الإمارات وهادي والوحدة اليمنية في عيدها الحزين

يبدو أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يفقد سيطرته على العاصمة المؤقتة عدن، بعد عام ونصف من فقدانه السيطرة على العاصمة صنعاء. مطلع أيار/ مايو الجاري، قامت سلطات عدن بترحيل المئات من أبناء الشمال اليمني من أراضيها بذريعة تنفيذ حملة ضد من لا يحملون أوراقهم الثبوتية، على الرغم من عدم وجود أي نص قانوني يمنح السلطة حق اتخاذ هذا الإجراء، وفي أجواء شديدة التوتر وخطاب تصعيدي ضد الوحدة.. يتزامن مع الذكرى الـ26 لإعلانها.
2016-05-25

توفيق الجند

كاتب صحافي من اليمن


شارك
مراد سبيع - اليمن

يبدو أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يفقد سيطرته على العاصمة المؤقتة عدن، بعد عام ونصف من فقدانه السيطرة على العاصمة صنعاء. مطلع أيار/ مايو الجاري، قامت سلطات عدن بترحيل المئات من أبناء الشمال اليمني من أراضيها بذريعة تنفيذ حملة ضد من لا يحملون أوراقهم الثبوتية، على الرغم من عدم وجود أي نص قانوني يمنح السلطة حق اتخاذ هذا الإجراء، وفي أجواء شديدة التوتر وخطاب تصعيدي ضد الوحدة.. يتزامن مع الذكرى الـ26 لإعلانها.

ترحيل الشماليين من الجنوب

واجهت تلك العملية رفضاً شعبياً واسعاً على مستوى الشمال، وانتقادات متفرقة وخجولة في الجنوب. ولامتصاص ردة الفعل الشعبية تلك، ولأن هادي اتهم بالتواطؤ مع مرتكبيها، فقد عَقد في اليوم التالي اجتماعا لمستشاريه وحكومته بالعاصمة السعودية الرياض، وأدان عمليات الترحيل التي نفّذتها سلطات عدن موجها بإيقافها. إلّا أن محافظ عدن الذي عيّنه هادي قبل أشهر رفض وقال إنّ العملية تأتي في إطار خطة أمنية أقرها الرئيس هادي. شكّل ذلك الأمر هزة جديدة وشديدة لشعبية هادي المتهاوية في اليمن.

ظهر لاحقاً أن تلك الحملات من اختصاص كيان تنظيمي طارئ سمي لواء الحزام الأمني، ويرأسه هاني بن بريك الوزير في حكومة هادي، والذي يعمل بالتنسيق المباشر مع دولة الإمارات، حيث كان لافتا ارتداؤه زيها الشعبي أثناء أدائه اليمين الدستورية كوزير أمام الرئيس هادي، وهو أحد القيادات السلفية التي وقفت إلى جانب هادي في حربه ضد الحوثيين بعدن قبل استعادتها في تموز/ يوليو من العام الماضي بدعم مباشر من القوات الإماراتية والسعودية. لكن وبعد  مرور عشرة أشهر لم يستطع الرئيس هادي ولا حكومته الإقامة الدائمة فيها وممارسة مهامهم منها كعاصمة مؤقتة، وشهدت المدينة أعلى حالات الاضطراب الأمني في البلاد بفعل تحول بعض الفصائل التي قاتلت إلى جانب هادي إلى قوى منفلتة تتنافس للسيطرة على مربعات ومؤسسات حكومية، قبل أن تنشب اشتباكات مسلحة بينها وبين الأجهزة الأمنية الرسمية وتتقلص هيمنتها، وإن لم تنته بعد.

الفوضى العظيمة

أنصار هادي من التيار الموالي لنائبه الجنرال علي محسن الأحمر (الإخوان المسلمون)، قادوا حملة ضد هادي وسلطات عدن ودولة الإمارات العربية المتحدة التي لم تستطع إيجاد معادلة مرضية لعلاقتها مع الإخوان حتى الآن، رغم أنهما معا يقفان نظريا في صف هادي ولكن ليس من أجله ولا حتى من أجل بعضهما البعض، وإنما لأن لهم جميعا خصم مشترك (الحوثيون وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح). أما هادي فيتعرض لانتقادات من الإمارات كما يتعرض لانتقادات من الإخوان. فعلاقة الإماراتيين بالرئيس هادي يشوبها صراع خفي، خاصة بعد قيامه بإزاحة حليفهم خالد بحاح الرجل الثاني في هرم السلطة من موقعيه في رئاسة الحكومة وكنائب للرئيس، وتعيين أحد خصومهم بدلا عنه كنائب للرئيس. 

