صفقة دبي العالمية لإدارة ميناء "بربرة" الصومالي

منذ الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم في التاسع من أيار/ مايو  حول ميناء "بربرة" التاريخي، بين حكومة "صوماليلاند" غير الحاظية بالاعتراف الدولي، و"شركة دبي العالمية للموانئ"، والاستقبال الحكومي الدافئ الذي حظي به "رئيس صوماليلاند" و"مرشح الانتخابات الرئاسية عن الحزب الحاكم"
2016-06-27

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك
ميناء بربرة

منذ الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم في التاسع من أيار/ مايو  حول ميناء "بربرة" التاريخي، بين حكومة "صوماليلاند" غير الحاظية بالاعتراف الدولي، و"شركة دبي العالمية للموانئ"، والاستقبال الحكومي الدافئ الذي حظي به "رئيس صوماليلاند" و"مرشح الانتخابات الرئاسية عن الحزب الحاكم"، لا زالت تتصاعد التكهنات والسجالات حول المستقبل الغامض الذي ينتظر هذا الميناء والمدينة التي تحتضنه، الذي يشكل سكانها نحو 7 في المئة من سكان الجمهورية المعلنة من طرف واحد.
بقيت مدينة "بربرة"  لفترة الميناء الرئيسي على الضفة الجنوبية لخليج عدن الذي كان يحمل اسمها لقرون، كونها مركزاً تجارياً قديماً عرفه الإغريق باسم "ملاو" (Malao)، وإليها يُنسب الصوماليون كما ورد في خريطة الإدريسي والرحالة المسلمون لدى وصفهم السكان بـ"البربر".

التفاصيل المعلن عنها

أعلن وزير خارجية "صوماليلاند" عن نقاط محددة حول المذكرة الموقعة بين حكومة "صوماليلاند" و"دبي العالمية للموانئ"، تمثلت بتسليم إدارة وتطوير الميناء إلى الشركة المذكورة لمدة ثلاثين عاماً قادمة، باستثمارات قدرها 442 مليون دولار خلال تلك المدة، وهو ما تسلمت بموجبه الحكومة عمولة توقيع قدرها 10 ملايين دولار ، و"قوارب سحب" (Tugboats) بقيمة خمسة ملايين دولار ، لم يتم تعيين عددها ومواصفاتها في سياق ذلك البيان.
الملفت أن الدخل المعلن لقطاع الجمرك في الميناء، حسب اللقاء بين "اللجنة البرلمانية لحماية ومراقبة المال العام" مع مدير دائرة جمارك الميناء في  تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 أسفر عن إقراره بأن "الدخل اليومي" لجمرك الميناء يتراوح ما بين 290 و330 ألف دولار (حسب سعر الصرف الحكومي للعملة المحلية)، أي أن الدخل السنوي لدائرة الجمرك لوحدها يزيد عن 100 مليون دولار، بما يكشف سوء إدارة للموارد، خاصة أن موارد الميناء تحت سلطة الرئاسة، بما يجعلها خارج سلطة وزارة المالية، فاتحاً ذلك الباب لتسويغ الاستعانة بطرف أجنبي في تطوير الميناء، تقوم باستثمار ما يوازي دخل الميناء لأربع سنين في عقد يستمر لثلاثين سنة!

القلق الشعبي

وشأن كل المدن في "صوماليلاند"، يعيش 29 في المئة من سكّان مدينة بربرة تحت خط الفقر، وتعتبر المهن المتعلقة بالميناء والصيد البحري المصدرين الرئيسيين للدخل، وفي ظلّ المخاوف من قيام الشركة الأجنبية بتكرار تجربة ميناء "عدن" (الذي عطل عمداً)، فإن ذلك سيسبب مشكلات اقتصادية واجتماعية غاية في الخطورة، قد تهدد الاستقرار في الإقليم كله، خاصة مع وجود 2000 عامل وموظف يعتبرون العمل في الميناء مصدر رزقهم الوحيد.
وقد يكون مما يُضاعف القلق الشعبي، انعدام الثقة بالحكومة الحالية، نظراً لتوسّع ممارسات الفساد واستغلال السلطة الحاصل على نطاق لم يسبق له مثيل، فالمخاوف لا زالت كبيرة في تكرار تجربة حكومة حزب "التضامن" (Kulmiye) مع شركة "Genel" البريطانية التركية للتنقيب عن النفط العام 2013، وانسحابها من العمل نتيجة لفساد وزير الداخلية أثناء تلك الفترة، ما دفع الحكومة الى إخفاء تفاصيل الاتفاقيات والعمل عن المعنيين من سكّان مناطق المشاريع، وأدى لحدوث خلل أمني خطير، وانكشاف فساد وزير الداخلية الذي اكتفت الحكومة بإقالته دون اتخاذ أية إجراءات قانونية تجاهه.
كما أن القلق من إمكانية توريط المنطقة في الأحداث الجارية باليمن المجاور، والتطورات الأخيرة في جنوبه التي لا تبشّر بخير، كل هذا يرفع وتيرة الشعور بأن الحكومة تقود البلد والشعب باتجاه غير مأمون العواقب، خاصة بعد الإعلان عن رغبة أطراف خليجية في الاستعانة بجنود ورجال أمن من البلاد، إثر زيارة وفد عسكري سوداني وقيامه بجولة في المرافق العسكرية ووصول مساعدات "أمنية" من أطراف عربية للحكومة في "هرجيسا".

ظلال على شرعية الاتفاقية

بقاء "صوماليلاند" خارج دائرة الدول المعترف بها دولياً، يضعها ويضع كل المرافق العامة تحت السيادة الرسمية لدولة "جمهورية الصومال الفيدرالية" المعترف بها كوريث شرعي للدولة المركزية إبان قيام "جمهورية الصومال" سنة 1960. وميناء "بربرة"، شأن كافة المرافق العامة، يقع ضمن ذلك التصنيف، وعليه فإنّ أي اتفاقية جارية مع حكومة "صوماليلاند" التي أعلنت "استقلالها التام" عن الصومال من طرف واحد ودون اعتراف دولي، ودون موافقة الطرف الآخر في "مقديشو"، يبقى مخالفة صريحة للقانون الدولي.
كما أنّ حدوث اتفاق "سرّي" بين حكومتي هرجيسا ومقديشو حول ميناء بربرة، (كما تردد أنّه عقد أثناء محادثات الكويت)، فهو انتهاك للمعلن والمطروح من قبل الأطراف السياسية في هرجيسا من عدم التفريط في "استقلال صوماليلاند وسيادتها"، واعتبار ذاك الاستقلال وتلك السيادة من "المقدّسات" التي لا تقبل المساومة. إننا أمام حالة خطيرة من إخفاء الحقائق عن الشعب، ويمكن في حال انكشافها أن تنهار حالة الاستقرار الذي نعمت بها هذه البقعة خلال العقدين الماضيين ويقع صراع داخلي مسلّح مفتوح وخطير على جميع دول القرن الإفريقي.

مقالات من الإمارات

للكاتب نفسه