صباح الخير يا صنعاء

اليمنيون شعب بسيط للغاية، طيب وكريم، ولا يخلو من لؤم بدائي، ولديه حس عال للفكاهة. واليمنيون شعب لا يكترث لهندامه كثيراً وقد لا يهتم لهندامه مطلقاً. لا يهتم اليمني العادي القادم أو القاطن في الريف بالوقوف أمام المرآة صباحا إنْ كانت موجودة في الجوار أصلا. لا يسرّح شعره إنْ كان أساساً يهتم بشراء المشط.. هو مهموم بتفاصيل أخرى مثل كيف سيدبر شوون معيشته، وأمر آخر مهم: أين سيقضي مقيله (جلسة تخزين
2015-10-12

بلقيس اللهبي

كاتبة من اليمن


شارك
في صنعاء (تصوير: خالد عبد الله علي/رويترز)

اليمنيون شعب بسيط للغاية، طيب وكريم، ولا يخلو من لؤم بدائي، ولديه حس عال للفكاهة. واليمنيون شعب لا يكترث لهندامه كثيراً وقد لا يهتم لهندامه مطلقاً. لا يهتم اليمني العادي القادم أو القاطن في الريف بالوقوف أمام المرآة صباحا إنْ كانت موجودة في الجوار أصلا. لا يسرّح شعره إنْ كان أساساً يهتم بشراء المشط.. هو مهموم بتفاصيل أخرى مثل كيف سيدبر شوون معيشته، وأمر آخر مهم: أين سيقضي مقيله (جلسة تخزين القات) ومع مَن مِن رفاقه.
هذا اليمني الذي لا يهتم لانعكاس صورته في مرآة، لم تحبه كاميرات العالم، في حين كانت في الماضي تلتقط صورا له فقط لتري العالم كم هو فقير ومتخلف وجائع ومنتهك.. لم تهتم لتلتقط صورا لمأساته التي يجترها منذ عشرات السنين، والتي تفاقمت الآن لتصبح حربا ينام على أصوات آلاتها، وإن حالفه بعض الحظ، يستيقظ على صوت الآلات نفسها..
لم تنتبه كاميرات العالم لطفلة ترتدي "الحفاض" فقط، ربما تجاوزت عامها الأول، مستلقية على وجهها يعلوها التراب، تماماً بالطريقة نفسها التي كان يستلقي بها الطفل السوري ايلان. بينما ايلان كانت امه قد ألبسته ملابسه الجميلة، وربما وضعت له زخات من العطر قبل أن تقبّله واعدة إياه بوطن، وايلان غسل البحر شعره وجسده ومشّطت شعره الحوريات البحرية قبل أن يملّنا ويرحل. طفلتي اليمنية الصغيرة نامت مرتدية حفاضها ولم يهتم احد بأن يضعها في بيجامتها ويسرّح شعرها قبل أن تختطف روحها آلة موت التحالف العربي، فلا ترى الشمس وتقضي تحت أنقاض سقف كان يؤويها.
كثيرون وكثيرات، رجال ونساء، صغار وكبار في تلك البلدة البعيدة عن كل شيء يقضون تحت وقع آلة الموت الدولية والمحلية، ولا تثير صورهم في ملابسهم البسيطة تحت الركام شهوة الكاميرا لالتقاط صورة.
قنوات عربية بعينها وضعت أحداث اليمن في مقدمة اهتمامها، لا من اجل اليمنيين ولكن لأنها تعبر عن الجهات التي تديرها وتعتبر المعركة معركتها. تنقل الخبر كرقم وكنصر لجهة على جهة وتفرغ مساحة للهواة لوضع بعض ما يلتقطونه. ولكن يبدو ذلك مشروطا بأن يدين المشهد جهة معينة. اصبحت صورة الضحايا أداة أخرى في المعركة. قد يعتذر إعلام الدنيا بأن وضع اليمن لا يسمح بوجوده، فيما يتواجد في أماكن أخرى وسط معارك أعنف، وتحضر الكاميرات ولا تهتم بالمخاطر. ما يحدث هو أن لا احد يكترث: فقط يمني/ة تـ/يموت.
لا تلقط الأقلام لحظة أفول اليمنيين بالعشرات والمئات والآلاف وهم يحصون عدد الطلعات الجوية والقذائف التي تواجه بعضها.. يلام شعب تقول عنه التقارير الدولية انه من الأفقر ومن الأعلى أمية ومن الأقل استخداما للتكنولوجيا، يلام لأنه لم يقم بإيصال صوته للعالم.. ولا يلوم هذا العالم نفسه انه ترك شعباً بائساً، وحيداً محاصراً ولم يلتقط له حتى صورة توثق موته.
ماذا لو كنتِ يا صنعاء تجدلين شعرك وتستخدمين أدوات الزينة وترتدين ملابس عصرية، هل كنت ستجدين من يلتقط لك صورة وانتِ تدفنين تحت أنقاض مبانيك المغرِقة في القِدم.. ماذا لو كنت تتعطرين عطرا باريسيا عوضا عن بخور المعابد الذي عطرتِ به معابد الدنيا منذ الأزل، ماذا لو كنت تستخدمين المصاعد للوصول إلى سطوح بيوتك العتيقة في علّوها، بدلا عن درجاتك الحجرية القديمة الضخمة جيدة الصنع والهندسة والملمّعة بنشارة الخشب والحشائش..
وبكل ذلك، ورغم غياب كاميرات ترصد حزنكِ وموتكِ، أود أن اقبل جبينك يا صنعاء كل صباح وأقول لكِ صباح الخير يا أم اليمنيين.