقة شروق المسرحية، وجمعية المسرحيين الموريتانيين، وفرقة المسرح الشعبي".

وتحدث ابراهيم عن تجربة فرقة "شروق" التي  يرأس: " الفرقة جاءت لتضيف لبنة وكمحاولة جادة لنقل المسرح الوطني من طور الهواية نحو عوالم الاحتراف، وهذا ما تطلب منا اﻻشتغال على محاور ثلاثة هي التكوين والتأطير والدراسة. ومن هنا يمكن وصف فرقة شروق المسرحية بمدرسة لتنمية المواهب واحتضان أصحابها.. وواصل: " في هذا الإطار تمّ إنتاج ثلاثة عروض مسرحية جادة وندوة بمناسبة  ذكرى التأسيس الأولى يوم 26 كانون الثاني/ يناير المنصرم، تحت عنوان المسرح الموريتاني الى أين؟ حضرها  معظم المهتمين والفاعلين الثقافيين" .وخلص:"قدمت الفرقة أطول عرض مسرحي باللغة العربية الفصحى عرفته المسارح الموريتانية (هو الحب والماء والخرافة)، من تأليف وإخراج المسرحي محمد ولد أبوه، ثم عرضَي "الحلم" من إخراج المسرحي محمد عاليون فال، كما كانت لنا الريادة بتقديم عرض مسرحي جمع بين مسرح الدمى وخيال الظل من إعداد وإخراج المسرحي عالي ولد ديدة، وأحدثنا قسم داخل الفرقة لمسرح الدمى والعرائس".

وتشهد موريتانيا منذ فترة  تصاعداً في النقاشات الهوياتية والمطالب الحقوقية والاجتماعية، تجعل الوضع يحتاج لمسرح يواكب الواقع ويعكسه، وينتقده، ويساهم في عملية التنوير ومخاطبة العقل وطرح الأسئلة. لكن غياب معاهد تدرس المسرح وغيره من الفنون سيظل عائقا أمام حدوث نهضة لهذا الملمح الإبداعي / الاجتماعي الهام.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه