القـــرار للشــعــب أم للحــكّام المؤقّتــيــن؟

لا تزال ليبيا ما بعد حقبة حكم معمر القذافي، تعيش فترة انتقالية لن تتّضح خطوطها العريضة قبل وضع دستور جديد نهائي للبلاد، يحدّد الهوية الواضحة لشكل الدولة وأطرها القانونية الناظمة لحياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. مهمّة مركزية ستكلَّف بها لجنة تأسيسية يدور النقاش حالياً في ليبيا حول طريقة انتقاء أعضائها، تعييناً من قبل «المؤتمر الوطني العام» (البرلمان المؤقت المنتخَب
2012-11-14

شارك

لا تزال ليبيا ما بعد حقبة حكم معمر القذافي، تعيش فترة انتقالية لن تتّضح خطوطها العريضة قبل وضع دستور جديد نهائي للبلاد، يحدّد الهوية الواضحة لشكل الدولة وأطرها القانونية الناظمة لحياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. مهمّة مركزية ستكلَّف بها لجنة تأسيسية يدور النقاش حالياً في ليبيا حول طريقة انتقاء أعضائها، تعييناً من قبل «المؤتمر الوطني العام» (البرلمان المؤقت المنتخَب أخيراً)، أم انتخاباً من قبل القاعدة الشعبية. ولتوضيح التداعيات المحتملة لاعتماد أحد الخيارين، نشر الموقع الالكتروني لـ«المفكرة القانونية»، دراسة لعادل عبد الحفيظ كندير أستاذ القانون بجامعة طرابلس، بعنوان «كيف تُشكَّل لجنة الـ60 لوضع الدستور في ليبيا؟ انتخاب بدلاً عن التعيين، ولكن..». دراسة هي أشبه بجرس إنذار كي لا تقع اللجنة التأسيسية المكلفة صياغة الدستور الليبي الجديد، تحت سلطة الحكّام الحاليين والمؤقتين في ليبيا. خطر سيتحقّق في حال تقرّر اختيار أعضاء اللجنة عن طريق التعيين لا الانتخاب، إذ في هذه الحالة، سيكون ولاء الأعضاء الستين للجنة معقوداً للهيئة التشريعية صاحبة التكليف، وليس للشعب، «مصدر السلطات» الحقيقي.
وبعد استعراضه التعريفات النظرية العامة للتعيين، وما يترتب عليه لجهة السلطة المعيِّنة وتلك المعيَّنة، يبرّر كندير الإشكالية القانونية التي يعالجها بواقع احتمال وجود نيّة لدى الحكام الحاليين لليبيا، ممثَّلين بـ«المؤتمر الوطني العام» وبـ«المجلس الوطني الانتقالي»، للهيمنة على قرار اللجنة، بدليل اعتماد صيغة تعيين الأعضاء في التعديل الذي أقرّه «المجلس الانتقالي» للمادة 30 من الإعلان الدستوري، قبل أن يعود ليعدّل التعديل ويعتمد الانتخاب كوصف للأداة القانونية التي ستستخدم عند تشكيل اللجنة التأسيسية. يظهر الانحياز سريعاً لدى كندير إلى جانب خيار اعتماد الانتخاب بالاقتراع العام لأعضاء اللجنة، وذلك لكي يتحرّر قرار أعضائها من سلطة وصاية الجهة المعيِّنة، أي «المؤتمر الوطني العام». ويبدو كندير شديد الثقة بأن مخاوفه تلك ستتحقّق لا محال إذا رسا القرار على التعيين. ولدى الأستاذ الجامعي ما يكفيه من حجج منطقية وقانونية للتحذير من خطر تبعيّة اللجنة في هذه الحالة لنوّاب ليبيا وأحزابها وقبائلها، لأنه «سيكون للمتبوع سلطة توجيه الأوامر لتابعه ومراقبة تنفيذها، ويكون التابع بذلك مسئولا عن أعماله وتصرّفاته أمام المتبوع «وليس أمام الشعب بحسب ما تنص عليه المادة 2 من الإعلان الدستوري المؤقت. أكثر من ذلك، فإنّ اللجنة التأسيسية ستجد نفسها في هذه الحالة «تحت سيطرة مراكز السلطة الفعلية في النظام السياسي القائم حالياً في ليبيا». ويتوقف كندير عند نقطة مفصلية، وهي المهمة التي ستوكل للجنة التأسيسية. فإذا كانت السلطة التأسيسية مكلفة إعداد دستور (جديد)، فتكون بذلك «سلطة تأسيسية أصلية» لا يجوز أن تعلوها سلطة أخرى غير الشعب. ويستدرك أنه إذا كانت وظيفتها تقتصر على تعديل الدستور (الحالي)، فهي بذلك تكون «سلطة تأسيسية فرعية أو مشتقة». ويخلص إلى أنّه بالنظر إلى أن المهمة الموكولة إلى لجنة الـ60 تتمثل في وضع دستور جديد للبلاد بعد الإطاحة بالقذافي، وليس تعديل دستور قائم أو مراجعته، بالتالي فإن «لجنة الـ 60 سلطة تأسيسية أصلية لا يجب أن تعلوها سلطة أخرى، ويعد مخالفة لمبادئ الفقه الدستوري كل ما من شأنه إخضاع السلطة التأسيسية الأصلية لسلطة أخرى ولو كانت سلطة تشريعية منتخبة من الشعب».
وفي السياق، يحذّر كندير من أنه لا يكفي إقرار مبدأ انتخاب أعضاء اللجنة، لأنه كي يكون الانتخاب سليماً، يجب «وضع معايير وضوابط أكثر دقة من تلك المنصوص عليها في قانون انتخابات المؤتمر الوطني العام». ضوابط يذكر منها ضرورة حصول المرشحين للعضوية على «تزكية من جهات لها صلة بوضع الدساتير والشؤون السياسية، كالمجلس الأعلى للقضاء، وتزكية من جامعتين ليبيتين حكوميتين، وتزكية من المجلس المحلي التابع له المرشح، بالإضافة إلى تزكية 50 مواطنا من الدائرة الانتخابية التابع لها»، على أن تُدرس جميع هذه التزكيات في جلسة علنية لـ «هيئة النزاهة».
الخلاصة الختامية تثبّت المنطلقات العامة التي يستهلّ بها كندير دراسته: إنّ المفاضلة بين التعيين والانتخاب كأداة قانونية لتشكيل لجنة الـ 60 التأسيسية، «ما هي إلا مفاضلة بين ممثلي الشعب الليبي، وبين ممثلي حكام ليبيا في المرحلة المؤقتة».

النسخة الكاملة من الدراسة على موقع
"المفكرة القانونية"

legal-agenda.com