قمع للباحثين في مقديشو

اعتقال ستة من طاقم عمل "مركز مقديشو للبحوث والدراسات" مساء الخميس 21/07/2014، شكّل انتقالًا إلى مرحلة جديدة من محاولة التحكم في تشكيل العقل الصومالي الناطق بالعربية. هؤلاء يعملون متجاوزين مخاطر التعرّض لأعمال انتقامية من "حركة الشباب" المتطرفة، ويستمرون في الإنتاج متكيّفين مع قلة الإمكانيات والغياب شبه التام للدعم والتشجيع
2016-07-26

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك

اعتقال ستة من طاقم عمل "مركز مقديشو للبحوث والدراسات" مساء الخميس 21/07/2014، شكّل انتقالًا إلى مرحلة جديدة من محاولة التحكم في تشكيل العقل الصومالي الناطق بالعربية. هؤلاء يعملون متجاوزين مخاطر التعرّض لأعمال انتقامية من "حركة الشباب" المتطرفة، ويستمرون في الإنتاج متكيّفين مع قلة الإمكانيات والغياب شبه التام للدعم والتشجيع، حتى يمكن للعشرات من المتعلمين والمثقفين والباحثين أن يقدّموا المعلومة الدقيقة والمعرفة الصحيحة حول وطنهم وإنسانه من مصدر قريب من الواقع بل ومن أشخاص يعايشونه ويتأثرون به!
ما الذي حدث؟
في خبر مقتضب، نشر موقع مركز دراسات مقديشو: "داهمت قوات تابعة لجهاز الأمن الصومالي بعد ظهر اليوم  مقر مركز مقديشو للبحوث والدراسات في مقديشو، واعتقلت مدير المركز عبد الوهاب علي مؤمن ونائبه عبد الرحمن عبدي وثلاثة من باحثي المركز. وتفيد آخر المعلومات التي تصلنا أن باحثي المركز الخمسة معتقلون حاليا في سجن "غدكا جلاعو" بمقديشو، حيث قيل أنّهم يخضعون للاستجواب".
وعلى الرغم من الانفراج الذي بدا، بعد السماح لعبد الوهاب مدير المركز ورفاقه، باستخدام هواتفهم والاتصال بأسرهم لإبلاغهم بسلامتهم وحسن المعاملة، فقد أشارت تقارير إلى ارتفاع عدد المعتقلين إلى ستة باستدعاء شافعي عبد العزيز حاج طفي، ليتم اعتقاله أيضاً بغرض الاستجواب!
تصاعد الشعور بالخطر!
خطورة أسلوب التعامل الأمني بذاته تمثل انتهاكاً صارخاً لحرمة مكاتب المؤسسة البحثية المرخصة، وذات المقر المعروف في العاصمة الصومالية، وهي استدعت التنديد. التعسف الذي أبداه رجال الأمن والذين لم يرد في التقارير التي تصلنا تقديمهم أي إشعار استدعاء أو مذكرة اعتقال للطاقم المحتجز، ينفي وجود مسوغ قانوني لما تمت مصادرته من أجهزة ومعدات في المركز والتحفظ عليها. وهو يدلُّ على حجم التخبّط الذي تعيشه الجهات الأمنية العاملة بأوامر لحظية، تهدد الشعور بالأمان لدى العاملين في المؤسسات الوطنية الناشطة في قطاع الإعلام والأبحاث الاجتماعية والسياسية والثقافية في البلاد، وتشكل عبئاً نفسياً يُضاف إلى ما هو موجود من مصادر تقليدية للتهديد، كحركة الشباب، والمتعصبين القبليين، والأفراد المتنفذين سياسياً واقتصادياً، والقادرين على استهداف الإعلاميين والباحثين دون أن تطالهم يد المحاسبة!
خذلان الجهات الرسمية
الطبقة المثقفة الملتزمة بالابتعاد عن إثارة النعرات، والكاتبة باللغة العربية، تملأ حيزاً مهماً في مجتمع محافظٍ ميّال للتدين، مساهمة بدورها في تهذيب العاطفة الدينية والاطلاع على الثقافة العربية والإسلامية الصومالية بأسلوب يفتح نوافذ العقل الجمعي للمجتمع على قبول الاختلاف والحوار حول القضايا الرئيسية التي يجب أن يتم التصدّي لها. وبدلًا من دعم الدور الأساسي الذي يقوم به هذه المراكز وأولئك الأفراد في تفريغ المحتوى المتعصّب للخطاب الفئوي، سواءً الثأري القبلي أو المتطرف الديني، فإنّه يتم اختصار دور أولئك الأفراد المنتجين والفرق العاملة بإيجابية على زاوية من النظر إليهم سياسية وإقصائيّة، أساسها الاستماتة بالتمسّك بالسلطة، وإن على حساب القانون.
إن المطلب الرئيسي الذي تحمله الشريحة المثقفة في العاصمة الصومالية اليوم، وفي لبّها فرق العمل في مراكز البحوث الوطنية، هو إطلاق سراح مدير المركز وفريقه ورد الاعتبار لهم ولمؤسستهم البحثية، وإعادة كافة تجهيزات العمل التي تمت مصادرتها والتحفظ عليها، بحجة التحقيق والتدقيق، وعدم السماح بمرور يوم إضافي عليهم محرومين من حريتهم في الحركة، وضمان حرية الفكر والعمل والتعبير لهم وسواهم، على ضوء التراخيص وضمن القانون المعمول به، والذي يفترض به أن يُلزم المركز وعامليه بقدر ما يُلزم الشخصيات النافذة في البلاد وقوى الأمن التي تتلقى منهم الأوامر والتوجيهات!

 

مقالات من الصومال

للكاتب نفسه