هادي يفتقر للسلطة على الأرض، لكنه بالمقابل يتحمل المسؤولية الكاملة كرئيس للبلد. وهذه معادلة مريحة جدا للحوثيين الذين يمتلكون السلطة بصنعاء، ولسلطات الأمر الواقع بعدن، التي يفترض بها الولاء له. وقد هبطت شعبيته إلى أدنى مستوياتها بسبب ترحيل أبناء شمال اليمن من عدن، وهو إما تم بموافقة هادي أو أنه تدبير إماراتي لوضعه في موقف ضعيف ومحرج. 

ضلوع الإمارات في الأمر بهذه الطريقة وهي إحدى دول التحالف العربي الداعم لهادي أعطى انطباعا بخروج الصراع الصامت بين السعودية والإمارات إلى العلن بما يحمله من مخاطر على مستقبل الوضع اليمني لاختلاف مصالح كل منهما في البلاد. وهنا أيضا تقع المسؤولية على هادي لأنه يمثل الغطاء الشرعي لتدخل التحالف، ويتحمل نتيجة تدخله مهما خرجت عن إرادته ورغباته وأهدافه.

مطامع إماراتية 

نشطت الإمارات في عدن، وهي موضع مطمع تاريخي لها في اليمن، كونها أكثر الموانئ في المنطقة قدرة على التأثير في مستقبل ميناء دبي إن تم استثماره بشكل جيد، حيث كانت عدن الميناء تحتل مركزا متقدما بين موانئ العالم أثناء احتلال بريطانيا لجنوب اليمن بسبب موقعها تحديدا، وكانت موانئ دبي العالمية قد حصلت على عقد لإدارة ميناء عدن العام 2008، في صفقة أثارت ردود أفعال كثيرة حينها، واتهمها البعض بأنها تمت بشكل غير قانوني. وخلال فترة إدارتها للميناء تراجع نشاطه بشكل حاد، وكان هذا التراجع ذريعة للحكومة اليمنية لإلغاء العقد قبل ثلاثة أعوام، وهو تصرف أثار غضب الإمارات المتهمة بالعمل على إفشال ميناء عدن للحفاظ على مستقبل ميناء دبي. 

النشاط الإماراتي لم يقتصر على عدن جنوب اليمن، بل نفذت الإمارات قبل أسابيع عملية صامتة لسحب قواتها من مدينة مأرب (شرق صنعاء)، لتظهر أواخر نيسان/ إبريل الماضي في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، والخاضعة لسيطرة القاعدة منذ نيسان/ إبريل 2015، وتقوم بتحريرها خلال ساعات بعد عمليات وساطة غير معلنة أدت إلى انسحاب عناصر القاعدة بشكل آمن. ولم تذكر وسائل إعلام الإمارات هذه الصفقة والوساطة، بل بالغت في عدد ضحايا القاعدة للتغطية عليها. وكانت قد طلبت من واشنطن مساعدتها في عملياتها للحرب ضد القاعدة جنوب اليمن عبر قنوات اتصالها كدولة، وليس عبر "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية وتحتل فيه الإمارات المركز الثاني بعدها.

تعمل الإمارات بشكل منظم في اليمن بينما ترتبك السعودية بشكل ملحوظ، حتى على مستوى التحالفات المحلية لكل منهما. فبينما تراجعت الرياض عن موقفها المعلن من الإخوان المسلمين في اليمن التي سبق لها وضعهم في قائمتها للجماعات الإرهابية جنبا إلى جنب مع الحوثيين والقاعدة قبل أقل من عامين، نمّت أبو ظبي تحالفات جديدة مع السلفيين (في الجنوب وتعز) الذين ليس لهم كيان منظم يجمعهم، باستثناء حزب الرشاد الذي تم تأسيسه قبل الحرب بعامين فقط ولا يمثل كل سلفيي اليمن بل تيارا منهم. وقد ضعت أمريكا أمين عام حزب الرشاد الموالي لهادي في قائمة الداعمين للإرهاب، وسبق ذلك وجود تحالفات صامتة للإمارات مع بعض فصائل "الحراك الجنوبي" (منهم محافظ عدن ومدير أمنها حاليا) والقيادات الجنوبية في الخارج، وهذا منحها قدرة أكبر على التحرك والمناورة في الجنوب، دون الحاجة إلى سلطة الرئيس هادي بل عبر أياديها المباشرة على الأرض التي لها أجندات لا تتوافق أصلا مع مواقف هادي من الوحدة تحديدا، وهو من أصدر قرارات تعيينها بطلب إماراتي.

خلاصة: حالة هادي

بين هذه المعطيات غير المتسقة والمتباينة أحيانا، يقف الرئيس هادي. ويصمت عند انتظار قرارات متوقعة كالإطاحة بمحافظ عدن ومدير أمنها لأنهما وضعاه أمام الرأي العام اليمني في موقع الرئيس العاجز أو المتواطئ لدى شريحة أخرى من اليمنيين وكلاهما صفتان لا تليقان به كرئيس لبلد يمر بسباق بين القرار الصحيح والكارثة، وغالبا ما تكسب الأخيرة جولة السباق حتى تحول هادي إلى ملمح من ملامح الكارثة اليمنية المعاصرة. وربما كان هادي حريصا على عدم إيصال علاقته بالإمارات إلى نقطة حرجة تصعِّد الخلاف وتُظهِره للعلن، في ظل حرص سعودي على بقاء واستمرار علاقة التحالف مع أبو ظبي في الملف اليمني دون تعريضها لضربات قوية بعد عملية إزاحة بحاح وتصعيد الجنرال الأحمر.

ليس فقط قائد "الحزام الأمني" وقيادات السلطة بعدن، ولا عمليات ترحيل أبناء المحافظات الشمالية من عدن هو ما أثار ردة فعل شعبية غاضبة وقوية، أو أعطى مؤشرا على ضلوع الإمارات بما يجري جنوب اليمن. فضاحي خلفان قائد شرطة دبي السابق الذي لا زال ضمن الصف القيادي لجهاز الأمن الإماراتي، ظهر فجأة بتغريدات متوالية على حسابه بموقع تويتر، تضمنت مصطلحات جديدة مرتبطة بنظرية المؤامرة على الوحدة اليمنية في القاموس اليمني، إذ قال قبل أيام من الذكرى السنوية للوحدة (22 أيار/ مايو) أن "الجنوب العربي" (مسمّى لجنوب اليمن يتبناه تيار فك الارتباط بشمال اليمن) هو أصل العرب وليس شمال اليمن. وقبل أشهر ركّز على تسويق شكل الدولة اليمنية القادمة كاتحاد فيدرالي من ثلاثة أقاليم (شمال، وسط، جنوب). ورغم ظهور وزير خارجية الإمارات بعد يوم واحد من تغريدة خلفان الأخيرة مؤكدا عروبة اليمن، ما يعد نفيا لتبني سلطة الإمارات لرؤية خلفان إلا أن هذا الاخير بموقعه الأمني الرفيع لا يمكن أن يكرر مواقفه المختلفة عن موقف سلطات بلاده ما لم يكن يؤدي دور الكشّاف لردة الفعل الشعبية في اليمن.

يزيد الأمر حساسية عندما تقوم عدن بطرد أبناء الشمال تحديدا في الشهر الذي تحققت فيه الوحدة اليمنية، إذ لا زالت هذه الوحدة حاضرة عاطفيا في وجدان الشماليين وجزء كبير من الجنوبيين، على الرغم من كل الممارسات التي أساءت لها من قبل السلطات المتعاقبة، والعمل المنظم أيضا لزرع الكراهية لكل ما هو شمالي في الجنوب.. ما جعل هادي غير قادر على العودة إلى عدن للاحتفال بذكرى رمزية لا زال يؤكد عليها في كل خطاب، كما هو حال كل قرارات مجلس الأمن التي تؤكد على وحدة اليمن وسلامة أراضيه.. في حين يتم العكس على الأرض.

خرج عشرات الآلاف لإحياء ذكرى الوحدة بالعاصمة. لكن استمرار الوحدة بالوضع الراهن، أو بأي صيغة أخرى لم يعد قرارا بيد صنعاء، وإنما هو جزء من اتفاقات القوى الإقليمية والدولية أكثر من أي وقت مضى، كونها كحالة شعبية قد تراجعت خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وأصبح التعبير السياسي عنها مجرد ديكور للقرارات الأممية وفقرة من خطابات الرئيس، وجزء من مَراثٍ متعددة للنخبة التي ترى الخطأ في سلوكيات السلطة منذ حرب 1994 وليس في الوحدة ذاتها التي تحولت إلى ضحية للحاكم، كسائر المنجزات التي شكلت جزءا من وعيهم وأحلامهم لعقود.

مقالات من الإمارات

"الزامل"، ورقصة الحرب في اليمن

مثّلت معركة غزّة الجارية، التي انطلقت في السابع من أكتوبر/تشرين أول2023، مرحلةً جديدة في مسيرة الشعر الشعبي الحماسي أو "الزامل"، إذ تجاوز الفضاء المحلي باستيعابه مضامينها، ومواكبته لأحداثها، بدءاً من...

للكاتب نفسه

اليمن: ارتداد الدولة والمجتمع

مؤشرات ومظاهر انهيار الدول التي تحدث عنها ابن خلدون قبل قرون طويلة، يمكن تتبعها بوضوح تام في اليمن، من التعصب والنكوص إلى القبيلة، وصعود الغثاء وهبوط ما يمكن الاعتماد عليه.